حول سؤال هوية السينما المغربية وأزمة المنتج فيها بخطابات الآخرين .. !؟
تازة بريس
أكملت السينما المغربية ثلاثة عقود، على نهضتها التي آمنا بها واحتضناها بكل تفاؤل. والمعلوم أن هذه النهضة انطلقت بظهور فيلم البحث عن زوج امرأتي سنة 1993. مناسبة نلقي فيها نظرة تأملية لإستشراف مسارها المستقبلي من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: هل تسير السينما المغربية الآن في الاتجاه الصحيح؟ وهل تستطيع أن تحافظ على وتيرة الإنتاج القائمة حاليا؟ وهذه الأفلام وما تحمله من تباينات واختلافات فكرية وجمالية، إلى درجة الاصطدام أحيانا مع المشاهد، وأحيانا إلى درجة منع بعضها من العرض، هل ستحافظ على هذا الاستقطاب الجماهيري؟، ألا يمكن مستقبلا أن يتراجع عنها الجمهور وتتعرض للنكوص والكساد؟ هل سنبقى مطمئنين إلى هذه الطفرة؟ هل هناك ما يجعلنا مطمئنين؟ وإذا كان هناك فما هو؟ إلى أي حد تتوفر في الإنتاجات الحالية من المقومات الإبداعية التي تلبي فعليا رغبة الجمهور المحلي، ومنه إلى العالمي؟ إذا كانت فما هي؟ هل تلبي الأفلام المغربية رغبة الجمهور العريض (المتنوع وليس النوعي)؟ وإلى أي حد تتوافق الخيارات الجمالية في الفيلم المغربي مع الذوق المحلي؟
يمكن تسجيل الانطلاق الرسمي للإنتاج السينمائي المغربي بفيلم الحياة كفاح سنة 1968. فبهذا الفيلم، بدأت تتشكل هوية السينما المغربية. ومع توارد الأفلام، بدأ البحث عن محرك ديناميكية الإنتاج، الذي كان آنذاك بطيئا، وهو الجمهور. كان الانتاج آنذاك شحيحا لا يتجاوز معدله السنوي فيلمين ونصف. كانت النقاشات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، تنصب على كيفية الخروج من ذلك الوضع المتأزم. وكان السؤال الحارق يطرح كيفية الرفع من الكم الإنتاجي السينمائي. اجتهدت الدولة وبادرت بإنشاء صندوق الدعم سنة 1980، وقامت بتعديله وتقنينه سنة 1987. لكن تبين فيما بعد أن هذه المبادرة، لم تستطع إخراج السينما المغربية من وضعها المتأزم. وتبين أن سببها ليس في غياب دعم الدولة. وبظهور فيلم البحث عن زوج امرأتي سنة 1993، تبين أن العائق وراء أزمة الإنتاج، عائق إبداعي جمالي محض. في ظل ذلك الوضع، كان العديد من السينمائيين المغاربة يبحثون (سواء بحثا حقيقيا أو وهميا) عن الخروج من أزمة التسويق. وكان غياب السوق الداخلية، يدفع العديد من المخرجين للبحث عن متنفس للخروج من ذلك الوضع، ولم يجدوا أمامهم سوى البحث خارج الحدود، معتقدين أنهم بذلك سيتخلصون من ذلك الإختناق! وكانت إكراهات الإنتاج المشترك، تفرض نفسها كمعطى واقعي حتمي، لكن ذلك لم يزد طين الفيلم المغربي إلا بلة، عندما يتدخل المنتج الشريك ويطوع سردية الفيلم، حسب مصالحه. وفي هذه الحالة، قد يجد المخرج نفسه مجبرا على تغيير موقفه من وطنه وثقافته. (التنكر له)، وقد يكون ذلك عن طواعية.
