احتجاجات حقوقية مع سؤال العلاقات المغربية الفرنسية..الى أين؟
تازة بريس
(ع- ر) الرباط
لم يسبق للعلاقات المغربية الفرنسية أن مرت بنفق مظلم كالذي تمر به هذه الأيام، دون أن تظهر في الأفق مؤشرات على قرب حصول انفراج ما. ولعل سبب الازمة ظاهريا يبدو ما هناك من خلاف حول وضعية مهاجرين مغاربة مقيمين بصفة غير قانونية فوق التراب الفرنسي، كانت باريس قد طالبت في عز أزمة كورونا بترحيلهم، اعتمادا على وثائق تصدرها السلطات القنصلية المغربية تسمح لهم بعبور الحدو(laisser passer). بينما الرباط فقد اعتبرت الطلب الفرنسي وقتها غير مناسب (inapproprié)، خاصة وأن المصالح القنصلية المغربية كانت قد اصدرت 400 وثيقة لفاءدة اشخاص لم يكن بامكانهم مع ذلك،الالتحاق بالمغرب لعدم توفرهم على اختبارات الكشف عن كورونا وهو شرط كان مفروضا على كل شخص يود الدخول الى المغرب. وبما ان هذه المسألة كانت اختيارية بفرنسا فقد تعذر التوصل الى حل يرضي الطرفين واستحال بالتالي ترحيل الاشخاص المستهدفين.
أمام هذا الاستعصاء لم تجد فرنسا حرجا في اللجوء الى مسالة تقليص حصة التاشيرات الممنوحة للمغاربة بنسبة 50 % ، كورقة وكإجراء تروم من وراءه الضغط على السلطات المغربية للاستجابة لمطلبها المتعلق بترحيل المواطنين المغاربة غير المرغوب فيهم بفرنسا، وهو الاجراء نفسه الذي استهدف كلا من الجزاءر وتونس. لكن ومع توالي الايام طفت على السطح معطيات لم تخل من دلالات سياسية، لها تقاطعات مع العلاقات المغربية الفرنسية كزيارة الرئيس ماكرون للجزائر وما اعقبها من استقبال الرئيس التونسي لزعيم عصابة البوليزاريو، وعليه بدا وكان مسالة التاشيرة ما هي الا مطية لتبرير التحول المفاجئ في المواقف الفرنسية اتجاه المغرب الشريك التا ريخي والقوي لفرنسا بالمنطقة. ولعل مما عزز هذا الطرح تعاطي السلطات القنصلية الفرنسية بالمغرب مع طلبات التأشيرة بصرامة غير مبررة، بل وبانتقاءية تستهدف فئات كانت الى عهد قريب في منأى عن كل تضييق أو قيود كالأساتذة الجامعيين والأطباء والأطر العليا، اما بقية المواطنين من طلبة ومرضى وسواح فحدث ولاحرج. والهدف على مايبدو تشكيل قوة ضغط داخلية لاحراج الحكومة المغربية والدفع بها للاستجابة للمطالب الفرنسية.
وتظهر فرنسا حاليا في صورة ذلك الملاكم المحشور في ركن الحلبة وهو يتلقى ضربات من كل حدب وصوب، تارة من روسيا وتهديدات بالتدمير من جانب الرئيس بوتين وتارة اخرى من تركيا التي ضاقت ذرعا من تصريحات ماكرون الميسيئة للاسلام، واخرى وهي الأشد ايلاما وألما من مستعمرات الأمس في القارة الافريقية. ك”مالي” التي قامت بطرد القوات الفرنسية من اراضيها والكوتديفوار والكاميرون حيث باتت فرنسا توصف ب”العدو رقم واحد”. ولعل الصورة التي رسمها مواطنو بوركينا فاصو وهم يهاجمون ويحرقون مؤسسات فرنسية بالعا صمة واغادوغو خلال الانقلاب العسكري الاخير، لخير دليل على تدني شعبية فرنسا بالقارة السمراء. يضاف الى ذلك خروج بعض الدول الافريقية الأخرى من بيت الطاعة الفرنسي ايدلوجيا وثقافيا ك”رواندا”، التي تبنت النهج الانكلوساكسوني كفلسفة للحياة واسلوب للتفكير والتدبير و”الغابون” التي خطت خطوات عملاقة في طريق الالتحاق بالعالم الانغلوفوني.
وعلى مستوى بلاد المغارب في الشمال الغربي للقارة الافريقية أي في الدول المغاربية، حيث ما زالت فرنسا تحظى بقدر محتشم من الاحترام برغم ارتفاع أصوات هنا وهناك للقطع مع كل ما هو فرنكوفوني،بدت فرنسا بقيادة الرئيس ماكرون وكأنها تنزع نحو تبني مقاربات خارجة عن السياق التا ريخي المالوف، في علاقاتها مع دول المنطقة وهو السياف الذي كان يقوم على خيار “التوازن”. وفرنسا التي يشهد لها مؤازرتها للمغرب في العديد من المحطات و المرات في المحافل الدولية وخاصة في الامم المتحدة فيما يخص ملف الوحدة الترابية للمملكة، امتنعت لحد الآن عن الخروج من”المنطقة الرمادية”والاعلان بشكل صريح عن دعمها للمقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، عكس دول مؤثرة اخرى كاسبانيا والمانيا والولايات المتحدة. اكثر من ذلك فهي باتت تدفع بميزان القوى نحو الجزائر وتونس على حساب المغرب، حماية لمصالحها والمتمثلة اساسا في الغاز والنفط الجزائر يين وضدا على مطالبة فعاليات فرنسية الرئيس ماكرون بمراجعة مقارباته، محذرين من عواقب التضحية بالعلاقات التاريخية المثينة مع المغرب.
يبقى الأكيد على ضوء التطورات السالفة الذكر، ان مسالة ترحيل المهاجرين غير النظاميين الى المغرب ما هي الا حجة لاتوازي حجم الاضرارالتي لحقت وتلحق بالعلاقات المغربية الفرنسية. فباريس لم تستصغ ربما، استعادة المغرب لشخصيته كدولة ذات سيادة، حرة في اتخاذ قراراتها وصياغة مواقفها ومن ثم انزعاجها من تمدد المغرب في عمقه الافريقي اقتصاديا وماليا وخدماتيا، وهو الفضاء الذي كانت تعتبره فرنسا محمية لها وجب الابتعاد عنها. عامل آخر قد يكون سببا في ضجر فرنسا هو التقارب مع قوى أوربية اخرى على رأسها انجلترا ، ونزوع المغرب نحو إعطاء لغة شكسبير (الانكليزية) مكانة افضل في تعاملاته الثقافية والتجارية بل وحتى في برامجه التعليمية. وهذا يعني ان فرنسا بمواقفها الصادمة هذه، بصدد التفريط في شريك موثوق به وركيزة من ركائز الفرنكفونية في القارة الافريقية، انه ضرب من ضروب الحمق السياسي في زمن الماكرونية.