يا ليتني كنت نباتا .. الطبيعة بدون بشر جنات نعيم ..
تازة بريس
سعيد عبد النابي
نظرت إلى يراعي في صمت والأفكار بداخلي تختلج، وهو مستلق على مكتب في وضع كأنه شاه ينتظر فريق التدليك، أظنه قام بالواجب وان لم يبد حركة، أعرف أنه استكان بدوره إلى الصمت مؤخرا، مضطرا بعد توالي حكومات البؤس على الوطن، لكنه من ناحية الرد رد.. بنفس النظرة بنفس الصمت، أمر أكيد.. أكاد اجزمه، فحسن الأدب حري بمن يجالس العلماء والقلم به الله أقسم، لم يسمع له حفيفا على الورق منذ زمن بعيد، لكنه رد هذا ما ثوى في السويداء وتفجر بين ثنايا الأحاسيس وقلبي اندم الندم الشديد حين أكذبه.
كما عادة الناس حين ترد التحية هو فعل، رد في صمت كانت بيننا صفحة عذراء تنتظر..ورؤوس دماميل الغضب تبرز متهيجة على الشغاف، وتأبى أن تندمل مما جعل القرار الواجب اتخاذه مهما. لم تكن أزمة يراعي أفكارا، فعطالته لا تكون إلا بنفاذ الحبر..، بدونه يخدش الورقة أو يثلمها، به حسب حظه يكن فخره، وضعه بين أصابع طفل يحدث الكوارث، بيد أن وضعه في كف متشدد يحدث الدمار، أما وضعه في كف شاعر عاشق فيسيل الدموع انهارا، وفي بعض الأحيان يكون ممتعا.. إذا ما حركه جاهل، من هؤلاء المتطفلين على الصحافة مؤخرا.
كان على علم بما عانيت وفكر في استغلال جروحي الدامية، يكفيه دمي حبرا للظفر بجوائزه العالمية، حاول استدراجي للخوض في السياسة.. لكنني امتنعت على الأقل أول وهلة، واستمر يدغدغ عواطفي بالكلام عن نوبل، دون ملل أو سآمة، قال يحفزني: تأمل ..بدون الواو تصبح نوبل نبلا، أضحكني قوله كثيرا، حتى إن عضلات جذعي عصرت أضلعي عصرا، وأوشكت على تحطيم قفصي الصدري، كونها عندي بغير النون هي وبل، ولو أثرت الحرارة في لامها وتحولت إلى تاء صارت نوبة، رنين هذه الإيقاعات يفزعني، وبالخوض في السياسة سأكون بدوري مولا نوبة .. اردد منتحبا : هاذي و التوبة . حاول طمأنتي لقيمة الأفكار التي تنهش في سكينة صدري، ساردا علي أسماء من خلدوا بيراعهم ابو العلاء المعري مثلا كان غذاءه العدس، أين من ثمل برحيق الزهور؟ أين من اتخمه الكافيار منه ؟ هو خلد.. ومن كان يفضله في زمنه قبع في عمق مزبلة التاريخ إلى الأبد، فقط لأنه قال في لزومياته : لم لا أكون وصي نفسي ولا تعصي أموري الأوصياء، وصاح فِيَ بعد تأكده من تردد : أنا المفتاح الذي سيخرجك من الظلمات إلى النور…وأنا الحياة .. وأنت، بدوني لا وجود لك..الانجازات التي سنحققها معا هي حظك من الخلو.
نظر إلي مليا آملا خضوعي له، وبينما كنت أهاجس نفسي قائلا: لأجاريه، ابتسمت..فاهتز مرحا لابتسامتي، أشار علي بان نتكالب على الفساد معا، هو لا يعلم… أن الفساد فيروس لا يرى بالعين المجردة، وانه لوبيات، ومنظمات، و عصابات، وأسلحة فتاكة، وخيانات اقرب الأقارب مشمولة برضى الموهوبين في الميدان..عرضت عليه قصة صاحب قهوة صباح على عموده في يوميته وقد كلفته عقدين من عمره، أوعزت لي مخاوفي بالاعتذار، فبقيت أمام جبني صامتا أحملق أما هو فاستمر على وضعه ممددا يرغي..لم يثنه اعتذاري عن رغبته الجامحة في الكلام. قال مازحا: نحن سنكتب باسم بو شهرين .. وطمأنني بأن لا أخاف..أبدا..مطلقا.. ثم استرسل في كلامه قائلا : سيأتي الحكم مخففا …شهرين في أغلب الأحيان .. موقوفة التنفيذ ..نحتسي حريرة المساء بدل قهوة الصباح…وبلا ليمون..كي لا نزيد الواقع حموضة، نجعل سلق البعوضة فاتحة جهادنا، نقتفي بعدها اثر الدناصير و العفاريت ، نسال بن خسران .. حتما هو يعرف أنفاقهم ، الم يقل الله في كتابه الحكيم بعوضة فما فوقها ؟. ودون تفكير سحبت منه ريشته المعدنية، ثم راسلت الشجرة التي أتى منها على التو: يا ذات القد الرشيق أعيد إليك خاصتك، ثم اتجهت نحو الغابة، ساعيا لاستبداله بعصى غليظة متينة صالحة للطبل.. وأفخاذ المعترضين المعارضين، أفضل نشاطين مدرين للأرباح.. والإحساس بالعظمة في وطني. وبينما أنا في طريقي الى وجهتي..التفت نحو الوادي فرأيت الخيزران يراقص الريح، والطيور عليها ترد مشقشقة سعيدة، كأنها عادت إلى عهد داوود تؤوب للحب والسلام.. فقلت لنفسي….يا ليتني كنت نباتا… الطبيعة بدون بشر جنات نعيم ..