تازة : ضاية “شيكر” منتجع سياحي جبلي ومغارات ومياه باطنية ودراسات ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
عبارة عن مقعر في تكوينها المورفولجي بامتداد حوالي ثمانية كلمترات، محاطة بمرتفعات جبلية ذات قمم شبه مستوية بعلو ما بين ألف وستمائة متر وألف ثمانمائة متر، خضعت لجملة دراسات مجالية من قبل أجانب فرنسيين خاصة زمن الحماية وكذا خلال السنوات الأولى للاستقلال الى غاية سبعينات القرن الماضي، تصل كمية التساقطات بها خلال السنوات العادية مناخيا لحوالي ألف وأربعمائة ملم، أما الحرارة بها شتاء فتصل لدرجتين تحت الصفر والى سبعة وثلاثين درجة صيفا، كما تسجل بها تجمدات خلال فصل الشتاء وبداية الربيع. فضلا عما يميزها من فصول أربعة بمشاهد واضحة ،على أساس ما يطبعها من كمية تساقطات ودرجة حرارة وتوزيع سنوي، الى جانب ما تحتويه من مجاري مائية قادمة من أعاليها، والتي يحكمها انحدار شديد واختراق لتكوينات صخرية تجعلها بقوة امتداد صوبها.
تلكم هي ضاية “شيكر”بمجال ومرتفعات”باب بودير” على بعد حوالي عشرين كلم جنوب تازة بعلو حوالي ألف وثلاثمائة متر. ضاية عبارة عن منخفض أكثر استواء في امتداده المجالي حيث الأطلس المتوسط الشمالي وشرق جبل تازكا. ولعل مما يميز مورفولوجية ضاية شيكر هذه، كونها تحتوي شبكة مغاراتية مرتبطة ببنية تكوين كارستي، والتي هي بتعبير جيولوجيين ومورفولوجيين عبارة عن “بالوعات مجاري”، باتساع بضعة أمتار على أعماق متباينة فيما بينها. ويسجل أن التجويف الأعمق والأكثر شهرة بالمنطقة على مستوى سفح جبل “بومسعود” الجنوبي الشرقي هو”فريواطو”، الذي يوجد بعمق حوالي مائة وخمسين مترا وباتساع فتحة أو فوهة أعلاه ما بين ثلاثين الى خمسين مترا، تلك التي يوجد بأسفلها من جهة الشرق مدخل هذه المغارة التي تمتد على مسافة تفوق الألفي متر. مع أهمية الاشارة الى أن المياه المتسربة اليها عبر شقوق مجاورة كلسية، هي التي تنتهي الى قاعاتها مزودة بذلك خزاناتها المائية التي هي عبارة عن ضايات صغيرة بداخلها. وبجوار مغارة فريواطو هناك كهوف أخرى ضمن منحدرات نفس البنية، من قبيل كهف”باب لعري” ثم “باب مفريح” على بعد حوالي ألف وخمسمائة متر شمال مركز باب بودير، وهي بمثابة خزان مائي خلال فصل الشتاء بكمية كبيرة من المياه لا تتسرب سوى بشكل ضعيف وبطيء الى الأعماق.
ويسجل أن حوض ضاية شيكر الهدرولوجي ضمن مجموع المنحدرات المجاورة التي تم حفرها بواسطة المجاري المائية المتجهة اليها، هو حوض محدد في حوالي أربعين كلم مربع. ونظرا لِما يطبع المجال من تشققات ليست هناك مياه جارية على السطح صوبه، بحيث جميع المياه تتسرب عبر عدة تجويفات كلسية cavités . وعليه، فإن ضاية شيكر غير مزودة بأية مياه جارية متدفقة هامة. على مستوى البنية نفسها هناك واد واسع عميق يأتي من مركز باب بودير من جهة الجنوب، لكن جريانه يرتبط فقط بالفترة الممطرة من السنة، وقد عمل على حفر مجرى له أو سريرا قديما بحوالي المترين. مع أهمية الاشارة الى أن انحداره الضعيف لا يسمح له بتجميع الترسبات، حيث ينتهي بمخروط متواضع يشكل وعاء نهايته. ويبقى الامتداد المائي الهام لضاية شيكر يرتبط بواد صغير، ينحدر من جبل “سرحير ملال” جنوب شرق الضاية. ومما يطبع مجاري المنطقة كونها معلقة بحوالي عشرين مترا من العمق، ضمن مجال بتكوين كارستي.
على طول أطراف منخفض ضاية شيكر في علاقته بصخور شيستية وكلسية تصطف نقط امتصاص المياه، بحيث على بعد حوالي ستمائة متر شرق “فريواطو”،نجد ثلاث ثقب عميقة بحوالي سبعة أمتار يتم عبرها ابتلاع مياه المنطقة الشتوية. وفي هذا الاطار والبنية ما يرتبط ب”مغارة شيكر”، حيث تعدد وتعاقب الآبار العميقة التي تسمح بالولوج اليها، وهو التجويف الممتد الذي يشهد تغيرات أفقية على عمق حوالي سبعين مترا أسفل الضاية. هكذا على امتداد حوالي كلمترين ليس هناك سوى مسار رئيسي لهذه المغارة، التي تمت دراستها من قبل “نوربير كاستريت” سنة ألف وتسعمائة وأربعة وثلاثين مثلما حصل مع مغارة فريواطو، علما أن المغارتين هما بنفس الاتجاه. واذا كانت مغارة شيكر التي تنفتح عبر بالوعة من بالوعات ضاية شيكر هي بموضع تحت المياه، فإن مغارة فريواطو هي بارتفاع حوالي عشرين مترا وهو ما يجعلها تعرف فيضانات جزئية محدودة. وعلى مستوى ضاية شيكر يسجل أن في نهاية مصبها هناك بالوعة أخيرة منفتحة على مدخل متسع بعدة أمتار، مع أن ما يوجد هناك من نقاط ولوج مائي في الأسفل منفتحة في الأعماق، يصعب على الانسان المرور منها. مع أهمية الاشارة الى أن الأمطار وذوبان الثلوج خلال فصل الشتاء، تؤدي عموما الى احتقان نقاط التسرب ومن ثمة ما يتسبب من فيضان الضاية جزئيا. بحيث قد يصبح أكثر من نصف مساحتها مجالا مغطى بالمياه، والتي يتجاوز عمقها مؤقتا المترين بحسب المواقع دون احتساب نقاط التسرب المائي السفلى حيث العمق الأكثر. وفي هذه الفترة كثيرا ما يعرف منبع “رأس الماء” الشهير بالمنطقة حيث الأسافل على بعد بضعة كلمترات، جريانا مائيا قويا محملا برسوبات صفراء شستية عالقة.
إن تكوينات المنحدرات الكلسية على علو حوالي ألف وخمسمائة متر، هي أقدم بقايا تطور ضاية شيكر بجنوب تازة. ولعل آثار التعرية العنيفة الكائنة في مغارة فريواطو، تشهد على أن هذه المغارة المفتوحة على علو حوالي ألف وخمسمائة متر، كانت نقطة امتصاص عندما كانت لا تزال ضمن مستوى طوبوغرافي منخفض، وأن بداية النشاط الكارستي الذي يطبع ضاية شيكر يعود لفترة تسطيحات 1450 متر Epoque des aplanissements، وهناك ربما عمليات كارسية قديمة يقول باحثون جيولوجيون ومورفولوجيون بصعوبة تحديد آثارها. فضاية شيكر تحتوي على انهيارات في علاقتها ببنيتها، ما يجعلها توحي بوجود ذوبان ضخم للطبقة التحتية اللازئية subratum lisique ، وما يعني ايضا ربما أصل تموضع وتحديد الضاية وكذا خصوصية المجال. فضلا عما هو جيولوجي ومورفولوجي، وقفت الدراسات التي توجهت بعنايتها للمنطقة تحديدا منها ضاية شيكر، على ما هو مثير من جمال طبيعي يخص مغارة “شيكر” و”فريواطو”. مشيرة في تقاريرها الى أن من شأن التهيئة السياحية لهذين المكونين الطبيعيين المتفردين، أن يجعلا من المنطقة حيث جنوب تازة أكثر جذبا ودينامية وتنمية وانعاشا، مع ما ينبغي أن تتأسس عليه هذه التهيئة من دراسات خاصة. هذا الى جانب ما ورد في هذه الدراسات، حول الأهمية الهدرولوجية لشبكة المياه الباطنية مبعث مياه رأس الماء الشهير بتازة، التي كانت تغدي مركزا لتوليد الطاقة الكهربايئة لفائدة المدينة زمن لحماية. وحول ما هناك من موارد معدنية بضاية شيكر، مفيد الاشارة الى أنها كانت موضوع دراسة مطلع ستينات القرن الماضي من قبل الباحث”ph. Morin “، أكدت امكانية وأهمية استغلال ما هناك من معدن رصاص وزنك وحديد.
بعض فقط من أثاث مجال وطبيعة جنوب تازة الجبلي، حيث ضاية شيكر وما أحيطت به من دراسات منذ ثلاثينات القرن الماضي ضمن مختبرات بحث جيولوجي ومورفولوجي أجنبية فرنسية خاصة. انبنت على ببليوغرافيا هامة شملت تقارير سسيولوجية عن المنطقة، وما هناك من شبكة مغارات وكهوف أنجز حولها الباحث “نوربير كاستريت” جملة تقارير، فضلا عن دراسات اخرى حول ما هو هدرولوجي من قِبل Russo.p. ويسجل أن من هذه الدراسات ما تم تقديمه ضمن مؤتمر باريس العالمي للمعادن في ثلاثينات القرن الماضي. ناهيك عما تأسست عليه هذه الدراسات من خرائط جيولوجية حول تازة خلال نفس هذه الفترة، وما أضيف في هذا الاطار مطلع الستينات منه من قِبل الباحث “فليب موران”.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث