الحديث عن تازة “مدينة النحاس” خلط ودرب من خيال وخرافات ؟..

تازة بريس26 ديسمبر 2025آخر تحديث : الجمعة 26 ديسمبر 2025 - 2:32 مساءً
الحديث عن تازة “مدينة النحاس” خلط ودرب من خيال وخرافات ؟..

تازة بريس 

عبد السلام انويكًة

فضلا عن شروط نشأتها ونواتها الاصل ودلالات تسمياتها وطبيعة مواقعها وعمرانها الشاهد، مثيرة هويتها ومثير تراثها المادي واللامادي. تلك هي مدن المغرب العتيقة عموما لِما هي عليه من بصمات حضارة عريقة. ولعل بقدر ما توزعت هذه المدن على جميع جهات البلاد بقدر ما منها بمواقع جبلية فاصلة وممرات، من قبيل تازة التي تحفظ إرثا بمعالم دالة على عظمة مكان وفعل انسان، لِما أحيطت به من عناية سلطانية زمن العصر الوسيط، وما احتضنته من مرافق روحية وعلمية وسياسية ودفاعية جمعت بين دار إمارة ومدارس وإقامة طلبة وزوايا ودور عبادة، من قبيل جامع المدينة الأعظم الذي يعود بناءه للقرن السادس الهجري، كواحد من تحف عمارة المغرب التاريخية. وقد سمي بالجامع لِما احتواه من أثاث وما كان له من أدوار، فضلاً عما حضي به من عناية ورعاية ملوك بني مرين الذين جعلوا تازة عاصمة أول أمرهم.

 حول نشأة تازة ونواتها وامتدادها العمراني، جدير بالاشارة الى أنه بقدر ما هناك من اشارات مصدرية بقدر ما هناك من غموض يخص ما طبع نشأتها. والى جانب ما هناك من اشارات حول كون تازة كانت قبلة لحملات المولى ادريس الأول في بداية أمره السياسي، بقدر ما نشأة (المدينة) ربما تعود لفترة سابقة عما هو متداول، فابن خلدون مثلاً يشير لكيانات استوطنت المنطقة ممثلة في بني العافية وقبيلة مكناسة، والتي قد تكون اختطت تازة خلال القرن الثالث الهجري. وعليه، قد تكون نواتها الاصل تعرضت تخريب ما قبل اعادة بناءها من جديد وانتقالها من وضع رباط الى وضع مدينة زمن الموحدين.  وإذا كان اسم تازة قد ورد بصيغ تيزا وتازا وتازى وتازة منذ القرن الرابع الهجري، فبلوغ أصل التسمية وما هو طوبونيمي ليس أمراً سهلاً، علما أن تسميات المدن ومنها تازة أمر شبيه بما هو أثر أيضا قد يكون فَقَد كثيراً من دلالاته الأولى، بل اسم تازة قد يكون تجمد مع الزمن ولم يبق منه سوى بقايا لشيء ربما تفكك منذ قرون، ومن هنا صعوبة معرفة أصل الاسم وما طبعه من تغيرات. وهنا مثلا عوض الحديث عن تزي باعتباره أصل التسمية قد يكون العكس أي كون اسم تيزي هو الذي اشتق من تازة. ولعل من فعل الطبيعة وعواملها ومشاهدها ما قد يكون مصدر اسم تازة، علما أن مجالها غني بصخر الكلس الذي يعرف محليا ب”تافزة”، وهو اسم ضارب في القدم وحاضر في الذاكرة الشعبية في علاقته بصناعة مادة الجير، وعليه قد يكون أصل تسمية تازة. 

وقد يكون لإسم المدينة علاقة بصوت تحدثه رياح قوية عند التقاءها بأجراف مقابلة وفتحات كهفية، ما هو غير مستبعد مع ما ورد عند لسان الدين ابن الخطيب لما زار تازة ورتب حولها صورة ومقولة، مشيراً الى أن المدينة بمكان ممتنع مرتبط بجبل وأن ريح المكان عاصف وبرده لا يصفه واصف، خصوصية لا تزال قائمة من خلال باب تاريخي شهير بها يعرف بباب الريح غربا، من شدة ما يكون عليه هذا الجزء من المدينة من قوة ريح محدث لصوت بصدى قوي، خاصة خلال فصل الشتاء حيث يصعب المرور عبره والوقوف فيه، وقد يكون مكان نشأة تازة الذي هو صخرة واسعة محاطة بأجراف، أصل التسمية لِما قد يكون هناك من علاقة بتعبير يعني الصخرة باللغة الأمازيغية. وأمام ما هناك من تعدد قراءات لأصل تسمية المدينة، من الدلالات التي يمكن أن يميل اليها المهتم تلك التي تعني الفج، خاصة وأن تازة توجد بممر فاصل في علاقته بجبال الأطلس المتوسط جنوبا ثم تلال مقدمة الريف شمالا. 

وأما حول تازة وما يروج حول تسمية مدينة النحاس، فهذه اشارة لم ترد في أي مصدر تاريخي لا عربي ولا مغربي، والحديث عن النحاس وتازة خلط ودرب من خيال واساطير وخرافة. وقد يكون ما حصل حول (تازة مدينة النحاس) لبس تعبير وإسم وتدوين ورد في تقارير استعمارية، أعدها مستكشفون أجانب أواخر القرن التاسع عشر، معتمدين في محتوى تقاريرهم على ما يتم التقاطه من الأهالي بهاجس جمع المعلومة حول عدد من القضايا. وعليه، قد يكون ما ورد مكتوبا باللغة الفرنسية لدى بعض الرحالة الاستخباراتيين، يعني مدينة النعاس وليس النحاس، بحيث كتبوا الكلمة وفق ما سمعوه من رواية محلية، علما أن تازة كانت محطة توقف للزوار والعابرين من تجار قوافل، فكانوا يقيمون بها لبعض الوقت. مع أهمية الاشارة لما كان بتازة من فنادق بأثر لا يزال شاهدا، ومن حمامات ورحبات بيع وشراء وحرف بخدمات لقوافل التجارة وغيرها.

كل هذه الاشارات وغيرها حول مجال تازة ومشاهدها الطبيعية البنائية ومياهها المتدفقة في علاقتها بنشاط الأهالي وتفاعلاتهم عبر الزمن، وحول معالم المدينة الأثرية في امتدادها وتنوع مستويات أدوارها ومظاهر وهندسة بناءها من جوامع ومدارس وأبواب وأبراج ساحات ودروب، وحصون دفاعية كما بالنسبة لحصن المدينة السعدي الشهير ب(البستيون). كل هذه المساحات الحضارية التي طبعت تازة عملنا وعمل عدد من أبناء تازة من الشغوفين والمهتمين بتراث المنطقة، على اثارتها ومناقشتها منذ على الأقل ثمانينات القرن الماضي، في عدد من المواعيد والأنشطة العلمية والاعلامية والندوات هنا وهناك من قبيل الملتقى الأول لمدينة تازة العتيقة قبل أكثر من ربع قرن.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق