عندما أخرجت ابتسامة من داخلي كما كانت تخرج جدتي الشوكة بالمساك

تازة بريس19 يناير 2024آخر تحديث : الجمعة 19 يناير 2024 - 9:31 مساءً
عندما أخرجت ابتسامة من داخلي كما كانت تخرج جدتي الشوكة بالمساك

تازة بريس

سعيد عبد النابي

احتراما لأمي، بنيت خلف المنزل مصطبة صغيرة، كنت أقصدها كلما ضاقت الأوردة واحتاج الدماغ إلى جرعة نيكوتين، جرعة نيكوتين .. تعني زيادة دوبامين وادرينالين، ودبيب نشاط في الأعصاب، نوعا ما حاكى الحال العشق في تأثيره، لكن دمار الداخل أشبعته غفلتي تكتيما، أتأذى بسموم دون الانتصار لصحتي، كأن هذا الجسد ليس لي لا أملك فيه حقا ولا أمرا، كأنه لعدو.. أنتقم منه في. حملت كاس الشاي في كف وعود ثقاب مع علبة سجائر في كف أخرى، متبنيا مبدأ النأي بالذات، الأعين كالكاميرات الخفية ترصد الخطوات، والحديث النبوي هنا يصبح .. إذا ابتليتم فابتعدوا.. بدل فاستتروا، وأنى لنا الاستتار؟ وكل الفضاءات بلا غرس مكشوفة..على الآخر. كنت أدخن أردأ أنواع السجائر، تبغ أسود له عرف غريب يترك على اللغد مرارة جعلها الهم لذيذة، بينما كان يتلقاه شم جدتي.. تلقي الهوام للمبيدات السامة القوية، لم تكن تجرؤ على الاقتراب مني والجمرة متوهجة على رأس سيجارتي، بفضلها أدركت سر جيل طال عمره، بفضل حفاظه على سجيته، عكس جيلي أنا الذي درج في كل وكر، فبلغ الشيخوخة قبل أوانها، كنت أحس بروحي..كأنفاسي.. تغادر جسدي.. كأنها من ذاك الدخان الصاعد من رئتي، تعانق مسحورة الطبيعة المحيطة بي، وأرى دخان سيجارتي يساهم بنصيبه في التلوث، التزم الصمت.. مضطرا..كجدران مدخنة بديار أوروبية فصل الشتاء، في مفارقة عجيبة نابعة من عمق الخذلان.

رغم جمال اللحظة، كانت تبدو لي المنحدرات ممتدة من الأعلى إلى الأسفل، كجرح غائر مفتوح بعمق مبالغ فيه يرتمي في أحضان الأودية متعبا، أصوات هدير ماءها حين تمطر السماء بقوة رهيبة، تنتزع السكينة من قلوب فقراء احتموا بجدران من حجر و طين، وتعطف الشمس فتمد بعد الإعصار أطنابها رقيقة رحمة بالمعذبين بلا ذنب، ليعم الصفاء ويقطع الحلزون صيامه تحت وقع إغراء إيا النبات.. فيخرج الى رزقه يسعى. بفضل ذلك العنف تتغير الطبيعة، تتمخض عنه حياة هادئة وجميلة، لست أدري هل أدرج سيجموند فرويد هذا الواقع في تقريره حول الغرائز أم لا، أليس الجنس عنفا يولد راحة و أفراحا ؟ ألا يكور بطونا و يمزق أحشاء…؟ لأجل الحفاظ على نسل غير مضمون ..ألا يأتي السمن و اللبن بعد مخض و تعرق؟ كلا.. أعرف ان فرويد كان مجرد صهيوني نفسه احتاج إلى معالج نفسي .. لكن عادة المثقف أن يلقف كل شيء.. فيتبناه، لم يخطر على بالي النبش في الكتب، ربما كوني انا وواقعي كنا خارج فضاء التحليل، أحسست بطاقة داخلية تتنامى على رأس معدتي.. كجشاء مكتوم أظنها كانت مشروع ابتسامة، لم ينجز على شفاهي، حارت كسفينة تائهة لم تجد لها مرفأ.. ضاعت بين أمواج الخضم، ثم ما لي أنا و علم النفس؟ ونحن لنا في باب المروج حظا أوفر في علم المنكوب ـ ديال الفول ـ واللفت، ولنا على الطين حكما، نحيي به الطواجين.. نبعثها بعد موت، ولأجل السويعات المتبقية من العمر.. نتحمل كل شيء في صمت..لذلك.. لم ابتسم..

احسبوني حكيما إن قلت: قدرنا عنف، سلامنا وسلامتنا إيجاد مستقرنا فيه، تماما كضبط التوازن على لوحة السيرف.. في بحر متلاطم الأمواج. همست أسماء الأماكن أسرارها في خلدي، سمعت بكعدة النصارى فساءلت نفسي، متى مر الكفار من هنا؟ السؤال محفز على البحث، غدا سأفهم أي نوع من أبناء سيدنا عيسى مر على ارضي مرور الكرام واستوطن الكعدة .  فكرت في غابة ازدم، ساقني إليها الشبه في إيقاع الحروف، ازدم، اردم ، بلغ بي هذياني إلى استنتاجات لا أساس لها من الصحة، كانت الغابة تبدو كعمامة منحسرة على رأس الجبل، كل هذه الطبيعة كانت بساطا أخضرا لغابة ملتفة مترامية الأطراف، ما بقي على يافوخ الجبل، هو ما نجا منها بفضل قوانين..  قيل إنها لحمايتها وهي في الحقيقة كانت لحماية رساميل الكاوري، تمثلت في خيالي الأيادي التي تناولت أشجارها بالجث وأغصانها بالشذب .. لعنت كل نفس جشعة حولت الجنان الغناء إلى صحارى.

