إصلاح قطاع التعليم وسيلة لا غاية والجميع فيه مدعو لتحمل مسؤوليته ..

تازة بريس11 يناير 2024آخر تحديث : الخميس 11 يناير 2024 - 12:26 صباحًا
إصلاح قطاع التعليم وسيلة لا غاية والجميع فيه مدعو لتحمل مسؤوليته ..

تازة بريس

نور الدين البوزياني

يعد قطاع التعليم من بين القطاعات التي تقتضي الإصلاح، نظرا لمركزيته في تحديث المجتمع وتطويره  وتنميته، لكن أن يصبح قدره الإصلاح فهذا ما لا ينبغي أن يكون تماما لأنه أمر  لا يقبل تفسيره الا ضمن مقولة الإصلاح كغاية لا كوسيلة . إن النظر إلى الإصلاح كغاية يفرغه من كل غاية إلا من غاية التكرار، وهو ما يلحظه كل متصفح لسيرورة التعليم ببلادنا، والتي يجدها سيرورة لتأبيد تاريخية الإصلاح داخله وهو ما يجعل مشكلته الأولى صيرورة نحو الأزمة.

لقد كانت المشكلة الأولى في التعليم  الى عهد قريب مشكلة جودة، غير أن تدخل الإصلاح جعلها تنتقل إلى مشكلة أعمق ومن ثمة لأزمة وبطريقة سريعة، كادت أن توازي سرعة الإصلاحات التي توالت على التعليم بالمغرب. حيث أن إصلاح مشكلة الجودة وفق منطق تأبيد تاريخية الإصلاح جعل المشكلة المدرسية تنفتح على محيطها بدل انفتاحها على محيطها باعتبارها قاطرة للتنمية، لأننا لم نعد بهذا المنطق أمام خلل على مستوى التحصيل وما يواكبه ويوازيه من عمليات بيداغوجية وديداكتيكية.. فقط، بل أمام مشكلة تتسع وتتحور يوما بعد يوم. إذ انتقلنا من مشكل تربوي مرتبط بالعملية التعليمية التعلمية، إلى مشكل اجتماعي مرتبط بالمسارات السوسيومهنية لفئة تعتبر حجر الأساس في إصلاح مشكلة الجودة، الذي تترجمه بشكل واضح اختيارات التوظيف الجديدة التي شرعت فيها السلطات المختصة، التي لم تكرس بحسب دراسة سوسيولوجية للباحث “سعد الدين إكمان”، سوى الهشاشة واللايقين فيما يخص مسارهم المهني إن على مستوى الاعتراف أو الأمان. وهو ما سيدفع بهم للمطالبة بتأمين وضعيتهم السوسيومهنية عبر ادماجهم في سلك الوظيفة العمومية، وبالتالي تعميق المشكلة بإضافة هدر الزمن المدرسي للمتعلمين لِما كانت تعانيه المدرسة من مشاكلَ في التحصيل.

ويظهر  أن هذا المسلسل الإصلاحي لم يتوقف عند هذا الحد، بل أعاد الكرة مرة أخرى في محاولة منه لإصلاح المشكلتين هاته المرة، أو بالأحرى محاولة انتاج أزمة من خلال تعميق المشكلتين السابقتين، بإخراج نظام أساسي عمل- تقريبا- على شل المدرسة العمومية، لكونه لم يراع مرة أخرى الحلقة الأم المعول عليها للنهوض بالمدرسة المغربية وتطويرها، وهو الأمر الذي لم ينتج عنه أي أثر إيجابي اللهم تكريس اللايقين، في صفوف فئة المرسمين حسب التجزيء الذي كرسه منطق تأبيد الإصلاح في هذا القطاع الحيوي.

إن منطق العلم يرفض بل ويرمي بالغباء كل من يقوم بنفس التجربة ووفق نفس الشروط وينتظر الحصول على نتائج مختلفة، لذلك فقمة الغباء أن نقوم بتأبيد تاريخية الإصلاح داخل قطاع التعليم، وننتظر حلا للأزمة، علما أن حلها يقتضي الانخراط في تجربة جديدة منفتحة على جميع المتدخلين وفق منطق التشارك لإنتاج نموذجٍ إصلاحي، يحمل – في جوهره- غاية تنمية وتطوير المدرسة العمومية وفق ما يتناسب وخصوصيات المجتمع، لأن الإصلاح لا يمكنه أن يكون هادفا إلا إذا انطلق من صميم وعمق من نستهدف به، أي أن حل أزمة التعليم التي أصبحنا نعيشها اليوم، لن يتأتى بترهيب وتخويف وإقصاء أهم حلقة فيه بإصدار التنبيهات والتوقيفات وما شابه ذلك، بل الأمر يقتضي من الجميع أن يضع رهانا وغاية لهذا الإصلاح، حتى لا يظل مفرغا وأجوفا من ماهيته وجوهره الذي يكمن في إحداث التطور و التقدم لا التأبيد. بدءًا من مؤسسة الأسرة التي ينبغي أن تساءل نفسها عن علاقتها بما يقع وما وقع من مشكلات وأزمات في القطاع، حتى لا تسند كل مهامها الطبيعية في هذا الباب للمدرسة وتبقى دون مهمة. لأن التعلم والتحصيل لا يحدث فقط بالذهاب إلى المدرسة والإياب منها. مرورا ايضا بالحكومة التي باتت مطالبة بتوفير كل سياقات وشروط ضمان جودة التربية والتعليم، وجعل المدرسة فعلا قاطرة للتنمية على مستوى الواقع وليس الخطاب والتنظير فقط. وأخيرا مرورا بكل المتدخلين والفاعلين في القطاع، من أجل تعبئة كل مواردهم وإمكاناتهم ووضعها في خدمة القضية بشكل مواطن ومسؤول.

يقال بأن الشيطان يكمن في التفاصيل، لكن تحديد المسؤوليات للتاريخ -أيضا- يقتضي الرجوع إلى التفاصيل، لذلك لا عيب في العودة والكشف عن الشيطان مادام الأمر يقتضي تحديد المسؤوليات للتاريخ. إن الرجوع لبداية أزمة التعليم التي انطلقت فور صدور نظام أساسي جديد خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية من أجل تشريحها قراءة ونقدا، يجعلنا نفهم دواليب هاته الأزمة والكيفية التي تسير بها، من خلال الوقوف على تفاصيلها التي تتجلى في الغموض الذي يلف عملية الإصلاح و يعتري غايته من جهة، وفي تلك المطالب التي لا تضع في الحسبان التوجهات والاختيارات التنموية الكبرى من جهة ثانية. وبالتالي ما يفيد بضرورة تحمل الجميع كل من موقعه لمسؤوليته لجعل اصلاح التعليم وسيلة لا غاية.

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق