إصدار علمي للأستاذة نادية البرنوصي التازي حول القانون الدستوري بالمغرب

تازة بريس
عبد السلام انويكًة
فضلا عن قراءته قراءة نقدية للقانون الوضعي، هو كتاب جامع بين دِقة قانونية وخلفية تاريخية وتحليلات القانون المُقارن. وعليه يعد مرجعا بدرجة عالية من الأهمية لفائدة طلبة القانون، من اجل إكسابهم أساسيات القانون الدستوري المغربي وإعدادهم لفهم الديناميات السياسية، فضلا عن طلبة العلوم السياسية والعلاقات الدولية والإدارة العامة، لِما يقدمه من مساحة تفكير في العلاقات بين القانون والمؤسسات وفعل الديمقراطية. بهذه الاشارات وغيرها استهل الفرنسي الأستاذ “برنار ماتيو” تقديما عميقا متميزا لكتاب موسوم ب “عناصر القانون الدستوري المغربي”، الصادر مؤخرا باللغة الفرنسية عن منشورات”ملتقى الطرق” بالدار البيضاء في حوالي خمسمائة صفحة، لصاحبته الباحثة نادية البرنوصي أستاذة القانون الدستوري والعضو في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور والخبيرة في القانون العام.
ولعل الكتاب نص بحثي ومساهمة بقدر كبير من القيمة المضافة على مستوى تحليل النظام الدستوري المغربي، لِما تأسس عليه من نهج جامع بين دقة عقائدية وسياق تاريخي ورؤية نقدية. بحيث يقدم عبر محاوره، تحليلاً عميقا لدينامية المغرب المؤسسية ما بعد 2011 . ذلك أنه يقوم على إطار نظري وآخر تاريخي مساعد على فهم نشأة القانون الدستوري المغربي، باعتباره نتاج تفاعلات ضمن أبعاد ثلاثة أساسية: أولا استمرار التقليد الملكي المركزي، ثانيا تأثير النماذج الدستورية المعاصرة، ثالثا المطالب الشعبية لا سيما التي طرحتها حركة 20 فبراير، التي لعبت في سياق ما عرف ب”الربيع العربي” دوراً مُحفّزاً لاعتماد دستور2011، الذي مثّل محاولةً لإعادة التوازن بين الشرعية الملكية والتطلعات الديمقراطية. بحيث يُحلل الكتاب ما أدخله نص دستوري 2011 من مستجدات، من قبيل توسيع نطاق الحقوق والحريات الأساسية، الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية الى جانب العربية، إنشاء المحكمة الدستورية فضلا عن تعزيز مبدأ فصل السلطات نظريًا.
وبقدر ما يُعالج كتاب”عناصر القانون الدستوري المغربي”، هذه التطورات في تفاصيلها وتمفضلاتها، بقدر ما يشدد على محدودية فعالية ما هناك من مستجدات، نظرا لعوامل هيكلية وثقافة سياسية غير مُتقبلة للتغيير. وتكمن مساهمات الكتاب في طبيعة رؤيته للتوترات الداخلية الكائنة في النص الدستوري، التي تتسم بثنائية تُولّد مجالًا متغيرًا للتفسير، وكذا مصدرًا للغموض القانوني والمقاومة السياسية في تنفيذ الإصلاحات. علاوة على ذلك يروم الكتاب تفكيرًا فيما تطرحه فعالية القانون الدستوري المغربي من تحديات من قبيل : الأداء الفعلي للمؤسسات، التعبير عن السلطات، تطبيق الجهوية المتقدمة، مكانة الحريات الفردية، الحاجة لحوار دستوري حيوي شامل وفق نهج استشرافي، من شأنه بلورة سيناريوهات تخص مستقبل الدستورية المغربية من قبيل : سيناريو تعميق الديمقراطية من خلال التمكين المؤسسي، سيناريو الجمود والركود، ثم سيناريو وسيط قائم على ظهور ثقافة دستورية يغذيها حوار الفاعلين القانونيين والسياسيين والمجتمع المدني. من هنا يظهر أن كتاب “عناصر القانون الدستوري المغربي” للباحثة نادية البرنوصي، لا يقتصر على عرض تقني للقانون الحالي فقط، بل هو قراءة نقدية وتفاعلية للآليات الدستورية من منظور تحليلي معياري. وهو ايضا عمل يجمع بين الدقة الأكاديمية والحس السياسي، وعليه، يعد نصا مرجعا هاما لكل مهتم بتطور القانون الدستوري بالمغرب، وبعمليات التحول الديمقراطي في الأنظمة ذات الشرعية التاريخية الراسخة. وبقدر ما يقدم كتاب “عناصر القانون الدستوري المغربي” تحليلاً لما هناك من توترات بين التقليد والحداثة، وولما هناك من تحديات يواجهها المغرب في مسيرته نحو الديمقراطية. بقدر ما يفتح من آفاق تأمل مستقبلية، مؤكداً على أهمية المشاركة والحوار المؤسسي لتعزيز التقدم الديمقراطي.
ويسجل منهجيا لكتاب “عناصر القانون الدستوري المغربي”، كونه لم يتبع تصميما تقليديا وفق ما هو معتاد في كتب القانون الدستوري، متبنيا نهجاً متعدد التخصصات في تناوله ومقاربته الحقوق الأساسية والمؤسسات السياسية. وأن من جملة ما استهدفه فئة الطلبة التي يعد بالنسبة لها نصا ودليلا ومدخلاً متيحا لسبل قراءة ومعرفة ما يهم مثلا: الإصلاح الدستوري، المساواة بين الجنسين، القضية الأمازيغية، الحق في الحياة، دور المجتمع المدني، دستور 2011. ولعل من خلال محاور الكتاب الرئيسية الثلاثة : الحقوق الأساسية، المؤسسات السياسية، ثم الديمقراطية التشاركية، يُسلّط الضوء على ما هناك ترابط بين هذه الأبعاد داعيا للتأمل النقدي في التقدم الديمقراطي الذي أتاحه دستور 2011 ومعه التحديات التي لا تزال قائمة. هذا ضمن رؤية تروم إثراء التفكير النقدي المستمد من خبرة مؤلفته. كأستاذة في القانون الدستوري، وكعضو مؤسس في الجمعية المغربية للقانون الدستوري، وكعضو سابق في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، فضلا عن جمعها بين الخبرة النظرية والممارسة المؤسسية، وعن مسيرتها المهنية الدولية كعضو في لجنة البندقية، وفي اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولجنة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأفريقي، ومن ثمة ما هي عليه من عمق رؤية.
يبقى كتاب “مبادئ القانون الدستوري المغربي” الذي كان مساحة أول تقديم وتوقيع له خلال الربيع الأخير/ شهر يونيو بمدينة الرباط، على وقع حضور متميز لباحثين أكاديميين ومهتمين ومثقفين. بدور وأثر في انماء الثقافة القانونية المعاصرة ومعرفة ما هناك من تقاطعات بين القانون الدستوري والقضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، فضلا عن قيمته العلمية البحثية للمكتبة القانونية الوطنية وللبحث والباحثين وعموم القراء المهتمين بالمغرب. وتبقى نادية البرنوصي صاحبة هذا المؤلف الرصين الذي بقيمة مضافة هامة للمكتبة القانونية الوطنية وللبحث والباحثين والمهتمين بالمغرب، من أبرز الشخصيات المغربية في مجال القانون وحقوق الإنسان، بمكانة محترمة على المستويين الوطني والدولي لِما تتميز به من خبرة وإسهامات في تطوير الفكر الحقوقي والدستوري بالمغرب. فضلا عن مسار اكاديمي غني كأستاذة باحثة في القانون الدستوري. اثرت بدراساتها واسهاماتها هنا وهناك نقاشات الحريات العامة وحقوق الإنسان. علما أنها عضو مؤسس للجمعية المغربية للقانون الدستوري وعضو في منظمات اجنبية عدة، وهو ما كان بأثر في سعة خبرتها وإسهاماتها في الساحة القانونية والحقوقية الدولية. على المستوى الوطني كانت عضواً في اللجنة الاستشارية لمراجعة دستور 2011، حيث لعبت دوراً محورياً في تقديم مقترحات عززت مكانة الحقوق والحريات الأساسية في دستور المغرب الجديد، عبر بمقارباتها المبتكرة في معالجة القضايا الدستورية والحقوقية المعقدة مما جعلها مرجعاً أساسياً في هذا الميدان. وهي المدافعة عن مبادئ العدالة والمساواة، وعن إبراز دور المرأة المغربية في المحافل الدولية. وكان انتخابها مؤخراً رئيسةً للجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة بجنيف، تتويجاً لمسارها الحافل ومؤشراً على ما تحظى به من ثقة لدى المجتمع الحقوقي الدولي.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث