تازة : الماء وسلطة الجبل وجدل الأحواز في تجليات تراث المدينة المائي ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
يسجل لإذاعة مكناس الجهوية ما هي عليه من حضور متميز وايقاع أثيري وجهود واجتهاد تنويرا منها لمستمعيها، لِما تقدمه خدمة للجهة “فاس مكناس” ولِما هو ترابي رافع للتنمية عبر برامج رفيعة المستوى والقيمة الأدبية، منها تلك المفتوحة على ما هو تاريخ وتراث وحضارة وهوية زمنية محلية واقليمية وجهوية. لعل منها برنامج “أسماء ودلالات” كمساحة اذاعية بقدر معبر مما هو جديد وتجديد ومواكبة وتفاعل، وايضا كمادة اعلامية اذاعية ذات طبيعة تاريخية تراثية تنويرية وتثقيفية، أكثر انصاتا والتفاتا لِما هو جهوي تراثي مادي ولامادي رافع، تنويرا للناشئة بما هناك من ذخائر تراث على صعيد مدن وبوادي وتراب جهة فاس مكناس عموما. وهكذا وانفتاحا من اذاعة مكناس الجهوية على تاريخ وتراث مدينة تازة، عبر برنامج “اسماء ودلالات” من خلال حلقات عدة هي الآن جزء من أرشيف هذه المحطة. حلقة جديدة تتوجه بعنايتها لمكونٍ وجانبٍ بقدر كبير من الأهمية في تاريخ وتراث هذه المدينة الأصيلة، ويتعلق الأمر بالماء والتراث المائي، وما كان لهذا العنصر الحيوي من أثر وتجليات وبصمات، في زمن تازة وعمارتها ووقائعها وجدلها المحلي .. منذ العصر الوسيط، علما أن ما هي عليه المدينة من غنى حضاري هو نتاج عوامل عدة لعل منها عنصر الماء. وهو ما تروم هذه الحلقة التعريف به وتسليط بعض الضوء عليه، تنويرا للمستمعين والمهتمين وكذا الباحثين ضمن حلقة أولى من تأطيرنا ثم ثانية حول نفس التيمة بعد اسبوعين بحول الله.
ولعل عنصر الماء كان بدور وأثر في بلورة الحضارة المغربية وحضارة مدن المغرب وبواديه منذ القدم، فقد كان بأثر معبر موجه لعدد من الأحداث التاريخية بعدد من الأمكنة على مر الحقب والأزمنة على عدة مستويات. ومن الدارسين الباحثين المهتمين بالموضوع من اعتبر أن الماء بالمغرب في علاقته بالبوادي والمدن منذ العصر الوسيط، كان عنصرا فاعلا موجها مؤثرا متحكما في إنتاج الرخاء والأزمات معا. من خلال ما كانت عليه أمور العيش والاستقرار من تأثر بندرته وتقلب أحواله لعوامل مناخية وبشرية وترابية وثقافية. وهي السياقات التاريخية التي جعلت سبل تدبيره من الأولويات هنا وهناك خلال هذه الفترة وتلك، دون نسيان ما كان للماء من أثر فيما حصل من نزاعات وصراعات وضرر في فترات حرجة، من قبيل ما كان بين بعض المدن والبوادي/ القبائل كما الحال بالنسبة لتازة، وهو ما يحضر في مصادر تاريخية مغربية منذ العصر الوسيط. ولعلها احداث ووقائع بقدر ما أفرزته من ضوابط عرفية وأنظمة استغلال محلي وتقاسم وتشارك فضلا عن طبيعة حلول ومخرجات، بقدر ما حصل من قراءات وفتاوى وتدخلات على اثرها وقد ظهرت جلية في نوازل المياه وما أثير من إشكالات مائية لأسباب عدة. هكذا اذن ما طبع البلاد من وعي محلي جماعي بقيمة الماء وأهميته في حياة المغاربة منذ العصر الوسيط، ومن ثمة غنى التراث المائي المغربي على مستوى المدن والبوادي، ومعه غنى سبل تنظيم وتدبير المجال وتدخل الانسان، من خلال تجليات توفير الماء ونقله وسبل حفظه وتوزيعه وتقاسمه.. عبر ما تم إحداثه من آليات وبنيات (سواقي وآبار وسدود وخزانات وخطارات وغيرها من أليات التوفير والتموين) حسب طبيعة تضاريس الجهات والمناطق ومناخها بين سهل وصحراء وجبل. وفق ما تم بلوغه من ضوابط مؤسساتية مرتبطة ”بالجماعة” وما كان يؤطرها من أعراف. وهكذا ايضا بعض من الماء والتراث المائي في المغرب، وما هو عليه من حمولة طبيعية واقتصادية وثقافية واجتماعية وروحانية وكذا غرائبية اسطورية وغيرها. الماء الذي كان بدور في مستقر وعيش وفعل وتفاعل وحرف وحرفيين وانتاج وحركة وتنقل وهجرة، فضلا عن نزاع وأحوال سلم وعمران وعمارة وحضارة، بل أيضا بدور وأثر حتى في نشأة دول وقيام وانهيار تجارب سياسية بالمغرب وكذا تأسيس مدن واختيار مواقع ومواضع.
سياق يسجل فيه على مستوى البحث والدراسة، ما هناك من نصوص علمية بحثية ذات صلة، بقدر ما أغنت الخزانة المغربية ووفرت مادة معرفية تاريخية وثقافية، بقدر ما توجهت بعنايتها وأسئلتها.. حول الماء ضمن وعاء بحثي ونهج وقراءة ومقاربة، لِما هو مجالي فزيائي وزمني وانساني وثقافي وبيئي وتنظيمي وقانوني..، ولعلها دراسات وابحاث على درجة من الأهمية والقيمة المضافة، لِما بلغته من خلاصات واستنتاجات وتراكمات، وكذا ما سلطته من اضواء في محاولة لفهم ما هناك من اشكالات وتجليات وتفاعلات وعلائق وصور حياة وأنماط عيش ووقائع وعقليات وذهنيات، ارتبطت بعنصر الماء هنا وهناك بالمغرب على مستوى المدن والبوادي، إن في حالة وفرة هذه المادة الحيوية أو ندرتها مع ما رافق ذلك من صعاب طبيعية وغير طبيعية، لعل من صورها ما طبع تازة بجوارها حول عنصر الماء على امتداد فترات تاريخها حتى مطلع القرن الماضي، وعليه، ما هناك من تراث مائي محلي بمشاهد وتجليات مادية ولا مادية فضلا عن سلطة جبل في هذا الشأن، من المفيد اثارته والحديث عنه وإبراز جدله في أزمنة المدينة وأمكنتها تنويرا للمهتمين وعموم الناشئة.