للا خدوج في برلمان باب المروج ولد لحرام … ولد النيفر ..

تازة بريس
سعيد عبد النابي
نال برنوخ من الفقيه، أرعبه، تابعه بنظرات شامتة، حاول الجري وراءه لكن لا عضو فيه أسعفه، أعاقته ثمالته، أصبح ثقلا على ركبتيه بعد أن تراخت أوتار عضلاتها، ترنح، كاد يسقط أرضا، شهق، دوم حدقتيه، فرك جفونه، كمن يزيل عن عينيه بقايا قذارة رمد لعين، حثه سكره على الركض وراءه و اللحاق به، رغم انعطاف رجليه وترجحه، واعتقاده أن جاذبية الأرض تحاول ابتلاعه ابتلاع الثقب الأسود للنجوم و الكواكب، استجمع قواه ثانية، تأهب، سوى قامته، حاول إعادة الكرة، لكنه تيقن يقينا قاطعا للشك من خور قواه، هنا أصدر أوامره لعويد، وصب عليه جامه، لشدة مقته الفقيه.. ايوا ليلو المرهط ليلو…ليلو حتى دخرجو من الدوار ..حتى دخرجو من لقبيلة دلبرانس .. ايلا بغا يتخبا فالنعاس دالليل ويدير بنسوا ناعس..فيقو .. شعل الطو و فتنو..انا باغي الخلعة دسكن فيه.. البركاك د الشيخ ..وما يجبرلا..لا حروز .. وما يجبر لا ايبالس …
وفغر فمه وعينيه، لكنه لم يفه بقول فصيح، تريث قليلا كانه يفكر، ثم أفرج ضحكة هتكت صمت الغروب. عادة عويد كانت عدم المبالغة في السكر، إن شرب لا يشرب شرب الهيم، القاعدة كانت تقتضي بقاء أحدهما صاحيا، حتى إذا حلت مصيبة تصرف، لذلك كانت رفقته مؤانسة لا غير، لما رأى الفقيه هاربا، أعطاه مسافة، أبقته على مرمى حجره، ولما رأى صاحبه كهتلر في اشد حالاته ركض وراءه، وطئت قدمه رزته التي أسقطها أثناء فراره، رفع ساقيه إلى الأعلى إتباعا، من خوفه، بدا كطفل ينط على الحبل، خوف أن يكون الشيء الرطب أفعى، قفز وهو يصرخ: وا يا يما لحبيبة …ويا بابا، اقشعر بدنه، ارتجف، استوجب عليه الأمر إبعاد ساقيه، ما أدراه أن يكون الشيء حية تحاول لدغه؟ اشتداد الحرص على الحياة يستدعي سرعة اتخاذ القرار، ويأتي الدعاء مدعما له ليجعله الله صائبا، وإلا ……… كان الرعب أشد وطئا على النفوس، لو كان الشيء روثا لانبعثت منه رائحته، ومهما يكن، هو لا يملك وقتا يضيعه إلى أن ينعم عليه دماغه بتأكيد ظنونه، عليه النجاة أولا. وليأت التحقق بعدها، السلامة قبل النزعة إلى التيقن، أثناء تساؤلاته تلك كان الفقيه قد اختفى عن الأنظار، ذاب، تبخر، نظر عويد في كل اتجاه، لم ير شيء ذا قيمة، بقي واقفا كتمثال زعيم وسط ساحة مهجورة، لا يدري أيقدم على خطوة أم يؤخرها، بعد دقائق لحق به صديقه، كان لا يزال يترنح، يتساءل في حركات ميمية، كيف ؟ لا يعقل، عجبا، أيمكن ؟ كلا. مستعينا بأصابع كفه في التحليل، لم ينبس سوى بجملة واحدة * ولد لحرام *، ضحك كثيرا، إلى أن ركع، بل لم يكتف بالركوع، فخر على ركبتيه ساجدا، وهو يردد * ولد لحرام .. ولد النيفر*. أسئلة كثيرة لم يجد لها جوابا مقنعا في فكره المسطول. عاش الفقيه بينهم معاقا نصف مشلول، لكنهما رأياه يركض أمامهما، كأمهر العدائين المحترفين، متحكما في كفيه، ورجليه معا، رأياه يفرد أصابع يديه، كأي شخص سليم، ثبت الرزة على رأسه مرة، رفع الجلباب مرة، وامسك حزام سرواله كي لا يخفض، مرات أخرى. أيعقل هذا ؟ أكان تباطؤ خطوهما من سكرهما؟ أم اختلطت عليهما صور خيالاتهما؟ أم أن الفقيه خدع الكل ليغتني بإعاقة، تكلفها ؟ وماذا لو كان المصاب شخصا آخر غير الفقيه ؟ ماذا لو تشابهت عليهما الأجسام؟ شانهما شأن يهود موسى مع الأبقار؟
قطع الفقيه المسافة إلى دوار أولاد الصغيور في لمح البصر، لم يعر منعرجات المسلك أو عقباته اهتماما، دكت أقدامه الأرض دكا، اعتقدها والوعي غائب منبسطة، شديدة الانبساط، مستوية، شديدة الاستواء. ولحق به عويد ثم برنوخ على غير هدى، على قدر استطاعتهما تتابعت خطواتهما، كصيادين يبحثان عن طريدة مصابة، نظر الأول إلى يمينه، مع تدقيق النظر، و بحث الثاني على يساره، لكن بصرهما عاد إليهما حسيرا، وكذلك الوفاض خالية، فضربا الكف بالكف، واستمرا يمشيان، أو يتهاديان، إلى أن استوقفهما منزل، كان يعج بالمخزن، على اختلاف مراتبهم و تخصصاتهم، استشفا حضورهم من دراجة عون السلطة النارية المركونة في زاوية، والسيارات السوداء الرباعية الدفع الفاخرة، متفيئة ظل الأسوار العالية و الأشجار الباسقة، سيارات غلب عليها سواد، أبقى للبياض مساحات جد صغيرة، ظهرت عليها الحمرة كوشم، لا أحد يعلم لماذا يفضل الكبار السواد، هل هي صحوة ضمير بعد غفلة؟ وهم الأدرى بمصادر أموالهم كيف اكتسبت؟ فاق عدد السيارات أصابع الكف، ما أكد لهما أن السلطات حاضرة في مأدبة السي احميدة الفاكانسي، بكل أطيافها ممثلة، بمعنى آخر، إن لم ينسحبا، سيضعان رجليهما في احكم شرك، و أسوئه، بسط عويد كفه على شفتيه محذرا برنوخ من مغبة التقدم : حبس.. فاي ماشي ادهمك.. فاي ماشي …ايلا رمقونا ..يثبتوها علينا و يخطيونا … الشاف ما يكو غي تما… ما فيهاش وانصاع برنوخ لرأي صاحبه، فحثه على الفرار: ايوا كعط … تسرسب مع دوك الشعابي ..ايلا قبطونا هنا مايخليوا ف الكحصوص عطم صحيح …
كان بيت السي احميدة متميزا، برز في مقدمة الدوار كقصر تاج محل، أغدق عليه حين بناه وشيد بعض جدرانه، أبهر شكله الناظرين، جعله غرفا فوق غرف، بهندسات جديدة مختلفة، الطابق الأرضي كان مفتوحا على بساط أخضر، توسطه مسبح، فتنت زرقته العيون شتاء، أما صيفا، فالمحظوظ به، كان يبدو كأنه سكنه، من كثرة التردد عليه، ليل نهار، أحدق به أشجار زينة لا احد في الدوار علم من أي المشاتل اقتنيت فسائلها، حتى انها لغرابة فاكهتها لم تتعرض غلتها للسرقة، فكانت من نصيب الطيورفقط ، بعد عائلة السي احميدة. الطابق الأول من المنزل كان محاطا بشرف واسعة مفتوحة على الأفضية الأربعة، و الطابق الثاني جعله كقبة، كانها من تصميم سيدنا سليمان، صفت مربعات من زجاج مكونة بعض الجدران و مساحة من السقف، بدت كأنها القصر المبني بقوارير، خصه للأعيان فقط، وبعض رجال السلطة المهمين، ما أن تلجها قدم حتى تبلغ متعتهم أقصى مداها، ولكل فصل جماله و متعته الخاصة، كان يبدو في الليل كمشكاة لا هائم يخطئها، أو كمنارة الموانئ لا سفينة تزيغ عنها، ألوان صباغته، أجهزته، كل شيء فيه عكس أوجه البَذَخ والإفراط في الإنفاق، أَسِرَته، فراشه، كل أثاثه اختير بعناية فائقة.
بلغ الفقيه المنزل في دقائق معدودة، لعدم بعده عن المانزيز. البيت الذي أسال لعابه قبل لقاءه بخديجة، عند جلوسه على المسطبة، لما داعبت صور الأطباق الفاخرة جوارحه، أصبح ملاذه، بعد عناء رهيب، إستعاذ به من العفاريت المتربصة به، وأستبدل مضطرا برنامجا بآخر، كان يظن أنه بجنوحه إلى بيت حبيبته خديجة أولا، جامع بين متعتين، متعة الغذاء ومتعة إطفاء نار الشوق وهو يملي نظره في حسن تمناه في فراشه خالدا دنيا وآخرة، لكنه أخفق أيما إخفاق و الباب في وجهه يوصد، و الأشباح تعترض سبيله. لولا اتخاذه قرار الركض، كان بقي يصارع الجن حتى يسلم الروح إلى بارئها. تنازل عن حقه في مأدبة ثري القبيلة بعد أن غيب الفزع كل الصور المثيرة المتهافتة في خلده، عـن القصعة والمتداعين على محتواها. سيتعذر على أصابعه في حالته تلك تفتيت هبر اللحم المشوية والمقلية، ويصعب عليه رفع العظم المهترئ الى فمه، سيكتفي بجرعة ماء بعد ما تملك الرعب قلبه، جرعة ماء تأتي على رأس طلباته ناسخة ما قبلها، حظه الليلة أسوء من حظ الشاة القاصية وسط الذئاب الجائعة. كان يمني نفسه بالوصول إلى البيت سالما والخروج منه غانما، لكن الله قيض له شياطينا أتعبته، ضيعت عليه فرصة مجالسة السيد القائد والشيخ صديقه ورجال الدرك والأعيان.











