الدولة تكرم أصحاب المزمار .. ولا تهتم لحال أصحاب الأذكار ..

تازة بريس16 أغسطس 2025آخر تحديث : السبت 16 أغسطس 2025 - 11:25 مساءً
الدولة تكرم أصحاب المزمار .. ولا تهتم لحال أصحاب الأذكار ..

تازة بريس

سعيد عبد النابي

ذعنت خديجة لنصيحة أمها يطو، فقصدت جدتها، واتأدت في مشيها تفكر في أحلامها التي تجلت في خيالها جبالا عاتية و غابات محفوفة بالمخاطر، وهي لا شيء، مجرد نزوة ممنوعة على الفقراء، أو أمل مكتوم، صادفتها في غرفتها تنسج الصوف، هي من جيل أتقن كل الحرف التقليدية، لكنه لم يفهم للكلمات المكتوبة معنى، استغل الجهل ظروف عائلاتهم فأطبق بقوة على عقولهم، لكنها برعت منذ صغرها في غزل الصوف، فأخضعت لسحر أناملها خيوط السدى، صنعت منها كل شيء، برانس ـ سلاهم ـ، جلابيب، زرابي أطلسية مزركشة، و كذلك برعت في صناعة الخزف، فكانت تصنع أوانيها بيديها، و فوق هذا وذاك، كانت تبدع في استعمال الدوم و الحلفا، فجمعت مؤهلات جعلت الرجال يسعون وراءها لتكون ركيزة خيامهم الكبرى.

فاتحتها خديجة بما أسرت إلى أمها، ابتسامتها ترافقها، رغم يقينها المطلق من رفضها الفكرة، فاتحتها بها ، ربما لتضحك، والجدة تفاجئها بقول اغرب من قول أمها، الهم كما يقال مضحك، وهو عند ساكنة قريتنا هستيريا … نانا  … يما قالت لي  نخدك و نمشيو نقراو ..شنو قلتي  ؟ ردت الجدة بطريقة آلية، دون وضع المنسج من يدها، دون رفع عينيها حتى لتكون اكثر اقناع.. سيري غير انتي يلا بغيتي  ابنتي..  اما نانا مشا عليها الحال باش دقرى ،  و زيدون فبلادنا ماكاينش  اللي  يقريك  غير تهناي  … واحد  النهار بغات بنت السيمو دقري الناس كيما قلتي …  شهر و هي ادور من دار لدار جاوها عشرة … جلسوا  سيمانا و تفرقوا … و ليه  انانا … ساقو لا   لخبر اتخلص  عليهم  … و هوما يديرو مناقص  … قالولا لا  … حنا نبطلو شغالنا و هي تخلص… يخلصونا حتى حنا يلا بغاونا نقراو  …لمرا  ايلا دارت  خمسة دجاجات  و باعت بيضم حسن لا م كذوب الراديو والتلفزة ، حنا عندنا غي لمكاره ابنتي فهاد الدوار. وتحينت خديجة كل الفرص.. حاولت تمرير ما يروج بخاطرها، بكل الأساليب، سالت أباها عند مأدبة العشاء بلغة العتاب عن السيدة الشقراء… شفتي  ابابا  لمرا د البارح؟  …لو كان قريتيني  حتى انا كان حمرت ليك لوجه … ورد الأب الذي كان فقط نظرات رانية لأصابع تحدق بالأكل، وأنفاس نهم متتالية : باش  ابنتي؟   بالصقل ؟ بشي وظيفة كبيرة ..شفتي دابا يلا ما دخلوش لعيالات فالبيعة و شرية ادفسد اللعبة، راه الحكومة ايلا ما كانتش نصا عيالات ما يعطيوا كريدي ما يخليوا دهنا.. الواحد يحمد الله على ما عطى الله ابنتي ،هاد الشقف ما شي يفلسك ، من شوميشة للسياسة؟  طرتي طيرا واحدة غي الله يستر . ديك لمرا د البارح …. من فرنسا ياك  ؟  باينة من بلاد لكور …. ما نعرف  ابنتي,,,  حتى يجي لفقيه  و سقسيه. و لا… ايلا امشيتي  عند خوالك فلمدينة سقسيهم .انا خاطيني البوليتيك، وحتى انتي حاولي على راسك … راه فالتالي كتسالا لهدرة و تحسي بالشمتة … بالشمتة ’؟ ايلا هو عقلي ساعفني …. هاد الهدرة ديال الحقوق و حريق الراس  مامناشاي … الواحد ايلا ربح صلاتو مقبولة غناه الله …هادوك اللي  ايعرفو يحركو شنايفم هما اللي خرجوا علينا، لا انا لا انتي … و خرجنا لا ديدي لا حب لملوك … سقسي لفقيه … و شوشي فكل موطع… راه ربي حنين ..ايلا بغاك دوصل دوصل..  انتي لبسي وهو يفصل..

  استقرت في وجدانها كلمات ابيها، كأنها تسعى الى الخلود، فرددت في صمت قوله، لمرات عديدة، حتى كادت من التكرار ان تلحنه.. حتى يجي لفقيه و سأسيه، حتى يجي لفقيه و ساسيه .  ايلا بغاك  الله دوصل …انتي لبسي وهو يفصل.. لم تكن خديجة في البداية تدرك إلام ترمز تلك المطرقة الغريبة المختلفة كثيرا عن مطرقتها الصغيرة التي تستعملها عادة في كسر قوالب السكر وتفتيتها كلما هبت إلى إعداد الشاي، أو تستعملها لدق مسمار على الخشب، أو ربما لينت بها الحلفى و هي تبدع كجدتها في صناعة الأطباق و ما لزم مائدتها . مطرقة السيدة الشقراء كانت من خشب، بحجم اكبر من المألوف، لا هي مرزبة تصلح للمدر و لا هي من حديد تنفع الحداد، كانت تحملها في قاعة واسعة تغص بحشد من الناس، فيها المقاعد كثيرة، وثيرة ومتراصة، توحي بثراء المكان الفاحش، همهمت بصوت خافت: زعم  كان اريت كان طحيت بحالا ؟   كاع داك الزهر عند لفئيه ؟        ولاد لابيلة اراو  حتى عياو ورجعوا للمنجل. لكنها انتظرت زيارة الفقيه لبيت أبيها كي تغرقه بأسئلتها، عساها تفهم منه ما استعصى على فهمها، هو كما قال والدها السي علال، عالم الدوار المحنك المطلع على خبايا الأمور، له احترام خاص عند قلوب الكبار، يجعله على رأس المدعوين إلى المناسبات العائلية، حريص على تصيد الفرص، يكاد يكون كالريح بتسلله إلى كل مكان، ما إن تراه حتى تدرك ما وراءه، لو أنها جالت بنظرها بعيدا لرأته، إما قاصدا بيتها أو بيت غيرها، خصوصا شيخ الدوار ـ عون السلطة ـ  لما بينهما من ود و أخوة، صارت مع الزمن مضرب المثل . كانت تتغير أهداف زياراته بحسب النيات التي تحركه، في البداية كانت محصورة في جمع * الشرط *، أجر نقدي أو عيني اشترطه على ساكنة الدوار مقابل مهام معينة، كإمامة المسجد و تعليم الأطفال .السبب الذي من اجله جاء إلى الدوار أصلا. ورغم ما للكلمة من تميز في اللغة، كان الفقيه يرى في استعمالها انتقاصا من العلم برمته، بعد سماعه شباب القرية يمحقونها وهم ينعتونه و صحبه بشرطة الموائد (بوليس الطعام) . كان ينتظر من قبل في بيته، يأتيه نصيبه كاملا عند نهاية الشهر، ينضاف إليه ما كتب الله له من حق في زكاة الغلة عند القطاف، ناهيك عما يتكبده الطلبة من حين لآخر من حمل لخبز بلدي يكاد شعاع دائرته يتجاوز الربع متر، كدعم . وكان يرى في إعجاب الناس به تأكيدا لأهميته، مما بعث في دواخله أحاسيس الرضى، جعلت لسانه يلهج بالافتخار، كأنه المرشح لولاية الله على أرضه، ولو كان اسمه محمدا، ولو كان اسم أبيه عبد الله، لكان ادعى انه المهدي المنتظر، بكل وقاحة، دون حياء أو خجل، لكن كلمة لفقيه غلبت على الاسـم و الكنية فغطتهما، قل من عرفه باسمه الحقيقي عبد السلام، وانه منسوب لامه حدهوم، لا لأبيه. وهذا سر ربما خفي عنه قبلهم، حرمه من إظهار شجرة عائلته، و الكلام عنها، لا يعلم إن كانت سدرا يثمر نبقا او حنظلا يورث المرارة، غزا رأسه الشيب فذكره بواقعه، العزوبة تكتم أنفاسه، والعمر يفني ثوانيه، وهو حبيس جدران باردة برودة تراب القبر. تساءل  مرة : الى اي مدى يمكنه الصمود ؟. غدا سيلزمه المرض حتما الفراش، من سيكون له عونا وسندا ؟ الدولة تكرم أصحاب المزمار.. ولا تهتم لحال أصحاب الأذكار.

جمعوي وكاتب

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق