مهرجانات المغرب السينمائية بين الموسم والتكرار والاجترار والتسطيح ؟..
تازة بريس
اعتبر السيناريست والروائي عثمان أشقرا ذات يوم في حديث له عن مهرجانات السينما المغربية هنا وهناك لـ” جريدة الشرق الالكترونية” قبل حوالي السنتين، أنّ “كثرة المهرجانات السينمائية ليست أزمة، شرط احتفاظ كل مهرجان بهوية خاصة فضلاً عن الالتزام بشروط لجنة المهرجانات”، مُشدداً على “ضرورة اتباع هذه المحافل الفنية للتفرد والإبداع، وأنّ تكون لها بصمة خاصة وعلامة فكرية أو فنية أو مهنية مميزة، وأنّ تتمتع بشفافية في تدابيرها المالية وكذلك في علاقاتها مع الرعاة”. موضحا ” أنّ ” فقد أي من هذه الشروط سيجعل المهرجانات مجرد لقاءات دورية موسمية، يغلب عليها التكرار والابتذال والسطحية ومجالاً لتبذير المال العام بل وسرقته ووسيلة لتبادل الخدمات والانتفاع الشخصي مع هيمنة منطق المجاملات”. وفي مقال للناقد السينمائي نشره مؤخرا بعنوان” تخمة مهرجانات سينمائية بالمغرب لا تسمن ولا تغني من جوع”، كانت هناك جملة تقاطعات مع رأي “اشقرا” فضلا عن إشارات نقدية تخص ما هناك من أسئلة حول واقع حال واحوال مهرجانات المغرب السينمائية، ارتأت جريدة تازة بريس اعادة نشره تعميما للفائدة وتنويرا لقرائها ولمن يهمهم أمر هذا الشأن الثقافي الفني الوطني من مهتمين ومتتبعين وفاعلين. وهو كما يلي:
يتزايد عدد المهرجانات السينمائية في المغرب ليصل إلى 84 مهرجانًا، ما يثير تساؤلات العديد من المهتمين بالفن السابع حول جدوى هذا الكم الهائل من الفعاليات التي تعاني من تنظيم رديء وأفلام تفتقر إلى الجودة، وتعتمد على علاقات الواسطة، وتتكرر كل عام بنفس لجان التحكيم ونفس الضيوف دون أي جديد يُذكر، وفي مواجهة هذا الواقع يظهر اقتراح بتقليص عدد هذه المهرجانات إلى عشر فعاليات رئيسية فقط، بحيث تكون بمستوى المهرجان الدولي للفيلم بمراكش من حيث الجودة والتنظيم الدقيق، إذ يهدف هذا الاقتراح إلى تحسين نوعية المهرجانات السينمائية المدعومة من الدولة في ظل غياب دعم الشركات الخاصة والموزعين الشركاء، وتوجيه الموارد بشكل أفضل نحو تعزيز التجربة السينمائية في المغرب بدلاً من تشتيتها بين فعاليات تفتقر إلى الابتكار والتجديد.
وتعتبر المهرجانات السينمائية المحلية ذات التنظيم الرديء والجودة الضعيفة في المغرب أحد أبرز مظاهر الهدر الثقافي والمالي، حيث تُنفق الأموال العامة على فعاليات تفتقر إلى المهنية والإبداع، فهي لا تخدم سوى مجموعة صغيرة من الوسطاء والشركاء الذين يستفيدون من العلاقات الشخصية والوساطات، سواء في اختيار الأفلام أو توزيع الجوائز، إذ تتكون لجان التحكيم غالباً من نفس الأسماء التي تتكرر كل عام، وهذا يخلق حالة من الركود والتكرار دون أي إضافة تُذكر للمشهد الثقافي أو الفني، وما يزيد من تفاقم هذه المشكلة هو أن أغلب هذه التظاهرات لا تحظى بأي جمهور يُذكر، فهي تظل معزولة وغير مؤثرة، ولا يواكبها سوى منظميها ومن يرتبطون بهم مباشرة، ويجعلها مجرد وسيلة للمنظمين للاستفادة الشخصية من المال العام دون تقديم أي جديد يعود بالنفع على المجتمع أو السينما الوطنية.
بينما تستحق المهرجانات السينمائية التي تنظم بمبادرات خاصة كل التقدير والتشجيع، فهي تمثل نموذجًا يُحتذى به في دعم الثقافة والفن دون الاعتماد على المال العام أو السعي وراء المكاسب الشخصية، حيث تعبر هذه الفعاليات عن شغف حقيقي بالسينما وتفانٍ في تقديم محتوى بجودة عالية، ما يساهم في إثراء المشهد الثقافي وتنشيط الحركة الفنية في البلاد، إذ يبذل منظمو هذه المهرجانات جهودًا جبارة لضمان تنظيم محكم وتجربة سينمائية متميزة تعكس رؤيتهم وحرصهم على تقديم قيمة حقيقية للمجتمع، بعيدًا عن الهدر أو الطمع، حيث تشكل هذه الفعاليات فرصة ثمينة لعرض أفلام مبتكرة واستقطاب جمهور متنوع، وتعمل على تعزيز دور السينما كأداة للتعبير والتغيير، ويجعلها جديرة بكل دعم وتشجيع.
ويعرف المشهد السينمائي المغربي صراعًا متناميًا بين لجان دعم المهرجانات ومديري هذه الفعاليات، حيث تطغى الحسابات الشخصية على القرارات والتوجهات، ما يسيء إلى السينما المغربية بشكل كبير، إذ لا يخدم هذا الصراع الجمهور ولا يساهم في تطوير التظاهرات السينمائية، بل يبدو أن الهدف الأساسي للكثير من المتورطين فيه هو الحصول على الكعكة على حساب المال العام، حيث تدير العديد من هذه المهرجانات شبكة من الشركاء والوسطاء الذين يتقاسمون الأنشطة والمنافع ويؤدي إلى تكرار نفس الوجوه والفعاليات دون أي إضافة تُذكر للثقافة أو الفن، وهذا يشوه وضع جوهر السينما كوسيلة للتعبير الفني والثقافي، ويحرم الجمهور من فرص حقيقية للاستفادة من تجارب سينمائية متميزة.
وتشكل صحافة المهرجانات جزءًا من المشكلة في المشهد السينمائي المغربي، حيث تستفيد هي الأخرى من الكعكة وتعمل على التطبيل لهذه التظاهرات، مهما كانت جودتها وتنظيمها، بدلاً من أداء دورها النقدي والإعلامي بشفافية وموضوعية، تنحاز بعض وسائل الإعلام إلى دعم مهرجانات محددة لأسباب مصلحية، وتقوم بتضخيم نجاحاتها الوهمية، إذ يُسهم هذا التواطؤ في ترسيخ الرداءة وتشويه صورة السينما في المغرب، بينما يُغيب صوت الجمهور والنقاد الحقيقيين الذين يسعون إلى رفع مستوى السينما وتعزيز دورها الثقافي، وبهذه الطريقة تصبح الصحافة شريكًا غير نزيه في لعبة المصالح، ما يقوض الثقة في الإعلام ويضر بالتطور الحقيقي للفن السينمائي.
وتخيل لو كان المغرب السينمائي يضم عشر مهرجانات بحجم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، من حيث التنظيم والجودة والسمعة العالمية الطيبة، ففي هذا التوجه تكون المملكة وجهة سينمائية رائدة تستقطب نجوم وصناع السينما من جميع أنحاء العالم، وتسهم في رفع مستوى الفن السابع محليًا وعالميًا، حيث سيكون كل مهرجان متميزًا بتوجهه الفريد، ولكن لن يتحقق هذا الطموح إلا بوجود شركات خاصة تمول هذه المهرجانات، بالإضافة إلى شركاء مستثمرين يؤمنون بإمكانات السينما المغربية ويشاركون في تنظيم هذه التظاهرات، لأن الاعتماد على دعم الدولة وحده لن يكون كافيًا لتحقيق هذا الهدف، بل قد يؤدي إلى استنزاف ميزانية المال العام دون تحقيق التقدم المرجو أو بناء سمعة دولية قوية، وبإشراك القطاع الخاص في تمويل وتنظيم المهرجانات يمكن ضمان استدامة هذه الفعاليات والارتقاء بها إلى مستوى التنافس العالمي، تمامًا كما هو الحال في الدول المتقدمة سينمائيًا، حيث لا يتجاوز عدد المهرجانات الكبرى فيها 30 مهرجانًا، تتوزع على الولايات بشكل مدروس وتدعمها الشركات الخاصة والمستثمرون، وهذا يضمن لها النجاح والتأثير الثقافي ويستفيد منها المنتج والمستهلك معا.
عبد الرحيم الشافعي
https://middle-east-online.com
الثلاثاء 2024/08/20