تازة : في رحاب شموخ وتميز ثانوية علي بن بري التأهيلية ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
كانت ولا تزال بفسيفساء خدمات تربوية مدرسية تأهيلية، واحدة من معالم عمران تازة الكولونيالي التعليمي منذ حوالي سبعة عقود من الزمن. بنية وبناية أسست لنسق مدرسة المغرب الحديث بالمدينة، الذي استهدف من خلالها بداية ما هو تقني عبر تخصصات التقنيات التجارية، التدبير والكتابة، الميكانيكا وغيرها، قبل ان يتم ترحيل كل أثاث هذا الاختيار من تازة صوب وجهة أخرى نهاية ستينات القرن الماضي، وقبل أن تتحول هذه المؤسسة التعليمية الى ما هي عليه الآن.
تلك هي ثانوية على بن بري التأهيلية بتازة، التي بقدر ما هي من اقدم مؤسسات المدينة بقدر ما تعد من معالمها التربوية التعليمية البالغة الصدى محليا لِما كانت عليه من أثر في مجالي التكوين والتربية والتأهيل. ومن ثمة ذاكرة محلية تربوية شامخة شاهدة على زمن تازة الذهبي التعليمي المدرسي الحديث. وذاكرة وطنية ايضا بأرشيف يسمح بتلمس ما اسهمت به عبر سنوات وعقود ولا تزال في مجالي التأهيل والتكوين، وغير خاف كون عدد كبير من الأسماء الي مرت بها وتتلمذت بها مند الاستقلال هي من رموز البلاد الثقافية والابداعية والسياسية والاعلامية وغيرها. والواقع أن لثانوية علي بن بري في وجدان المدينة مكانة خاصة كلما وردت في حديث هنا وهناك، منذ حدث تاسيسها نهاية اربعينات القرن الماضي، عندما تحولت الى وجهة للتلقي والتمدرس والانفتاح على الفكر وعلوم العصر.
بعيدا عن حمولة مثقلة بالاحالات حول ما هو تربوي بهذه المؤسسة، من المفيد للناشئة الوقوف على اسمها الذي ارتبط بفقيه وعلامة تازي شهير ب: ابن بري إمام القراء المغاربة، وقد عاش في زمن دولة مرين بمغرب القرن الرابع عشر الميلادي. وشغل مهمة توثيق وكتابة وديوان في بلاط فاس السلطاني، هو صاحب كتاب”الدرر اللوامع في أصل مقرأ نافع”. هكذا اختارت هذه المؤسسة عنوانا من تاريخ تازة الفكري حيث نبوغ رجالات مغرب أمس، ابن برى أحد ابناءها وأحد علماء مغرب العصر الوسيط ومعتمدهم في علم القراءات وفن التجويد.
وبحاضرة تازة ولد “ابن بري” صاحب أشهر ضريح بالمدينة، خلال النصف الأخير من القرن السابع الهجري حيث أسرة ودولة بني مرين وحيث فترة المدينة الذهبية، عندما كانت بدور طلائعي نظرا لِما شهدته من ازدهار في كل المجالات، تحديدا ما هو عمران وثقافة وفكر وسياسة وغيرها. وكان خلال هذه الفترة أن وقع الاختيار على “ابن بري التازي” للعمل في ديوان السلطان أبي سعيد المريني بفاس العاصمة، ثم كأستاذ لولي عهده ابي الحسن المريني مطلع العقد الثالث من القرن الثامن الهجري. وهو ما يعني كفاءة هذه الشخصية التازية وتميز مؤهلاتها وقدراتها القرائية والعلمية لهذا الاسم الشامخ، الذي توفي بتازة ودفن بها مع اكتمال العقد الثالث من القرن الثامن الهجري. ونحن نستحضر ثانوية علي بن بري التي التي ارتبط اسمها بهذا الهرم العلمي التازي منذ اربعينات القرن الماضي، من المفيد الاشارة الى ان لـ “علي بن بري” مؤلفات عدة معظمها لايزال عبارة عن مخطوطات كما حال كتاب “الكافي في علم القوافي” الذي يوجد بالخزانة الحسنية، وكتاب ”اقتطاف الزهر واجتناء الثمر” الذي توجد نسخة منه في دار الكتب المصرية بالخط المغربي. غير ان المؤلف الذي ارتبطت به شهرة هذا العلامة التازي، هو “الدرر اللوامع” الذي يعد مرجعا في علم التجويد والقراءات، مؤلَّف شاهد على اجتهاد وبلاغة تعبير وسعة معرفة واطلاع ونبوغ وأنشطة أعلام وعلماء تازة أمس.
هكذا تبقى ثانوية علي بن بري التي اختارت لسان حالها الرمزي إسم عالم تازي متميز، من المؤسسات التربوية التعليمية العريقة التي يحق ليس فقط لتازة بل للمغرب عموما الافتخار بها، لِما راكمته من اسهامات تستحق كل اجلال واكبار ولِما هي عليه من أرشيف كبير من الأطر التي تخرجت منها، بعضها تحمل مسؤوليات وازنة في مغرب ما بعد الاستقلال، بل من تلامذة المؤسسة من هم قيادات سياسية واقتصادية وعلمية في عدد من مجالات البحث الاكاديمي. وثانوية على بن بري التأهيلية هذه، لاتزال فاعلة حاضرة كعادتها بإيقاع متميز منذ عقود من الزمن، في تبليغ رسالتها لفائدة الجيل الجديد من الشباب. ذاكرة تجعل من المفيد والمهم الاشارى الى أنه ما احوج ناشئة المدينة للوعي بمحيطها الثقافي الفكري، وللانفتاح على زمن معالمها عموما القديم منها والحديث، كما بالنسبة لمعلمة ثانوية على بري التي لاتزال ممتدة شاهدة محافظة على مهمتها وذاكرتها. ولعل من المهم أيضا رد الاعتبار لجميل وعطاء مثل هذه المؤسسات الشامخة، عبر ما ينبغي من عطف ابناءها من ارتوى من عبقها التربوي في زمن ما، من أجل مؤازرتها لاستمرارية مكانتها وأدوارها وصيانة مجدها وامتدادها كذا التعريف بها وبذاكرتها. في أفق دعم هذا الصرح التربوي وإغناء شروط اشتغاله لتبقى فضاء حيا دوما.
جدير بالاشارة الى أن وزارة التربية الوطنية، التفتت ذات يوم منذ حوالي عقدين من الزمن لهذه المعلمة التربوية، من خلال مقال عبارة عن بطاقة تعريف تخص تأسيسها ماضيها وذاكرتها، مقال كان لي شرف ترتيبه ووضعه رهن اشارة الوزارة حينئذ، ليتم وضعه في صفحة “مجلة رسالة التربية والتكوين” الخارجية عدد 16، يوليوز 2005، تحت عنوان “ثانوية على بن بري امتدادات تاريخية وذاكرة “.