تأملات في رحاب الحريات العامة من خلال المواثيق الدولية..

تازة بريس15 ديسمبر 2022آخر تحديث : الخميس 15 ديسمبر 2022 - 10:32 مساءً
تأملات في رحاب الحريات العامة من خلال المواثيق الدولية..

تازة بريس

عبد اللطيف جنياح

لاشك أن موضوع الحريات العامة يحظى بأهمية بالغة، على اعتبار أن مجال الحريات العامة يخضع لتدخل الدولة من أجل تنظيم ممارسة هاته الحريــات ، عبر التشريعات التي تصدرها في هذا الشأن، والتي تعمل إما على التوسيع من هامش الحريات وحمايتها، أو الحد منها والتضييق عليها. لهذا فالحريات العامة التي يجب أن يتمتع بها المواطنون داخل كل دولة، هي حريات ترتبط بالديمقراطية السياسية داخل الدولة، وهي تنظم ممارسة الأفراد والجماعات لأنشطتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعيدا عن كل إكراه وفي إطار احترام القانون وسيادته. ولضمان ممارسة الحريات العامة وحمايتها، أصدر المنتظم الدولي العديد من المواثيق التي تضمنت المبادئ المطلوب تكريسها في التشريعات الوطنية للدول المشكلة للمجتمع الدولي.   

وعلى الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الذي وفر الجزء الأكبر من القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه  لا يمثل في حد ذاته وثيقة لها  قوة القانون، غير أن هذا الإعلان باعتباره إعلان مبادئ عامة، يمثل  قوة كبيرة في أوساط الرأي العام العالمي، وقد ترجمت مبادئ الإعلان إلى مبادئ لها قوة قانونية في صيغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد التزمت الحكومات التي صادقت على هذين العهدين بأن تسن في بلدانها قوانين  لحماية تلك الحقوق. وهناك أيضا صكوك إقليمية لحقوق الإنسان، وهي صكوك أوصى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

 وهكذا نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون أي تدخــل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ، كما أكدت المادة 20 من نفس الإعلان على أنه لكل شخص الحق في حرية الاشتراك  في الجمعيات والجماعــات السلمية. وفي المغرب تمت المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمنشور في الجريدة الرسمية بموجب الظهيـــر عــــدد 186-79-1، وقد حددت المادتان 21 و 22 من هذا العهد معيار الحق في حرية تأسيس الجمعيات ، وذلك بالتنصيص على أن الحق في التجمع السلمي معترف به ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا  الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق  الآخرين وحرياتهم، والتنصيص أيضا على أن لكل فرد الحق في حرية  تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق  إنشاء النقابات و الانضمام  إليها  من أجل حماية مصالحه، مع التأكيد على عدم جواز وضع أي قيود على هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو  النظام  العام أو حماية الصحة العامة أو  الآداب العامة  أو حماية  حقوق الآخرين وحرياتهم.

 وفي نفس السياق نصت المادة 5 من إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من دجنبر سنة 1998 على أنه لغرض تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية يكون لكل فرد الحق بمفرده وبالاشتراك مع غيره وعلى الصعيدين الوطني والدولي في الالتقاء أو التجمع سلميا وتشكيل منظمات أو جمعيات أو جماعات غير حكومية والانضمام إليها والاشتـراك فيها ، والاتصال بالمنظمات غير الحكومية أو بالمنظمات الحكومية الدولية. وضمانا للحق في التمتع بالحريات العامة للمرأة على قدم المساواة مع الرجل نصت المادة 7 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى الظهير عدد 1.93.361 الصـادر في 26 دجنبر من سنة 2000، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4866 بتاريخ 18/01/2001، على ضرورة اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلـد، وبوجه خاص ضرورة أن تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل الحق في المشاركة في أي منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسة للبلد.

 وفي نفس الإطار نصت المادة 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع  أشكال التمييز العنصري التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق بقرارها عدد 2106 بتاريخ 21 دجنبر 1965، ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 04 يناير 1969 والتي صادق ووقع عليها المغرب، والتي بمقتضاها تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة الأشكال، وبضمان حق كل إنسان دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني في المساواة أمام القانون، لاسيما بصدد التمتع بالحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها. وبالرغم من أهمية المبادئ والمعايير المعلن عنها والمنصوص عليها في مختلف المواثيق الدولية ، وبالرغم من التزام الدول الأطراف بسن قوانين لتنظيم الحريات وحمايتها، فإن ضمان هاته الحريات وحماية ممارستها لا يمكن أن يتم إلا في ظل الأنظمة الديمقراطية القائمة على الفصل بين السلط وسيادة القانون واستقلال السلطة القضائية، باعتبار ذلك أساس بناء دولة المواطنة أي دولة الحقوق والحريات.

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق