تازة: رقصة “تشكلل” وعروض فرجة مهرجان مكناسة الغربية للتراث المحلي..

تازة بريس3 أغسطس 2023آخر تحديث : الخميس 3 أغسطس 2023 - 6:51 مساءً
تازة: رقصة “تشكلل” وعروض فرجة مهرجان مكناسة الغربية للتراث المحلي..

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

وعيا بما هناك من زخم ونمط وايقاع فرجة بدوية وحفل بنوع من التفرد وطنيا، لا تزال منطقة مقدمة جبال الريف تحديدا مجال قبيلة البرانس باقليم تازة، بحاجة لانصات والتفات لتجاوز ما يسجل من خجل عناية ونقص نصوص بحثية تخص ماضيه وحاضره. نصوص وقراءات ومقاربات شافية من شأنها تلمس ما هناك من خصوصية وتنوع وغنى ثقافي وتفاعلات وحوار حضاري، فضلا عن بصمات تراث مغربي عابر لزمن وعن أنماط تعبير لا تزال قائمة ممتدة بالبوادي هنا وهناك وفق توزع مجالي، تحدث عنه “هنري باسي” ذات يوم خلال عشرينات القرن الماضي. مشيراً الى أن في ترفيه قبائل المغرب، ليس هناك سوى رقصات جماعية بنوع من التماثل والتوحد رغم ما هي عليه من تباين من جهة لأخرى.

في علاقة بالتراث المغربي الأصيل البدوي وبزخمه الفني الشعبي الفلكلوري الرمزي، ارتأينا اطلالة بمختصر مفيد حول ما تحتويه مقدمة جبال الريف من بصمات تراث فني  بدوي بقدم وأصول نشأة، تحديداً منه “أحيدوس البرنوسي” أو ما يعرف ايضا ب”تشكلل” على مستوى مجال قبيلة البرانس الغربية – إن صح هذا التمييز- ، بمناسبة تنظيم النسخة الثانية من مهرجان التراث المحلي بجماعة مكناسة الغربية باقليم تازة. ولعل “تشكلل” هذه رقصة بدوية برنوسية جزء من ذاكرة شعبية محلية بتفرد ايقاع وتعبير وفرجة ممتدة في زمن بادية مقدمة الريف. رقصة بدوية يفضل البعض تسميتها برقصة “المقص”، لِما لهذه الأداة المعتمدة فيها من صدى موجه ضابط لنسق سير وتوهج ايقاع. بل هناك من يفضل تسميتها برقصة “الطايفة” لِما يعتقد من علاقة بموقع ومكون في نشأنها وتبلور تركيبها وتعبيرها، في تماسات مع”واد لحضر” الشهير بالمنطقة. والرقصة ايضا جنس فني شفاهي بدوي بتعبير ولغة ونسق وإرث خاص، يتقاسمه نغم فضلا عن لحظات وقول وعفوية زجل. علما أن ما هي عليه من فرجة بقدر ما يجعلها بعشق وجذب خاص، بقدر ما تقوم على تجليات ذاكرة قبيلة ودهنيات وعقليات وهوية محلية، ومن ثمة لوناً ثقافياً فنياً بدوياً يجعلها من أقدم التعبيرات الفنية الفلكلورية وأشدها أصالة. علما أنها رقصة ذكورية بنظم وتلقائية ومقامات ووضعيات، فضلا عن زجل بدوي وراقصين وانصات واشارات وأدوار وتدافعات، عبر مقام ولوحة مقدم سيد حفل وموعد وايقاع وفرجة، ناهيك عما تتقاسمه الرقصة من نغم وحكايات واثارات مؤثثة.

وإذا كانت رقصة “تشكلل” هي لسان حال فرجة قبيلة البرانس بتازة، فهي أيضاً أدب شعبي بدوي ونسيج تعبير وعروض فولكلورية مترابطة الفقرات، فضلا عما هناك من بيئة حاضنة وتاريخ وانسان ووجدان وأصول وثوابت وقدم وموطن وهوية. اضافة لما تحتويه رقصة أحيدوس البرنوسي هذه”تشكلل”من صدق صور ونسق ونص شفاهي ومخيال، حيث غنى المعنى وبلاغة الصورة عبر زجل يحضره مجد قبيلة وذاكرة
انسان وحاجيات..، فضلا عن دروب حياة وفصل وانتاج وتقاليد وعادات وغيرها، ينقلها لسان راقص من خلال عفوية قول واشارات ونسيج معنى. وبقدر ما لرقصة “التشكلل” آلات موسيقية عتيقة تجمع بين دفوف وتعريجة ومقص وغيطة مؤثثة
للحظة فرجة ونسق وايقاع على بساطتها وضعف تكلفتها، فضلاً عما يميز راقصيها من لباس تقليدي جامع بين”فوقية” بيضاء وعمامة بتطريز خاص ولون أصفر اضافة الى أحزمة حمراء ولباس خفيف شفاف.
بقدر ما للرقصة من بناء هندسي فرجوي قائم على تكامل جماعة وفرقة في حوالي العشرة أفراد، بعدما كانت تقوم على مجموعتين متقابلتين في الماضي من خلال صفين متقابلين مستقيمين. مع أهمية الاشارة لِما لعنصر الاختلاف بين المجموعتين من أثر في وقع هذه الرقصة البدوية الشعبية البرنوسية، ومن ارتقاء بأداء وتفاعل وتدافع عبر سمو وصف واثارة واقناع ثم غلبة ونصر وحفل واحتفال. ليبقى جوهر ما كان يجمع المجموعتين في الماضي وفي مجموعة واحدة حالياً، هو ما يتداول من خطاب بدوي يعرف محلياً في ثقافة الرقصة ب “الزريع” وسابقا ب “الريح”، وهو خطاب بقدر ما يكون على درجة اثارة وحبك قصة واشارات وتتبع وانصات، بقدر ما يتم بناءه على تحرير وخط بحروف وكلمات منتقاة، فضلاً عما هناك من ارتجال وعفوية ودقة تلوين ولحن وابلاغ وقصد. ولعل “تشكلل” رقصة بحركة جسد طيلة لحظة الحفل أولاً، ثم حركة مجموعة ككل ثانياً الى الأمام لعدة مرات عبر خطوات منسجمة دقيقة قبل العودة الى نقطة انطلاق. لينضاف لكل هذا وذاك فرجة فاصلة، مع ما يسجل من بهلوانيات أحادية ثم ثنائية لراقصين يرومان اثارة تحكم في الرقصة، وابراز مهارة عزف على دفوف ضمن وضعيات جاذبة، قبل لحظة لاحقة كثيراً ما يطبعها تصاعد ايقاع متناغم يجعل الحفل بروح فرجة خاصة. مع أهمية الاشارة الى أن الرقصة كثيراً ما يحضرها ارتجاف كتف راقصين، مع اندفاع وإقدام بحسب وضعيات مرة الى الأمام مع رفع الأرجل، قبل عودة الى الوراء الى حين ما يعرف بقرار الرقصة، وهو ما يخضع ترتيبه لتوجيهات مقدم يتملك خبرة وشجاعة أدبية. ويبقى لَبحَّات الراقصين على تباين مقامهم ولصوت وبَحَّة راقص واحد كلما دعت لحظة الرقصة، أثره في تميز حفل وتفاعل وفرجة. كل ذلك في علاقة بخطاب “الزريع” من لحظة لأخرى بحسب دفئ الحفل. بقدر دقة معانيه واشاراته ومقاصده العشقية، بقدر ايضا ما يكون تثمينه وتحفيزه وتعزيزه عبر زغاريد نساء هنا وهناك.

بعض فقط حول رقصة “أحيدوس البرنوسي” “تشكلل” البدوي الذي لا يزال يسكن مقدمة الريف، هناك على مشارف تازة وأعالي ايناون وواد لحضر شمالاً حيث قبيلة البرانس. رقصة برمزية ضاربة في عمق حضارة مغربية شعبية شفاهية، كثيراً ما تجعل من تاريخ القبيلة وبيئتها وانسانيتها وقوداً لنصوصها وفقراتها وحكوياتها وبهلوانيتها وفرجتها.
ووعياً بقيمة التراث المحلي وغناه الثقافي ببادية تازة، وما يمكن أن يسهم به من نماء وتعريف وابراز خصوصية، يأتي رهان الاحتفاء به في النسخة الثانية من مهرجان مكناسة الغربية بتازة المنظم في الفترة ما بين 11 و13 غشت الجاري. حماية لتراث المنطقة الشفاهي البدوي وابراز ذاكرته وأعلامه وتجاربه وحاضره وأفقه في علاقة بالتنمية المحلية من جهة، واستحضارا من جهة أخرى لِما هناك من مخاطر من شأنها إفقاد هذا التراث المحلي الرمزي، وصفته وقيمته وهيبته واصالته. ومن ثمة ما يمكن أن يحصل من تهجير له وهجرة منه، ومن نسيان واهمال وضياع لرأسمال ثقافي حضاري مغربي أصيل.


والى حين انخراط مزيد من الأطراف ذات الصلة، في تنظيم وإنماء هذا الموعد الثقافي التراثي البدوي الطموح بجماعة مكناسة الغربية، من قبيل  خاصة وزارة الثقافة ومعها مجلس جهة فاس مكناس فضلا عن عمالة اقليم تازة وغيرها. يكافح المجتمع المدني المحلي ممثلا في”جمعية المستقبل للتنمية والبيئة والتراث المحلي”، من أجل ترسيخ مهرجان مكناسة الغربية هذا مع رهان الارتقاء بعروضه في دوراته القادمة. ولعل مكناسة الغربية هذه البلدة المجاورة لتازة والمطلة على وادي لحضر، هي مجال بذاكرة تاريخية غنية وتراث بدوي واسع في  موروثه التعبيري الشعبي الفني. الأمر الذي يقتضي صون تراث المنطقة والحفاظ عليه والتعريف به واحياءه أكثر، فضلا عن ضمان استمراريته ونقله للأجيال القادمة، ودعم الفاعلين والمهتمين به من قبيل ما هناك من فرق فنية شعبية فلكلورية محلية.

وكل أمل الجهات المنظمة في دخول وزارة الثقافة على الخط، حفظا وحفاظا منها وحماية لتراث منطقة مكناسة الغربية وفنونها الشعبية البدوية، شأنها في ذلك شأن باقي ألوان المغرب التراثية الفنية الشعبية الفلكلورية الأخرى، عبر ما ينبغي من آليات وتدابير وأنشطة وتثمين وإلتفات، فضلا عن دعم تنظيم وترسيخ هذا الموعد الاحتفالي السنوي الصيفي”مهرجان مكناسة الغربية للتراث المحلي”، الذي يعتبر محطة وفضاء احتفاليا استشرافيا بقدر كبير من الأهمية والطموح، لإبراز ما تحتويه المنطقة من كنوز رمزية تعبيرية بدوية، وجعلها موارد رمزية محلية رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمجال مكناسة الغربية القروي التابع لاقليم تازة، حيث مقدمة جبال الريف.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق