في لقاء لمركز ابن بري التازي مع صاحب مؤلف “المغرب .. مسألة التجاوز” ..
تازة بريس
في جمع علمي بحثي احتفائي بالرباط يوم الأربعاء 30 نونبر 2022 ، وقد أثثته باحثات وباحثين مؤرخين مغاربة متميزين عن مدن الرباط وتطوان وطنجة فضلا عن تازة من خلال حضور رمزي لمركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث، كانت هناك دردشة بالمناسبة مع أحد أعلام البحث التاريخي عن جيل ذهبي جامعي، حيث ابراهيم بوطالب وجامع بيضا ومحمد زنيبر وعبد الرحمن المودن وابراهيم حركات ومحمد القبلي ومحمد كنبيب، وغيرهم من الأسماء ذات الرمزية الخاصة في تاريخ الجامعة المغربية وحقل التاريخ والأبحاث التاريخية. ويتعلق الأمر بالأكاديمي الباحث والمؤرّخ والعميد ايضا الأستاذ عبد المجيد قدوري، صاحب الدراسة التاريخية القيمة الموسومة ب”المغرب وأوروبا ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر” مسألة التجاوز”.
وكان عمل”الأستاذ القدوري”العلمي البحثي كما هو غير خاف عن باحثين ومهتمين بتاريخ المغرب، قد ارتبط بما شهدته أروبا من تحولات ونقاش حول تجاوزها كقارة لغيرها من القارات الأخرى خلال هذه الفترة الدقيقة من زمن العالم، مع استحضار ما طبع العالم الاسلامي خلالها من واقع ورؤية وأسئلة وردود فعل. وكانت دراسة الأستاذ القدوري هذه قد انطلقت من سؤال عميق يخص ما شهده الغرب من تطور مقارنة بالعالم الاسلامي، ومن ثمة ما طرح حول الاسلام ومشروع المجتمع، وما هناك ايضا من تشبت بالماضي ومن قفز على فهم ودراسة ما هناك من كبوات وأزمات.
ولعل هذه الدراسة”المغرب..مسألة التجاوز” التي كانت مساحة دردشة لمركز ابن بري مع الأستاذ القدوري، توجهت بعناية بحثية رصينة لفترة امتدت من المد الابيري على السواحل المغربية باعتبارها توسعا أوربيا الى غاية نهاية القرن الثامن عشر وتجربة التجديد التي قادها السلطان محمد بن عبد الله. ويسجل لصاحب الدراسة جملة آراء ومواقف بشأن عدد من القضايا التي تهمّ تاريخ المغرب وعوائق الحداثةوالتحديث وكذا الفكر التقليدي وتهميش الثقافة وغيرها. بحيث الحداثة في تقديره استمرار وثورة ودينامية متباينة من رقعة ثقافية لأخرى ومن زمن لآخر، وحول دور النخبة السياسية المغربية، يرى أن هناك التباسا بين الخطاببن السياسي والديني. ولعل الاستاذ القدوري من الباحثين الذين اهتموا بتاريخ المغرب في العصر الوسيط، في أفق فهم ماض لفهم حاضر من خلال قضايا واشكالات ممتدة في الرّاهن. محاولا تجاوز أطروحة تفسر ما وقع للمغرب بالحركة الاستعمارية، مدافعا على أن الاستعمار أو الحماية ليست سوى نتيجة تطوّر آت ممتدة في الماضي. وعليه كان الأستاذ القدوري يردد دائما «داء العطب قديم».
هكذا كانت الأسئلة التي وجهت عمل الأستاذ القدوري البحثي هي: ما الذي كان وراء ما يوجد عليه المغرب ؟ وهكذا كان اختيار فترة الدراسة والبحث. التي انتهت بما جاء في كتاب :”المغرب وأوروبا ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر ( مسألة التجاوز )، والذي يلاحظ فيه المهتم والقارئ عموما، كيف فسر المؤرخ الاستاذ القدوري وكيف قارب عوائق ما حصل بالمغرب خلال هذه الفترة من عدم القدرة على المواجهة والمواكبة، وما ما يربطه بالعقل المغربي والدبلوماسية المغربية والاقتصاد المغربي، النظام التعليمي الذي بقي نظاما تقليديا، على عكس النظام الأوربي التي حاولت أوربا أن تجعل نظامها التعليمي نظاما عمليا. وهي المشاكل التي لا تزال تعترض المغرب حتى اليوم.
ولعل كتاب “المغرب وأوروبا ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر (مسألة التجاوز) لصاحبه عبد المجيد القدوري، هو نص بحثي بقدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة للمكتبة التاريخية المغربية، يعد ويرتب ضمن أهم الكتابات والمقاربات المعاصرة لزمن المغرب الحديث، وقد انطلقت من أسئلة شغلت المهتمين بدراسة تقدم الغرب مقارنة مع العالم الإسلام، تلك التي انصبت معظمها في اتجاه الإسلام والمشروع المجتمعي، حيث شكلت مسالة التباين بين الحضارات موضوع نقاش بين مفكرين عرب واجانب، فاختلفت التحليلات والتأويلات التي بحثت عن أجوبة شافية حول تساؤل مركزي، لماذا نهض الغرب وتراجع العرب. هكذا كان عبد المجيد القدوري سباقا لدراسة تاريخية متميزة توقف فيها بهدوء باحث مؤرخ على مفاهيم ومظاهر عدة من تاريخ المغرب، مقدما قراءة جديدة للمصادر للإجابة عن عوامل وأسباب حالت دون تقدم المغرب ومواكبته للتطور الذي عرفته أوربا خلال العصر الحديث.