حول القرار الأممي لفائدة المغرب والذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء ..

تازة بريس13 نوفمبر 2025آخر تحديث : الخميس 13 نوفمبر 2025 - 2:19 صباحًا
حول القرار الأممي لفائدة المغرب والذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء ..

تازة بريس 

عبد السلام انويكًة

بعيون دبلوماسية لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة المغاربية، هو ما حصل مؤخرا إثر تصويت مجلس الأمن الدولي على قرار داعم لمقترح المغرب في شأن الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية. قرار رسم بشكل واضح واستشرافي ملامح مرحلة جديدة في مسار نزاع مفتعل دام عدة عقود من الزمن منذ سبعينات القرن الماضي. ويسجل أنه رغم هذا التحول الإيجابي الأممي لصالح قضية المغاربة الوطنية الأولى، فإن المغرب لم يعتبره انتصارا كما أنه لم يستغله لتأجيج ما هناك من خلاف وصراع مع الجارة الجزائر، بل لا يزال بيد ممدودة كما كان دوما داعيا هذه الأخيرة لِما ينبغي من حوار وتجاوز للماضي خدمة لحاضر ومستقبل الشعبين الشقيقين. وبقدر ما ليس صدفة ما تقاطع مؤخرا من زخم أممي حول قضية الصحراء المغربية ومع المقترح والدعوة المغربية، بقدر ما يعكس تحولا في ميزان المقاربات الدولية والإقليمية حول ما هناك من نزاع ترابي مفتعل، وأن ما حصل يفتح باب فرصة جديدة تاريخية لإعادة بناء الثقة بين المغرب والجزائر. انما بالمقابل تطرح جميع هذه التطورات الأخيرة حول القضية المغربية، جملة أسئلة حول موقع الجزائر من القرار الأممي بعد انسحابها من جلسة التصويت بمقر هيئة الأمم المتحدة، وحول درجة ومدى استعدادها لتقبل يد المغرب الممدودة والانخراط فيما هناك من وساطة تروم إحلال الأمن والسلام بالمنطقة.

ولعل قرار الأمم المتحدة حول ملف الصحراء المغربية ومشروع الحكم الذاتي، لم يكن أبدا أمرا غريبا بل متوقعا لكون المعطيات في شموليتها كانت توحي بذلك، وأن ما حصل من اجماع عليه والتصويت لفائدته كان نتيجة حتمية لصراع بين حق وباطل. فالمغرب على مدار نصف قرن وهو في الميدان يكافح على كل الجبهات وبكل السبل، لحل هذا الإشكال الذي زرع في الجسد والتراب المغربي عبر الاحتلال الاستعماري الاسباني، ثم بعد ذلك عبر ما حصل من تحول نحو الانفصال، من حركة تحرر في وجه هذا الاستعمار الاسباني الى حركة انفصالية، غدتها الجارة الجزائر سياسيا وماليا ومعها اطراف أخرى اقليمية، في اطار تصفية حسابات. وعليه، بعد هذا الماضي ونصف قرن من الزمن دفاعا عن وحدة البلاد الترابية على مستوى الأقاليم الصحراوية الجنوبية، فإن ما حصل في 31 أكتوبر الأخير بمقر الأمم المتحدة يعد لحظة تاريخية ليس فقط بالنسبة للمغرب والمغاربة بل بالنسبة للمنطقة ككل. وكان المغرب قد أخذ قضية الصحراء منذ نصف قرن ومنذ حدث المسيرة الخضراء في سبعينات القرن الماضي، ضمن عدة مستويات استراتيجية منها أولا ما توجه اليه منذ بداية القضية من تنمية وإنماء لأقاليمه الصحراوية الجنوبية، وهو ما جعلها بما هي عليه من خلال ما شهدته من مشاريع بناء وتعمير، فضلا عن أوراش كبرى اجتماعية وثقافية واقتصادية وكذا أمنية وعسكرية، بالتوازي مع الجهد الدبلوماسي الذي توج بالقرار الأممي الأخير 27/ 97 ، والذي جعل قضية الصحراء المغربية ضمن مسار جديد من المهم والمفيد الانصات اليه من قبل الجزائر. قرار يعد فرصة للمحتجزين بمخيمات تندوف للانعتاق والتحرر من قبضة الانفصالين، وفرصة تاريخية أيضا لحل نزاع مفتعل عمر نصف قرن من الزمن وقد أضر بعلاقات بلدين جارين شقيقين.