وإذا كان التنكر للوطن و الثقافة يستوجب الاستنكار، لأنه غير مبرر اخلاقيا، فإنه يجد تبريره في ضبابية الرؤية الإبداعية. فمن يخاطب من موقع القوة، ليس كمن يخاطب من موقع الضعف. المخاطبة من موقع الضعف وغياب السوق المحلي وتدخل الإنتاج المشترك في الرواية والسرد، خلقا تيارا سينمائيا قويا، فرض نفسه بقوة. ويحمل خطابا واقعيا براغماتيا. وهو خطاب الأزمة. وبهذا الخطاب استطاع هذا التيار أن يخضع (بضم الياء) العديد من السينمائيين للسير في مسار أقل ما يمكن أن يقال عنه، إنه لا يخدم مصالح السينما المغربية. ورغم قوته ورغم الأزمة، لم ينسق إليه بعض في نفس الوقت، ظهرت أفلام أبان أصحابها عن صمود موقفهم، وخلقوا تيارا مضادا لذلك التيار. استمد هذا التيار صموده من الإيمان والوعي بأن الممارسة السينمائية، ممارسة ثقافية وطنية، وأن جوهر البعد الثقافي في السينما، هو مسألة موقف يؤمن ويلتزم بذاتية المبدع السينمائي وعدم التنازل عنها، رغم صعوبة ظروف الإنتاج وقسوتها. هكذا ظهرت أفلام: «وشمة» لحميد بناني، «الشرقي» لمومن السميحي. «ليام أليام» و»الحال» لأحمد المعنوني، «ابن السبيل» و»باديس» لمحمد عبد الرحمن التازي، «باب السما مفتوح» لفريدة بليزيد، «جرح في الحائط» و» عرائس من قصب» للجيلالي فرحاتي…الخ.
بعد انطلاق النهضة سنة 1993، تغير الوضع، وأصبحت السينما المغربية تعيش وضعا مختلفا كثيرا عما كانت عليه، أصبح المغرب ينتج ما يعادل العشرين فيلما، بعد أن كان ينتج فقط ما يعادل فيلمين ونصف في السنة. وإن كان هذا التحول الكبير، حصل بمحض الصدفة، إلا انه لم يأت عبثا أو من فراغ، بل كانت له نقطة انطلاق، ونقطة الإنطلاق هذه. كانت بفيلم البحث عن زوج امرأتي سنة 1993، للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، وسيناريو فريدة بنليازيد، الذي حقق آنذاك، أكبر نسبة مشاهدة في تاريخ السينما المغربية إلى يومنا هذا. كان فيلما مفاجئا للجميع، وأهم شيء جاء به، أنه ألغى خطاب الأزمة. وكسر ذلك التصور الانهزامي الذي يفيد بأن ما دامت العديد من البلدان العربية والإفريقية تعاني من الأزمة، فإن أزمة السينما المغربية حتمية، وكأنها شر لابد منه. استمر عرض الفيلم في القاعات السينمائية المغربية لأسابيع. و تجاوز عدد مشاهديه 800 ألف، و إذا قارنناه مثلا بالفيلم السابق باديس لنفس المخرج، فإن باديس، لم يصل عدد مشاهديه الى 400. ورغم أن نجاح فيلم البحث عن زوج امرأتي كان مفاجئا، إلا أنه من الطبيعي أن يخرج من رحم ذلك التيار السينمائي الذي صمد في وجه الأزمة، ولم يتنازل عن وطنية موقفه.
بهذه المواصفات، يعتبر فيلم البحث عن زوج امرأتي نقطة مفصلية بين مرحلتين من تاريخ السينما المغربية. إذ سجل نهاية مرحلة، وبداية أخرى. ومن هذه الناحية، يذكرني بالفيلم الإيطالي روما مدينة مفتوحة 1945، للمخرج روبيرتو روسيليني، الذي سجل نهاية مرحلة سينمائية، كانت تسود فيها أفلام الدعاية للزعيم موسيليني. والأفلام العاطفية الرخيصة التي كانت تسمى بأفلام الهاتف الأبيض، حيث كلما ظهر الهاتف يرن في بيت البطلة إلا وكان ابيض اللون، وأسس بعد ذلك لما كان يسمى بالسينما الواقعية الجديدة. إذا كان فيلم «روما مفتوحة» قد أسس للسينما الواقعية الجديدة، بتغيير مضمون العرض السينمائي، من الملهاة العاطفية الرخيصة، إلى مآسي الواقع الايطالي وتقديم أجوبة للأسئلة الفكرية، فإن فيلم البحث عن زوج إمرأتي قد جاء بأجوبة للأسئلة الجمالية. الاختلاف الأساسي بين الفيلمين هو أن الإيطالي قلب السينما الايطالية لأنه جاء بمضمون جديد يضع المشاهد أمام واقعه. ويعد هذا بمتابة طرح بديل في الفكر الابداعي للسينما الإيطالية. هذا البديل أقنع العديد من زملاء روسيليني ليسيروا على نفس النهج. هكذا أنجز فيتوريو دي سيكا رائعته، سارق الدراجة. المقصود بأن روسيليني قلب السينما الايطالية، أن فيلمه روما مدينة مفتوحة، كان النقيض التام لأفلام الهاتف الابيض السائدة آنداك. أما فيلم «البحث عن زوج إمرأتي»، فقد جاء ببديل جمالي. لأن القاسم المشترك الذي يجمع أبرز أفلام ما قبل 1993، هو نقد الواقع المغربي، من خلال إبراز تتناقضاته. بينما فيلم «البحث عن زوج امرأتي»، كان فيلما فرجويا بامتياز خال من ذلك النقد، أو تلك التناقضات. ولكن بما أن الجماليات يحكمها التذوق، فلا يمكن أن يقلب السينما المغربية. لأن البديل الجمالي قد يقنع وقد لا يقنع، بناء على مقولة الاذواق لا تناقش. وبما أن العنصر الجمالي هو أساس أية صناعة سينمائية، فإنني لا أدعي إن البديل الجمالي الذي جاء به فيلم «البحث عن زوج امرأتي»، يمكن أن يشكل للسينما المغربية مناعة قادرة على مواجهة الأفلام المستوردة، خاصة الامريكية المهيمنة على القاعات السينمائية، لكنه يفتح آفاق التفاؤل على المدى المنظور على الاقل، وربما على المدى البعيد.
البديل الجمالي الذي جاء به فيلم «البحث عن زوج امرأتي» تحديدا، هو ذلك التعامل مع المشاهد المغربي بليونة وسلاسة طيلة الفيلم. عكس ما كنا نشاهده في الأفلام المغربية من قبل، بما فيها فيلميه السابقين: إبن السبيل وباديس. المقصود بأن (البديل الجمالي الذي جاء به فيلم «البحث عن زوج امرأتي»، لايمكن أن يشكل مناعة للسينما المغربية)، هو أنه لا يستطيع مقارعة الأفلام المستوردة وخاصة الأفلام الهوليودية. لأنها تعتمد جماليات أقوى بكثير مما جاء به. ولفهم هذا، يجب تحديد موقع السينما المغربية داخل السينمات في العالم. المعروف أن السينما الأمريكية هي أبرز سينما في العالم، بشكل جبروتي لا يضاهى. إذ تصل حصتها من الأفلام المعروضة في القاعات في العالم إلى نسبة90% ، وإذا اعتبرنا من باب التقدير أن المعدل العام هو 70%، فكم تكون حصة السينما في باقي البلدان الغربية من ال30% وهي المعروفة بمدى قوتها و حضورها الطاغي، والمعروف أيضا أن السينما الفرنسية هي الثانية الأكثر رواجا في العالم بعد الأمريكية؟ وما تبقى منها، كم تكون حصة السينما الهندية التي يصل إنتاجها إلى 2000 فيلم في السنة، رغم محدودية انتشارها؟ وكم هي حصة باقي البلدان الأكثر إنتاجا، كالصين واليابان وكوريا وإيران وتركيا ومصر وغيرهم؟ وكم هي حصة باقي البلدان؟ وهنا يمكن أن نحدد- ولو بالتقريب- وضع السينما المغربية في العالم ونسأل: كم هي حصة المغرب من كل ما تبقى؟.
هذه الأرقام تبين – ولو على وجه التقريب – مدى محدودية انتشار الفيلم المغربي في العالم. لكن ذلك لم يمنع أن تتبوأ الأفلام المغربية شيئا فشيئا المراتب المتقدمة في لائحة شباك التذاكر للأفلام المعروضة في القاعات المغربية في مرحلة النهضة. بعد أن كانت في مرحلة الأزمة، تحتل المرتبة الأخيرة، أمام السينما الايطالية والفرنسية والهندية والمصرية، لكنها لم تحتل قط المرتبة الاولى، أي أمام السينما الأمريكية. لأن النموذج السينمائي الهوليوودي يعتمد عنصرا جماليا قويا إستعصت مصارعته من طرف كل التجارب السينمائية في العالم، مند بداية السينما تقريبا. عندما انتقلت السينما المغربية من مرحلة الأزمة، إلى مرحلة النهضة، استبشرنا بذلك وتفاءلنا خيرا. لكن دار لقمان لا زالت على حالها. فعلامات الممارسة الإبداعية الشاذة، والتي تطرح أسئلة الموقف من الثقافة المغربية قبل 1993، لازالت قائمة ومستمرة إلى الآن. و لازالت مطروحة على العديد من الأفلام. مما يخلق ضبابية عند النظر إلى الآفاق المستقبلية للسينما المغربية. وفي هذه الحالة، (رواج الفيلم محليا دون تحقيق رغبة الجمهور المحلي)، يدخل عنصر مهم، يدور في أذهان المبدعين أكثر مما يدور في أذهان المشاهدين. ولا يهم فقط المغرب، بل كل سينما دول الجنوب، و هو العالمية.
الملاحظة الأولى حول العالمية في موضوعنا، أن السينمائي أيا كان، يدرك أن قوة أية سينما، تكمن في مدى انتشارها العالمي (انتشار خطاب سينمائي، لا إنتشار أفلام). والملاحظة الثانية، أنها تشغل بال السينمائيين في دول الجنوب، بينما تكاد تكون غير مطروحة للنقاش أو الإهتمام في سينما دول الشمال. لسبب معروف وواضح، وهو هيمنة سينما دول الشمال على المشاهد السينمائي في العالم، بنسبة تفوق التسعين بالمئة. بينما نجد الكثير من النقاشات في سينما دول الجنوب، تتخبط في تحديد ما هو الفيلم العالمي. و أبرز أسباب ذلك التخبط، أن ما للسينما و وسائل الإعلام و التواصل الجماهيري عامة في دول الشمال من قوة الخطاب، يعطيها القدرة على تكييف و تشكيل السينمائيين في دول الجنوب، وأن بقدرتها على الانتشار العالمي، فكأنها تملك سلطة تحديد الفيلم العالمي. وهنا يكمن الإيهام. فما أن تتناول وسائل الإعلام من بلدان الشمال، فيلما من بلدان الجنوب، أو يعرض في مهرجاناتها، أو قاعاتها، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة بها – بكل ما يتضمنه ذلك من إبتزاز ثقافي- حتى يعتقد صاحبه أنه وصل الى العالمية. كما يقول المثل المغربي: (قطع الواد ونشفو رجليه). وبفعل هذه النشوة (العالمية) يكاد لا يدور في ذهن هذا السينمائي أي من أساسيات القوة السينمائية التي تحقق مصالحه، كالخطاب أو الثقافة او الهوية.
وبدل أن يبحث السيمائي المغربي عن تحقيق العالمية من باب الإشهار لثقافته، يبحث عنها من باب التشهير بها. وهذه نتيجة متوقعة لوضع لا تكون فيه موازين القوى في صالحه. وفي ظل هذا الوضع، فهو يخاطب من موقع الضعف. والتفاقم نتيجة طبيعية لاستمرار حالة الضعف. وفي هذه الحالة، من السهل أن تخلق بعض الحالات الشاذة، حيث يصبح البعض ضد نفس. فإذا كان من الصعب على السينمائي المغربي أن يخاطب مستقلا بذاته من موقع الضعف معلوما، فإن التغلب على ذلك، يتطلب القدرة على تحديد ذاته داخل العالم. أي أن يحدد كيف مالت موازين القوى في العالم لغير صالحه. وتزداد الصعوبة عندما تستقبل الكثير من الخطابات التي تنطلق من موقع القوة. والعكس بالعكس. خاصة في ظل هذا التطور المهول في وسائل الإعلام و الاتصال والتواصل الاجتماعي الذي يعيشه العالم. هذا الإيهام أفرز تيارا داخل السينما المغربية، يسير في الاتجاه المعاكس لمصلحته. في الوقت الذي قامت أفلام بكل وفاء وإيمان في تثبيت ركائز سينما مغربية وطنية في مرحلة الأزمة ومنذ بداياتها. أفلام حميد بناني ومومن السميحي وأحمد المعنوني ومحمد عبد الرحمن التازي… وبعد انفراج الأزمة، ظهرت مجموعة من الأفلام لمخرجين ساروا في نفس التيار كأفلام لمحمد العسلي وإسماعيل فروخي وحكيم بالعباس وإلى حد ما داوود أولاد السيد على سبيل المثال.
فما كان يلاحظ مثلا على فيلم «عرس الدم»، وما جلبه من انتقادات قبل 1993، لا زال يلاحظ على أفلام مغربية عديدة بعد 1993، وإن بأساليب ورؤى وأدوات مختلفة. فالإيهام بالعالمية، ليس فقط في مرحلة الأزمة، عندما يعرض فيلم «عرس الدم» (1977)، مشاهد فلكلورية دون أن تشكل جزءا من جسد الرواية في الفيلم. بل أيضا بعد الأزمة، عندما يغيب التوازن، وتطغى مظاهر التشدد والتزمت في صورة الإسلام، في فيلم «يا خيل الله»، ويغيب فيها كليا الإسلام كما يعرفه المشاهد المغربي (كما يرغب أن يراه)، لينفجر إرهابا ضد السياح الاوروبيين. وليس هذا فقط، بل يسمح غياب التوازن هذا، بتمرير خطاب الإسلاموفوبيا. ولا غرابة أن يقوم المخرج الامريكي (جونتان ديم) بتسويق الفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية دون غيره من أفلام المخرج. والإيهام بالعالمية أيضا عندما يتم انتقاء الرقص المثير للحس الأيروتيكي الغريزي، وتقديمه كأنه الرقص الوحيد عند العرب، لحصر رغبات الجسد العربي في الإستعراض الإيروتيكي وأن هذا الرقص هو أفضل ما يمكن للعرب أن يقدموه للعالم (الغرب) ويجعل هذا من الفيلم، مجرد سخرة استشرافية، بكل ما يتضمنه ذلك من دونية الذات العربية أمام إستعلاء الغرب. في فيلم: كل ما تريده لولا. أو عند إثارة عواطف الشفقة على مناظر التخلف في فيلم: «علي زاوا» أو إثارة العين الأجنبية بغرائبية التخلف، في فيلم «الراكد». أو عندما ينسب القهر الاجتماعي إلى مقدسات المشاهد (شهر رمضان وليلة القدر). في فيلم «ألف شهر». رغم أن الفيلم كان مرتبكا بين إنساب هذا القهر إلى رمضان، وإنسابه إلى سنوات الرصاص. أو عندما يظهر المغربي كتلميذ أمام الغرب (النصارى حسب تعبير الفيلم)، يتعلم منه كيف يأكل وكيف ينام. و يقر بأن الطب في فرنسا أفضل منه في المغرب، (المغرب الفاشل مقابل فرنسا الناجحة) في فيلم «جوق العميين»، أو عندما لا تجد أفلام ك» العيون الجافة»، أو «الزين لي فيك»، مادة فيلمية للتعبير عن معاناة المرأة المغربية، إلا في انحطاطها الأخلاقي وهو البغاء، لتبرير مشاهدها الصادمة للمشاهد، والمهينة لصورة الجسد المغربي.
بعد مرور العقود الثلاثة على عرض فيلم «البحث عن زوج امرأتي»، لا أرى أن المكونات التي جعلته شرارة الانطلاق لنهضة السينما المغربية، تم الأخذ به. ونبدو كأننا نزهو بمرحلة لم ندرك بعد حقيقة مصدرها. ولا زلنا ننتج أفلاما تحمل في طياتها أسئلة عن الأسس التي يمكن أن تقوم عليها أية صناعة سينمائية. كالهوية والثقافة والخطاب السينمائي. لا زلنا ننتج افلاما تنطق بخطابات الآخرين. مما يؤكد هذه الضبابية الكثيفة عند النظر إلى الآفاق المستقبلية لنهضة السينما المغربية. فكم هي مؤلمة هذه الحالات الشاذة التي نكرر فيها بمحض إرادتنا خطابات هذا الآخر حولنا. والاسوأ، أن تكون أفلامه المحملة بهده الخطابات هي من يحتل قاعاتنا. فلماذا نكرس خطابات الآخر حولنا؟ أليست لنا هوية؟ اليست لنا ثقافة؟ و لماذا لم نتشبع بالجماليات التي أفرزتها ثقافتنا؟ ثم لماذا هذه الحالات الشاذة في السينما المغربية، وقد انتقلت من الأزمة، الى النهضة؟ ألا يحمل هذا الإنتقال في طياته أزمة إبداع واضحة؟.
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي – محمد الحجلي