في ذكرى اتفاقية مدريد التي انهت الوجود الاسباني بالصحراء قبل نصف قرن ..

تازة بريس
عبد السلام انويكًة
غير خاف عن باحثين مهتمين أن قضية الاقاليم الصحراوية المغربية الجنوبية التي تعد قضية المغرب والمغاربة الأولى، تندرج ضمن وضع تاريخي يعود لبداية القرن الخامس عشر الميلادي. وما شهده حوض البحر المتوسط الغربي حيث الاسبان والبرتغال، وما كان عليه من حركة توسع استعماري ايبيري اتجه بداية صوب شواطئ المغرب الشمالية والغربية. ما عانى منه وقاوم لوقفه منذ هذه الفترة الى غاية نهاية القرن التاسع عشر بكل السبل ورغم كل الظروف الصعبة على عدة مستويات، لتزيد الأطماع وتتقوى فيه اكثر بسبب شدة التنافس الاروبي حول المستعمرات بافريقيا، حيث بات المغرب من نصيب فرنسا واسبانيا بعد فرض الحماية عليه. ومن ثمة ما حصل من عبث بترابه من قبل هاتين القوتين الاستعماريتين، ومنه الاقاليم الصحراوية المغربية الجنوبية التي كانت تمتد على مساحات شاسعة حيث الساقية الحمراء ووادي الذهب وشنقيط، وهو ما يؤكده الارشيف الاستعماري والخريطة التي وضعتها فرنسا سنة 1891. ولعل مسلسل مطالبة المغرب باسترجاع اقاليمه التي عبث بها الاستعمار ومنه الاستعمار الاسباني جنوبا، طبعتها عدة تطورات وتفاعلات ومحطات فاصلة إن قبل الاستقلال أو بعده. ومن هذه المحطات في ذاكرة القضية، ما ارتبط باتفاقية مدريد الثلاثية التاريخية “اتفاق مدريد” قبل نصف قرن من الزمن. ويسجل أنه في خضم تطورات وتفاعلات القضية أصدرت محكمة العدل الدولية خريف سنة 1975 تحديدا 16 أكتوبر منها، قرارا هاما بشأنها وكذا بالنزاع المفتعل حولها، مؤكدة وجود روابط تاريخية وصلات وعلاقات بيعة بين المغرب وقبائل المنطقة، وهو ما أبرز ومنح حقه المشروع في المطالبة بها استكمالا لوحدته الترابية. بل في نفس هذا اليوم انطلقت المسيرة الخضراء لاسترجاع هذه الأقاليم سلميا وانهاء الاستعمار الاسباني بها. وضمن نفس تفاعلات المغرب الدبلوماسية داخليا وخارجيا حول قضية اقاليمه الجنوبية ايضا، توجهت المسيرة صوبها في6 نونبر من نفس السنة قبل توقيع”اتفاق مدريد” المذكور في14نونبر 1975 الذي تنازلت بموجبه اسبانيا عن ادارتها للمنطقة.
ولعل هذه الاتفاقية قبل نصف قرن بالتمام والكمال، جمعت بالعاصمة الاسبانية مدريد بين المغرب واسبانيا وموريطانيا مستحضرة جملة تطلعات ومبادئ ومفاوضات. علما أن تحريرها تم باللغة الاسبانية ودخلت حيز التنفيذ في 19 نونبر من سنة 1975، وقام المغرب بتسجيلها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة في 9 دجنبر من نفس السنة، بل صدرت في مجموعة معاهدات لمنظمة الأمم المتحدة في السنة نفسها. مع أهمية الإشارة الى أن اتفاقية مدريد الثلاثية هذه حول قضية الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية، جاءت عملا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 376، الذي طلب من الأطراف الثلاث مفاوضات مباشرة لحل قضية الصحراء. كما جاءت أيضا بعد زيارة واستقبال رسمي لمبعوث الحكومة الاسبانية “سوليس” من قبل الملك الحسن الثاني بمراكش، في اطار مساعي بدء مسلسل تصفية الاستعمار الاسباني بالمنطقة، بما يضمن حق المغرب في سيادته ووحدته الترابية. وعليه، وللإسراع بالبحث عن سبل حوار بين الدول الثلاث اسبانيا والمغرب وموريطانيا وبدعوة من الحكومة الاسبانية، بعث المغرب وموريطانيا بوفودهما لمدريد من اجل مفاوضات بدون تحفظات خدمة للسلم والأمن الدوليين بالمنطقة.
ويسجل أن اتفاقية مدريد الثلاثية حول قضية الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية، جاءت في وقت كان فيه مجلس الأمن الدولي يتابع مجرياتها وتطوراتها مع انطلاق المسيرة الخضراء صوبها. وهذه الاتفاقية التي تبنتها منظمة الأمم المتحدة والتي توصلت بها في 18 نونبر من سنة 1975، قضت بانسحاب اسبانيا من المنطقة قبل 28 فبراير 1976. مع أهمية الإشارة أولا الى أن هذه الاتفاقية جاءت عقب صدور رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري يوم 16 أكتوبر 1975 حول الصحراء، وعقب إعطاء انطلاقة المسيرة الخضراء التي جاءت في اطار استكمال المغرب لوحدته الترابية. وثانيا أهمية الإشارة الى أنها انتهت بصدور بيان ثلاثي تم الإعلان فيه عن حصول اتفاق بعد يومين من المفاوضات بين الدول الثلاث، وقد نص على تسليم الصحراء للمغرب وموريطانيا (تقسيمها) فضلا عن جملة اتفاقيات ذات صلة تخص مجال الصيد البحري والاقتصاد المعدني الصناعي. علما أن تنازل اسبانيا عن الصحراء بحكم الاتفاقية، كان مقابل رغبة اشراكها في استغلال مناجم فوسفاط بوكراع، وابقاء اسطولها للصيد البحري في مياه الصحراء الإقليمية، فضلا عن السماح لها بقاعدتين عسكريتين قبالة جزر الكناري (جزر الخالدات). وضمن الاتفاقية ورد تعهد اسبانيا بالإعراب عن قرارها أمام هيئة الأمم المتحدة، لتصفية وجودها واستعمارها للصحراء وانهاء مسؤوليتها وسلطاتها وادارتها بها. كما ورد الحديث عن شروع اسبانيا في انشاء إدارة مؤقتة بالمنطقة مع مشاركة المغرب وموريطانيا بتعاون مع السكان، وعن نقل سلطاتها لهذه الإدارة الجديدة مع تعيين حاكمين متعاونين من اقتراحهما، للمساعدة على تدبير حكم المنطقة وانهاء الوجود الاسباني منها قبل 28 فبراير 1976. وفضلا عن أهمية احترام رأي سكان الصحراء في هذه العملية الانتقالية، نصت الاتفاقية على أهمية اطلاع الأمين العام للأمم المتحدة من قبل الدول الثلاث على ما تم إنجازه وبلوغه من اجراءات. وكذا اعلانها بالنتائج التي بلغتها في اطار التفاهم والاحترام وكذا مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة حفظا للسلم والأمن الدولي، فضلا عن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ عند نشرها في الجريدة الرسمية “قانون تصفية الاستعمار” في الإقاليم الصحراوية الجنوبية.
هكذا هي اتفاقية مدريد الثلاثية التاريخية التي جمعت اسبانيا والمغرب وموريطانيا قبل نصف قرن من الزمن، وقد توجهت بعنايتها لتسوية قضية الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية وانهاء الاستعمار الإسباني بها. القضية التي ارتبط سياقها بمطلع سبعينات القرن الماضي وما كان من حديث عن نهاية حقبة الجنرال فرانكو بإسبانيا اثر تدهور صحته، واغتيالِ رئيس وزرائهِ ورجل ثقته المخلص لويس كاريرو بلانكو على يد مسلحي حركة ايطا شتاء 1973، بحيث كانت إسبانيا تستعد للتخلص من جميع إرث فرانكو، ومن هذا الارث الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمغرب التي كانت تستعمرها. هذا فضلا عما طبع هذه الفترة أيضا من مد تحرري في العالم ومد قومي بالمنطقة العربية، وما كان عليه المغرب من حرص على استكمال وحدته الترابية ومطالبة باقاليمه الصحراوية الجنوبية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من ترابه التاريخي الذي عبث به الاستعمار الفرنسي والاسباني معا. ولعله سياق بقدر ما طالبت فيه موريتانيا أيضا بحقها في المنطقة، بقدر ما برز من ارهاصات أولى لنزاع مفتعل حولها. وعليه، اختار المغرب وموريتانيا تنسيق جهودهما آنذاك بتوجههما لمنظمة الأمم المتحدة، لعرض القضية على محكمة العدل الدولية ب”لاهاي”، التي شرعت في الاستماع لمرافعاتهما قبل اصدار حكمها الذي أقر بوجود صلات اجتماعية وروحية وسياسية بين سكان هذه الأقاليم والبلدين، مؤكدا أن ارض الصحراء لم تكن خلاء قبل الاحتلال الاسباني لها. وهكذا انخرطَ المغرب وموريتانيا معا في مفاوضات مع إسبانيا انتهت باتفاقية 14 نونبر 1975 الثلاثية، التي نصت على منح موريتانيا منطقة وادي الذهب (الجزء الجنوبي من الإقليم) والمغرب منطقة الساقية الحمراء (الجزء الشمالي من الاقليم). وهكذا استرجع المغرب الجزء الشمالي من اقاليمه الصحراوية الجنوبية، استكمالا منه لوحدته الترابية بناء على منطوق اتفاقية مدريد الثلاثية، لتنسحب اسبانيا رسميا ونهائيا من المنطقة قبل حوالي نصف قرن من الزمن تحديدا في 26 فبراير 1976. وهكذا ما حصل من تشبت ودفاع للمغرب وبكل السبل الشرعية عن اقاليمه الصحرواية الجنوبية منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، الى غاية وقف اطلاق النار مطلع تسعيناته باشراف من الأمم المتحدة، وهكذا ما حصل من استرجاع لاقليم وادي الذهب يوم 14 غشت 1979 عندما ألقى وفود علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ قبائل وادي الذهب نص البيعة بين يدي الملك الراحل الحسن الثاني، معلنين ارتباطهم الوثيق بالمغرب وبالوحدة الترابية وهو ما شكل إبانها ضربة قوية للخصوم. وما جاء لاحقا من مبادرة مغربية حول الحكم الذاتي للاقليم لانهاء النزاع المفتعل، وما حصل ايضا الى عهد قريب جدا من أولا : تحرير المغرب لمعبر الكًركًارات في نونبر 2020، وثانيا: من اعتراف امريكي بمغربية الاقاليم المغربية الصحراوية الجنوبية 2020، وثالثا: من اعتراف اسباني 2022، ورابعا واخيرا : من اعتراف فرنسي السنة الماضية 2024.