ويسجل أن من صدف التاريخ كون القرار الأممي حول قضية الأقاليم الصحراوية ومقترح الحكم الذاتي، تم التصويت عليه والجزائر عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي. وأن من صدف التاريخ أيضا في هذا القرار التاريخي المفصلي كونه صادف وتزامن مع احتفال الجزائر بذكرى اندلاع ثورة فاتح نونبر 1954، وأن المغرب كان بحكم الجوار من أبرز وأهم المشاركين والمدعمين لهذه الثورة، من خلال ما قدمه لها وللشعب الجزائري على عدة مستويات، ما يقر به النزهاء من الباحثين والمؤرخين والسياسيين بل حتى صناع الثورة الجزائرية أنفسهم. إن ما حصل بمقر الأمم المتحدة مؤخرا من قرار منصف للمغرب ولمقترحه، يعد منعطفا فاصلا لم يبق معه للمغرب سوى إغلاق الملف على مستوى الأمم المتحدة وكذا إغلاق ملف الاستفتاء ومعه ما يسمى بتقرير المصير، بحيث العالم من خلال مجلس الأمن الدولي أقر بالمقترح المغربي ومن ثمة بمغربية الصحراء والسيادة عليها. وهكذا على امتداد نصف قرن لم يتمكن أعداء وحدة البلاد الترابية من بلوغ ما كانوا يراهنون عليه، بل باتوا ضمن عزلة مكشوفة تدعو للشفقة على الصعيد الافريقي والعربي والدولي. وأن ما اختلقه هواري بومدين ذات يوم في عداءه للمغرب عبر دعم الانفصال، وما راهنت عليه الجزائر لاحقا حول الإبقاء على هذا النزاع مفتوحا لإستنزاف المغرب، أصبح في خبر كان بعد ما حصل من تثمين ودعم للقضية المغربية من قبل المجتمع الدولي، ومنه الدعم الفرنسي والاسباني والأمريكي …

على وقع كل هذا وذاك من التطورات لفائدة قضية المغرب والمغاربة الأولى، تم الاحتفال مؤخرا بذكرى وملحمة المسيرة الخضراء التي ارتبطت باستكمال وحدة البلاد الترابية، عبر اتفاق مدريد في نونبر 1975  الذي أنهى الوجود الاستعماري الاسباني في أقاليم المغرب الصحراوية الجنوبية. ذلك الذي لم تتقبله الجزائر عبر دعمها الانفصاليين واحتضان جبهتهم، فخاضوا حربا ضد المغرب مطالبين بالانفصال محولين القضية لنزاع إقليمي سياسي. ورغم أن المغرب مارس صلاحياته الترابية السيادية على أرض الواقع منذ حدث المسيرة الخضراء، عندما توجه بعنايته لإقامة المؤسسات منخرطا في حاجياته المنطقة التنموية الكبرى. فإن الانفصاليين في “البولزاريو” أصروا بدعم جزائري على استمرار النزاع رافضين كل المقترحات المغربية لحله بشكل سلمي، فكان ما كان من مواجهات عسكرية قبل وقف إطلاق النار في تسعينات القرن الماضي برعاية الأمم المتحدة، وما تلاه من مبادرة مغربية ومقترح حول الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي لطي هذا النزاع المفتعل نهائيا.

إن حدث المسيرة الخضراء في ذكراه الخمسين والذي تزامن مع القرار الأخير الأممي التاريخي الفاصل، مناسبة بقدر ما يستحضر من جهود دبلوماسية مغربية انتهت بمكتسبات على عدة مستويات. بقدر ما يدعو الى أن المطلوب بعد 31 أكتوبر الأخير تعبئة الجميع كل من موقعه لمواكبة ما حصل من تطورات رافعة لقضية الأقاليم الصحراوية الجنوبية، دفاعا عن وحدة المغرب الترابية ومن اجل أفق تدبيري ترابي جديد بالانتقال من ملكية الأرض الى ممارسة الحق في الانتفاع من مواردها وخيراتها. وهو ما يقتضي استكمال ما هناك من أوراش وطنية كبرى مفتوحة من قبيل الجهوية المتقدمة، مع ما يجب من يقضة لمواجهة ما هناك من تحديات داخلية وخارجية. على أساس كون مقترح الحكم الذاتي بالصحراء بات قاعدة وحلا واقعيا ونهائيا للقضية بقوة قرار ورؤية مجلس الأمن الدولي وصوت المنتظم الأممي.  

رئيس مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق