واقع التعليم والصحة والشغل وحرية التعبير بالمغرب بعيون AMDH
تازة بريس
“إن عددا كبيرا من المواطنين يفقدون أرواحهم سنويا سواء جراء الإهمال وغياب العناية الطبية، أو بسبب عدم احترام معايير السلامة في الأوراش والمعامل، أو بسبب انعدام مساءلة المسؤولين عن إنفاذ القانون في المخافر والسجون”. وزات على هذه العوامل، الغرق في البحار بحثا عن الحرية وحياة أفضل، أو بسبب سم العقارب والأفاعي وعضات الكلاب الضالة وغير ذلك من أسباب الوفاة غير الطبيعية”، هذا ما قالته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأوردته في تقريرها السنوي حول وضعية حقوق الإنسان عام 2023، مشيرة الى أن “11 حالة وفاة في السجون تعتبرها العائلات غير طبيعية، و5 حالات وقعت داخل مراكز الشرطة والدرك الملكي أو أثناء الملاحقات من طرف الشرطة”. فضلا عن 15 حالة وفاة في المستشفيات جراء الأخطاء الطبية أو ضعف البنية الاستشفائية، و132 حالة وفاة بسبب حوادث الشغل الناتجة عن غياب شروط السلامة بأماكن العمل أو في حوادث أثناء التنقل للعمل. تقرير الجمعية المغربية لحقوق الانسان كشف أيضا عن 6 حالات ناتجة عن لسعات العقارب ولدغات الحيات وعضات الكلاب المسعورة، فضلا عن 13 وفاة بسبب التسمم الغذائي أو بسبب الاختناق الناتج عن تسرب الغاز، و23 حالة وفاة بسبب الكحول الفاسدة والمغشوشة، و5 وفيات بسبب التشرد والبرد. أما بالنسبة للوفيات الناتجة عن الغرق في الوديان والسدود وخلال محاولة الهجرة بحرا، فقد توصلت الجمعية بمعلومات تؤكد وفاة 131 مواطن، “حيث لا يمثل ذلك سوى نسبة قليلة من العدد الحقيقي” كما يقول التقرير.
كما أوردت الجمعية في نفس السياق أن أعلى معدلات الانتحار تقع في جهة طنجة تطوان بنسبة تجاوزت 53 بالمائة، محذرة من ضعف المنظومة الصحية في البلاد، حيث بلغ إجمالي عدد حالات الانتحار في المغرب 116 حالة خلال 2023، نقلا عما تداولته الصحف والمواقع الإخبارية. لذلك دعا معدوا التقرير الدولة إلى الاهتمام بالصحة النفسية للمواطنين عبر تقوية البنية الخاصة بها، طبقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية التي تعتبر أن “لا فرق بين الصحة الجسدية والصحة النفسية وأن ما هو نفسي يؤدي إلى مضاعفات جسدية، والعكس كذلك”. وفيما يخص الأحكام القاضية بالإعدام، سجل التقرير صدور ما لا يقل عن 6 أحكام خلال العام الماضي، منها 4 أحكام ابتدائية وحكمان استئنافيان. ومن جهة أخرى، قالت الجمعية إن “الدولة مازالت ترفض تبييض السجون من المعتقلين السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والتعبير الذين يقضون محكوميتهم في عدة سجون، من ضمنهم ما تبقى من معتقلي حراك الريف وعددهم 6، ثلاثة منهم محكومون بـ 20 سنة واثنان بـ 15 سنة وواحد بـ 10 سنوات”. ورصد تقرير الجمعية “استمرار الهجوم على حرية الرأي والتعبير والتظاهر والاحتجاج السلميين بمواصلة اعتقال الصحافيين والمدونين ونشطاء الاحتجاجات السلمية، الذين حوكموا على خلفيات منشورات على الشبكات الاجتماعية أو تحقيقات صحفية… منهم من يقضي عقوبات سالبة للحرية، ومن يتواجدون في حالة سراء في انتظار صدور الأحكام النهائية”. وأفاد التقرير أن عدد المعتقلين خلال العام الماضي بلغ 62 معتقل، تتراوح الأحكام في قضاياهم ما بين 15 سنة إلى سنة واحدة وبضعة أشهر، فضلا عن الحبس النافذ والبراءة بالنسبة لـ 23 منهم. وعن “ما يسمى بالحالات العالقة للمختطفين ومجهولي المصير، باعتبار أن الملف لم يعرف أي تقدم أو تطور منذ نشر توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، واستنادا إلى مراجعة اللوائح يتضح أن عددهم يقارب 60 حالة، ويضاف إليهم 111 من طلبة المدرسة العسكرية السابقة لاهرمومو الذين اختفوا عشية 10 يوليوز 1971، ولا زال مصيرهم مجهولا”.
وقال تقرير الجمعية المغربية لحقوق الانسان في شأن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن سنة 2023 اتسمت بتفاقم أزمة الشغل في بالمغرب، فقد كان عدد المناصب المالية المحدثة في الميزانية العامة ضعيفا ولم يتجاوز 27 ألف و725 منصبا، استحوذت وزارة الداخلية وإدارة الدفاع على 52.4 بالمائة منها، في حين لم تتجاوز حصة كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 8.5 بالمائة ووزارة الشباب والثقافة نسبة 0.4 بالمائة من هذه المناصب. واشار التقرير الى فقدان الاقتصاد الوطني لـ 158 ألف منصب شغل شنة 2023، مما جعل معدل العطالة يقفز إلى 13 بالمائة. كما واصلت القدرة الشرائية تدهورها السريع بسبب الغلاء غير المسبوق، الذي نجم عما أسمته الجمعية بـ “الاجهاز على صندوق المقاصة تنفيذا لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، وسيادة اقتصاد الريع والمضاربات في غياب مراقبة الأسعار”. بالتالي، أوصى الحقوقيون بمراجعة شاملة للأجور بدءا بالحد الأدنى القانوني، باعتباره اجراء ملزم بقوة القانون؛ المادة 358 من مدونة الشغل مثلا. كما توالت حوادث الشغل وحوادث السير الجماعية، حسب التقرير، والتي يذهب ضحيتها العمال من الرجال والنساء خصوصا بالقطاع الزراعي، “بسبب تغاضي السلطات المعنية عن شروط النقل الجماعي من وإلى التجمعات الإنتاجية في ظروف عمل ماسة بالكرامة، على متن عربات تنعدم فيها شروط السلامة”. وذكرت الجمعية أن “أخطر حادث هو الذي تم تسجيله يوم 29 مارس 2023 بقرية البراوشة ضواحي الرماني، وسقط على إثرها 11 قتيلا ضمنهم طفلة عمرها 4 سنوات و27 جريحا من بينهم 12 إصابتهم بليغة”.
ووصفت الجمعية قطاع الصحة بالمغرب بأنه “مريض”، مشيرة إلى أن الخطة الصحية حاليا تسعى إلى بناء مؤسسات علاجية دون اعتبار لنقص الموارد البشرية والمالية، وهو ما أفضى إلى وجود 143 مركزا صحيا مغلقا في الوقت الراهن، فيما لا تشهد باقي المراكز إلا ارتيادا ضعيفا، حسب ما ورد في التقرير. أما حالة السكن غير اللائق، فقد وصفها تقرير الجمعية بالاستثنائية، جراء زلزال الحوز المدمر ليلة 8 شتنبر 2023، مخلفا الكثير من الضحايا ودمارا شاملا، لاسيما في القرى المهمشة، المنبثة بين الجبال في مواقع معزولة ذات مسالك وعرة، حيث جرى حينها 11 ألف شخص مسهم الزلزال بإقليم الحوز وحده، وتعرض مباني 80 دوارا لأضرار بليغة بأزيلال، والانهيار الكلي أو الجزئي لما يناهز 50 ألف مسكن في الاقاليم الخمسة التي أصابها الزلزال. وعن قطاع التعليم ورد في التقرير أن “الحق في التعليم يعاني هو الآخر من تدهور فضيع، سواء على مستوى التمييز والفوارق، أو الخصاص المهول في بناء المؤسسات التعليمية والداخليات والمطاعم المدرسية وتجهيزها. وحسب الإحصائيات الرسمية فقد بلغ عدد المتمدرسين في موسم 2023/2024 في الأسلاك الثلاث حوالي 7.39 مليون طفل بزيادة ضئيلة لا تتجاوز 1.1 بالمائة. بيد أن عدد المنقطعين عن الدراسة في المواسم الدراسية الثلاثة الأخيرة بلغ 96 ألف و680 طفل. وأن نتيجة هذا الواقع تعرف أوضاع الطفولة بالمغرب تراجعا وصفته الجمعية بـ “الخطير”، حيث عرف الهدر المدرسي ارتفاعا بلغ 0.6 بالمائة في الابتدائي و10.3 بالمائة في الإعدادي و7.2 بالمائة في الثانوي، حيث غادر 334 ألف و664 طفل المدرسة وتم اغلاق 557 مؤسسة تعليمية. وسجلت الجمعية فيما يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، قصورا قانونيا في سياسة إدماج هذه الفئة في التعليم، وغياب استراتيجية لتأهيل المواطنين الذين يعانون من إعاقة حركية خاصة في البوادي، حيث لا تتوفر آلات المشي والكراسي المتحركة. وعن الهجرة واللجوء تمت الإشارة لتقرير الأمم المتحدة الصادر في 2023، الذي كشف عن وفاة 2500 مهاجرا أثناء ركوب قوارب الموت إضافة إلى عدد من المفقودين، وأن عدد اللاجئين في المغرب حسب المفوضية السامية للاجئين بلغ إلى حدود دجنبر الماضي حوالي 10 ألاف لاجئ.