وزير الداخلية يأمر باستعمال سيارات الجماعات الترابية لأغراض إدارية فقط ..
تازة بريس
ظاهرة استعمال سيارات الدولة (المصلحة) لأغراض غير ادارية في عدد من القطاعات العمومية، أثارت جدلا واسعا لدى الرأي العام منذ سنوات ولا تزال دون اجراءات عملية شافية للحد منها عملا بالقانون وخدمة لحكامة تدبير النفقات العامة. سياق جاءت فيه دورية موجهة لولاة الجهات وعمال العمالات وعمالات المقاطعات وأقاليم المملكة، طالبت فيها وزارة الداخلية والجماعات الترابية بـ”التحكم في نفقات الوقود والزيوت عن طريق إحكام التصرف في نفقات الآليات ووسائل النقل الإدارية، مع التأكيد على استعمال سيارات المصلحة للأغراض الإدارية دون سواها”. كما طالبت ايضا بـ”التقليص لأقصى حد من نفقات النقل والتنقل داخل وخارج المملكة ونفقات الاستقبال وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات وكذا نفقات الدراسات وغيرها من النفقات غير الضرورية”، إضافة إلى “عقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات” و”ترشيد النفقات المتعلقة بدعم الجمعيات.”
وكانت ظاهرة استغلال سيارات الدولة خارج نطاق القانون والفوضى التي تعرفها، من القضايا التي ألح المرحوم عبد الرحمان اليوسفي على أهمية الانتباه إليها بعد توليه رئاسة حكومة التناوب، وعليه فقد أمر عبر مناشير و مراسيم بضرورة معالجة الظاهرة عبر تقليص حظيرة سيارات الدولة والجماعات الترابية وترشيد استعمالها لخدمة المصلحة العامة وترشيد ما يرتبط بها من نفقات بنزين وصيانة. و كان حريصا على معالجة الموضوع بشكل صارم لمواجهة كل أشكال تبذير وهدر المال العام . بحيث كانت اولى الخطوات التي قام بها أيقاف التوقيع على شراء السيارات بالنسبة للوزراء ومديري المؤسسات العمومية ليتراجع نسبيا الاستغلال الشخصي لسيارات الدولة. لكن سرعان اصطدم هذا الورش الاصلاحي بعقليات ولوبيات فاسدة جعلت ما صدر من مراسيم و مناشير ومذكرات حبرا على ورق لحد الآن بعد مرور حوالي ربع قرن من الزمن. وغير خاف كون المسؤولين الحكوميين والموظفين السامين و رؤساء الجماعات الترابية يستفيدون من امتيازات وتعويضات عدة، أبرزها سيارة المصلحة (سيارات المخزن) التي توضع تحت تصرفهم لتسهيل مهامهم وضمان ظروف ملائمة لمهامهم، على أن تتحمل الدولة نفقاتها من تأمين وصيانة ووقود و أجرة سائقيها وفق المرسوم رقم 2.97.1051 الصادر بتاريخ 2 فبراير 1998 ، والمنشور رقم 98/ 4 الصادر في 20 فبراير 1998 الخاص بتدبير وتسيير حظيرة سيارات الإدارات العمومية، والمنشور رقم 98/ 31 الصادر في 28 يوليو 1998 المتعلق بترشيد تدبير حظيرة سيارات المؤسسات العمومية. غير أن استعمال هذه السيارات وعملية اقتنائها وإيجارها من قبل المسؤولين ورؤساء الجماعات الترابية الترابية (مجالس جهوية، مجالس اقليمية ومجالس محلية )، تعرف اختلالات عدة وتبذير مفرط للمال العام خلافا لما هو منصوص عليه في القانون.
جدير بالاشارة الى ان المغرب يتوفر على أزيد من 115 ألف سيارة بالقطاعات العمومية والجماعات الترابية بحسب معطيات (الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك )، تخصص لها الحكومة المغربية 1.2 مليار درهم سنويا (100 مليار و200 مليون سنتيم) تشمل نفقات التسيير والصيانة والمحروقات والشراء والكراء. اضافة الى 44 مليون درهم للتأمين ( 44 مليار سنتيم ). كلها أرقام تبرز بوضوح حجم ما هو مرصود لسيارات الدولة والجماعات الترابية، من مال عام يتم استنزافه بدون حسيب ولا رقيب. يتجلى ذلك فيما يسجل من تجاوزات تخص استخدام هذه السيارات، فبدل استعمالها لتسهيل مهام المسؤولين وعمل الإدارة، تستعمل في مجالات لا علاقة لها بالمصلحة العامة من خلال استغلالها من لدن مسؤولين خارج أوقات العمل ولأغراض شخصية، بل والسفر بها نحو مناطق بعيدة عن مقرات عملهم على حساب ميزانية الدولة التي تؤدي مصاريف الوقود والصيانة. هذا في الوقت الذي ينص فيه القانون على أنه لا ينبغي نقل أفراد غير عاملين بالإدارة عبر السيارات الوظيفية، وأن سائق السيارة يجب عليه أن يتوفر على وثائق تهم الوجهة وطبيعة الراكبين معه وعددهم ووظيفتهم، والمهام التي سيقومون بها، والأمر نفسه بالنسبة لأي تزود بالبنزين أو الصيانة. إلا أن سيارات الدولة وسيارات المصلحة الحاملة لعلامة “المغرب بالأحمر” و”ج ” بالنسبة لسيارات الجماعات الترابية، يمكن أن تصادفها خارج أوقات العمل والمهام الادارية في الشواطئ والمنتجعات السياحية، في العطل المدرسية والصيفية وأمام الأسواق والمتاجر الكبرى وأمام أبواب المدارس والفنادق الفخمة وغيرها من الاماكن الخاصة…
هكذا تحولت هذه السيارات (سيارات المخزن) إلى ريع سياسي واجتماعي، يجعل البعض من المسؤولين لا يتورع عن استعمال المال العام لشراء سيارات فخمة من المال العام دون حياء أو خجل وهو ما يعتبر فسادا و خيانة للأمانة . وما يزيد في الطين بلة كون العديد من الوزارات والمجالس الترابية، يلجئون لكراء سيارات الخدمة لمدة 3 سنوات أو أكثر بـأثمنة خيالية من شركات لكراء السيارات، منها من تكون باسم أفراد من عائلاتهم عوض شرائها وتسديد ثمن اقتنائها في مدة وجيزة لتصبح بعد ذلك ملكا للإدارة او الجماعة. والسؤال المطروح لماذا كراء السيارات بأثمنة خيالية وعدم شرائها؟؟ الجواب: هو خدمة مصالح شركات عائلية أو انتخابية وجعل مستغليها بعيدين عن المراقبة بسبب أرقام لوحات هذه السيارات، التي لا تحمل أية علامة تشير الى أنها سيارة تابعة للدولة.
ان لجوء العديد من المسؤولين في الادارات العمومية والجماعات الترابية لتجديد أسطول السيارات كل سنتين أو ثلاث سنوات بميزانية تقدر بملايين الدراهم، يتسبب في هدر المال العام وفي تحد واضح لتدبير وترشيد الميزانية في ظل ظروف البلاد الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ويكون هذا التبذير في وقت تفتقر فيه بعض المجالس الترابية لأبسط الضروريات تنميتها، من حيث إصلاح الطرق والإنارة وبناء المدارس والمراكز الصحية وغيرها. ولنتصور كم من مدرسة يمكننا بناؤها بهذه الاموال المهدورة وكم من مستشفى وكم من سيارة اسعاف وكم طريق وكم من فرصة عمل يمكن تحقيقها. صحيح أنه مشكل يرتبط بألية الرقابة والمساءلة والتتبع وغيره من الاجراء الاداري، لكن ايضا هو مشكل أخلاق لدى أغلب المستغلين لسيارة الدولة وسيارات الجماعات الترابية لأغراض شخصية و عائلية…بل احيانا في حملات انتخابية سابقة لأوانها بجعل السيارة مركبة لنقل الاشخاص للأسواق و الشباب للملاعب الرياضية و..و.. وما خفي اعظم ..كما ان هناك من يستفيد من الشيات المخصصة للتزود بالبنزين بأخذ مقابلها نقدا من أصحاب المحطات المزودة للإدارة او الجماعة وما يهني اتساع دائرة الفساد … كما أن هؤلاء المفسدين الذين يستغلون سيارات الدولة والجماعات لأغراض شخصية، يستفيدون من تعويضات عن المهام والتنقل وهذا من تجليات الفساد في هذا المجال.
إن تنامي الاستخدام السيئ اللامسؤول لسيارات الدولة لغير الأغراض الادارية في خرق واضح للقانون، يجب ان يوضع له حد باتخاذ ما يجب من اجراءات منها: الضرب على أيدي تجار الريع بعدم التأشير على جميع النفقات التي تخالف توجهات الشفافية، وضرورة تشديد الرقابة عبر لجان تفتيش لضبط استغلال سيارات الدولة ومراقبة حظيرتها، واتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخالفين لوقف العبث بممتلكات الدولة والمؤسسات المنتخبة وإهدار المال العام. كما أن على ولاة الجات وعمال الاقاليم تحريك الفصل 64 من القانون التنظيمي للجماعات، لوقف الأفعال المخالفة للمقتضيات القانونية والتنظيمية، اعتماد آليات المراقبة التي أعطيت لرجال الأمن والدرك بحجز كل سيارة للدولة أو الجماعات الترابية تتحرك خارج نطاق الاختصاص والعمل دون تردد او خوف من أحد. كما أنه على المجلس الأعلى للحسابات ان يلعب دوره كمراقب لميزانية الدولة في جميع القطاعات و تحديد اختلالات تكاليف سيارات الدولة، على مستوى كمية الوقود المستعمل وقطع الغيار والصيانة والتأمين باعتماد آليات المراقبة، لمعرفة نطاق استعمال سيارات الدولة وعدم استغلالها لأغراض شخصية وعائلية، قيام اللجان التابعة لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد بمراقبة استخدام السيارات الحكومية خارج القانون، لأنه شكل من أشكال الفساد الذي يستنزف المال العام، سحب السيارات من المخالفين للقانون ومنع خروجها بدون أوامر من السلطات العليا، حذف التعويض عن التنقل والمهام للذين يتوفرون على سيارات المصلحة، لأن هذا الأمر يبدو غير منطقي وهدر و تبذير للمال العام .