كان يقابل المسطبة جبل تسميه الساكنة حمال ابنو، نسج خيالي عنه صورة رجل يحمل ابنه، يفر به.. من جحيم ما..أجبره على الفرار، لا يهرب المرء سوى من تهديد، حرب أو زلزال او طوفان او زوجة ناشز، هل كان المشهد من وحي المقاومة، الحق يرعب الظالمين.. وأن انتصروا. كان من جهة الشرق مرتفعا كالطود العظيم، ومن جهة الغرب انبطح انبطاح ساجد مبتهل أمام دوار بوعشوش، يطل عند قرن الجبل الغربي على مقام آل سيدي احمد الزروق.

أحسست بوقع خطوات قادمة، كان هبوب الرياح يذبذب حواشي سبنية، وتناهي إلى سمعي رفرفتها فعرفتها، إنها جدتي خرجت لتطل على أملاك صهرها الغائب في بلاد المهجر، كانت تقف شامخة كحارس أسوار قصر السلطان، تصرخ في كل من تسلل إلى الضيعة دون إذنها، لا احد في منطقها يجرؤ لأجل الفسحة، وأي تقدم في عرفها ، هو ترامي على أملاكها، جنحة تمهد الطرق لكل الجرائم، كان على القايد منع تلك الحركات البسيطة قبل التعقيد، وإلا فان الدولة غائبة، عاجزة ..مهترئة وضعيفة..و حفاظا على الأمانة، كان عليها منعه. وعندما يعود إليها بصرها حسيرا بعد جولتها به في كل اتجاه ، وتلحظ بعينيها أناملي فتطمئن لفراغها .. تجلس مني على كثب فتسترسل في بث شكواها، أحداث ماضيها الدفينة تطاردها، وهي بنفثها إياها في أذني، تصبح كطفلة خائفة مذعورة ترتمي بين أحضاني لتتحرر من روعها، ويصبح إنصاتي لها بلسما لكل تلك الجروح..

ايه ابني اوماكًاز علينا .. داك الطريق كانت غي تراب، ما قدرك دطيح فيها الطوبة، دي كانو ايحرثو فوق الطريق..كان ما بيهم يندهو الزوج ..ما بيهم يحطيو الطوبة دتكركب، الفلاح يسمح فالزوج ويهبط يرفدا ويردا لموطعا، ايلا كاز القايد و جبر غي قد السفرجلة.. قول مول لبلاد بات فالسيلون، كان قبيح، لهلا يركبك ايلا غطب عليك، كان ايحلس بلمسوطة ما يعرف لا راجل لا مرا، و الله ودبكي بالدم لا رحمك.. نهار ماتو لكور فداك الموطع ليهن، واشارت بسبابتها الى تلوان. الناس نغرو ف بيوتم، ما خرجو غا اصحاب الربعيام، يعبيوا خبزم وبصلم ف قبم ويبقاوا ربع ايام فلخلا ايخدموا، دحاية ادعبيهم بالجوع.. وما يقدرو يقولو لا، هاد لبلاد عباها لمواليها بالسيف ، شكو يقدر يهدر؟ كان ايرفق بالكلب وما يرفقش بلعباد، حتى جيش التحرير كانو أيغاننوه، كل يوم كانوا يقتلوا، ف النهار ايتمدو .. يريحو مساكن بوحبل، وف الليل.. ما دسمع عي التريس، غا سكت غاسكت، ك حنا كًازعلينا قليل .. ديك لمطيرة ليهن.. د فلانة ..العام الاول عبا لا الصابة.. قالت غير طمع الدنيا .. جات د طول لرخا عباها ل، منين كًازت دشكي عليه، عند بالا غي الخماس تغول .. منين بلغت لدارو.. خرج عندا ايمرمر و الكرفيط فيدو .. وهي لسانا طاح مسكينة.. بقات غي ادبقبق ..اطرح فيها بالغرد وهي ادرغب وتزاوك.. ف التالي سمحت ف الصابة وف لرخا وف لبلاد .. وديك لمطيرة ليهن…د فلان . الدري د فلان.. والله يلا جاو مع لعشا جلاوه .. كان عندو مسكين جوج تويمين ، حطم في عين شواري ..  ف العين الاخرى حط القدرة د لعشا.. كانت قريبة دوجد ..ادقفلج .. وداك لخرب.. وحدة لفلان و حدة لفلان ..حتى حد ما عرفم لاين طجو ..دبا غي الملايكة ديالم حاضرين.

ورحمة بجدتي ..كي لا تبقى حبيسة سرد لا ينتهي.. اشعلت سيجارة.. فسمعتها تقول وهي تعود أدراجها إلى غرفتها : اه يا بني و شاد العيضة..القطران .. خلي فلوسك شريها شوا.. شريها شوا..لاش ادشوي المطيطة ديالك؟ وابتسمت لنجاحي في مهمتي، فقط..  بعود ثقاب و سيجارة..أخرجت الابتسامة من داخلي.. تماما كما كانت تخرج جدتي الخلادية الشوكة بالمساك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق