الفساد في المغرب ظاهرة معقدة متجذرة في عوامل عدة ومتداخلة ..

تازة بريس17 ديسمبر 2025آخر تحديث : الأربعاء 17 ديسمبر 2025 - 6:36 مساءً
الفساد في المغرب ظاهرة معقدة متجذرة في عوامل عدة ومتداخلة ..

تازة بريس

عبدالسلام الصديقي*

الفساد في المغرب – كما هو الحال في العديد من البلدان – ظاهرة معقدة متجذرة في عوامل تاريخية، مؤسسية، اقتصادية واجتماعية. إليكم الأسباب الأكثر شيوعًا كما حددها الباحثون والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية.

1-  الحكامة والمؤسسات لا تزال هشة

حتى لو تم تنفيذ إصلاحات (الهيئة الوطنية للنزاهة، القوانين المتعلقة بالتصريح بالممتلكات، رقمنة الخدمات العامة…)، فإن التطبيق غالبًا ما يكون بطيئًا أو غير مكتمل أو غير ملزم. هذا الفارق بين النصوص والتنفيذ يخلق مساحة كافية للممارسات المشبوهة.

2 – السلطة التقديرية العالية في الإدارة

في عدة قطاعات (العمران، العدالة، الجمارك، الخدمات الجماعاتية )، لا يزال الوصول إلى الخدمات يعتمد بشكل كبير على: تدخل موظف حكومي معين، وإجراءات أحيانًا غير شفافة، ونقص في الأتمنة. كلما زادت التفاعلات البشرية، زادت احتمالية الفساد.

3- ثقافة ضعيفة في مجال ربط المسؤولية بالمحاسبة

لا تزال هناك: عقوبات فعلية قليلة، تحقيقات لا تصل دائمًا إلى نتائج، حماية غير كافية للمبلغين عن المخالفات. دون وجود خطر حقيقي، تستمر السلوكيات غير الأخلاقية.

4- ثقل الاقتصاد غير المهيكل

جزء كبير من الاقتصاد المغربي يعمل خارج الإطار الرسمي: معاملات غير معلنة، غياب التتبع، اللجوء إلى ترتيبات غير رسمية… القطاع غير المهيكل يغذي الفساد، والفساد بدوره يعزز القطاع غير الرسمي.

5- الفوارق الاجتماعية والاقتصادية

عندما تكون الفرص الاقتصادية محدودة: يسعى البعض إلى “اختصارالمسافة” للوصول إلى وظيفة، أو تصريح، أو إذن… وبعض الموظفين العموميين يكملون راتبهم بممارسات غير قانونية. ويصبح الفساد آلية للبقاء لبعض الأشخاص، وامتيازًا للآخرين.

6- الثقافة الاجتماعية لـ«الحلاوة»

في بعض السياقات، يُنظر إلى “تقديم شيء ما” لتسريع إجراء ما على أنه أمر طبيعي. هذا التطبيع يجعل الفساد مقبولًا اجتماعيًا، حتى عندما يتم رفضه من حيث المبدأ.

7- تأثير الزبونية السياسية

في عدة مناطق، يمكن أن يعتمد الوصول إلى الموارد أو المناصب على: الشبكات الشخصية، الولاءات، العلاقات الأسرية أو السياسية. الزبونية تحافظ على نظام تحل فيه المحسوبية والامتيازات محل حكم القانون.

  • قوى طاردة مقابل قوى جاذبة

في مثل هذه الظروف، يصعب علينا أن نرى كيف يمكن للفساد أن يتراجع على الرغم من التصريحات الرسمية حتى أعلى مستوى في الدولة. القوى الطاردة والمصالح الراسخة تغلب على القوى الجاذبة وإرادة التغيير. أصبح الفساد عبارةً عن سرطان ينخر المجتمع من الداخل، ويحرم البلاد من فرص متنوعة ويخلق العديد من الاختلالات: نقص في الناتج المحلي الإجمالي يقدر بـ 50 مليار درهم سنويًا؛ تفاقم الفوارق الاجتماعية؛ المساس بقيم النزاهة والوطنية؛ تعميم الشك داخل المجتمع وانهيار علاقات الثقة… جميع هذه العوامل ذات التأثيرات الضارة تمس بشكل سلبي تنمية بلدنا وإشعاعه على الصعيد الدولي. تم اعتماد استراتيجية لمحاربة الفساد 2015-2025 من قبل الحكومة معتبرةً إياها حدثا وطنيا لم يسبق له مثيل ، وقد كلفت الكثير من المال وأثارت الكثير من الأمل، وكانت النتيجة النهائية أكثر من مخيبة للآمال! ما يدعو للتفكير في المستقبل. في هذا السياق، عادت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوةً ومحاربتها إلى الواجهة، وهو ما يشرفها، وهكذا، قدمت بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد في 9 ديسمبر الماضي استراتيجية خماسية 2025-2030. الألسنة السليطة ستقول: “استراتيجية أخرى، لماذا؟”، يمكننا دائمًا محاولة القيام بخطوة أخرى بشرط أن تنجح هذه المرة. تسعى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية منً الرشوة ومحاربتها، في أفق 2030 إلى ترسيخ نفسها كمؤسسة قيادية مرجعية في هندسة النزاهة العمومية قادرة على: توجيه السياسات العمومية في مجال الوقاية ومحاربة الفساد؛ تعبئة الفاعلين العموميين والخواص والمجتمع المدني حول مشروع وطني شامل للنزاهة؛ إحداث أثر قابل للقياس في العلاقة بين المواطن والهيئة.

ترتكز هذه الرؤية إلى ثلاثة دعائم مترابطة: ١. النزاهة كقيمة مجتمعية: تُتعلم، تُمارس وتُكافأ؛ ٢. النزاهة كنظام مؤسساتي : يدار، ويقاس،ويراجع بانتظام؛ ٣. النزاهة كرافعة للتنمية العادلة، وجودة الخدمة العمومية، وشرعية القرار العمومي. وهكذا، لا تقتصر الهيئة على البعد الزجري لأفعال الفساد، بل تجعلها هندسة شاملة لمنظومة الثقة العامة. مقتنعة بأن الشرعية المستدامة لا يمكن بناؤها دون هوية قائمة على قيم محددة بوضوح، تعتمد الهيئة في أداء مهامها على نظام من القيم يشكل مرجعها الأخلاقي والسلوكي. تتجلى هذه القيم فيما يلي: استقلالية مسؤولة، نزاهة مؤسساتية، شفافية وتواصل مفتوح، فعالية تركز على الأثر، العدالة والإنصاف، الابتكار والاستباق، التعاون والشراكة. والاستراتيجية تم تنزيلها في 6 محاور هي:    تعزيز القيادة المعيارية والاستشراقية للهيئة في توجيه السياسات العمومية المتعلقة بالنزاهة وتخليق الحياة العامة والحياة السياسية -تمكين الفاعلين العموميين والقطاع الخاص والمجتمع المدني من آليات الوقاية واليقظة المبكرة ضد مخاطر الفساد. – إشاعةً ثقافة النزاهة من خلال مداخل التربية والتوعية، والمواطنة التشاركية، والانفتاح على الشباب، والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. – تعميق الانخراط الدولي وتعزيز الشراكات الوطنية متعددة الأطراف مع القطاعين العام والخاص من أجل ترسيخ التكامل المؤسساتي في مجال النزاهة. – اعتماد التحول الرقمي والابتكار كرافعة لتحديث أداء الهيئة وتعزيز الشفافية والفعالية المؤسسية. – تعزيز الجاهزية المؤسسية لترسيخ التموقع الاستراتيجي للهيئة ضمن المنظومةً الوطنية للنزاهة. – كل محور استراتيجي مفصل إلى محاور فرعية والتي بدورها تُترجم إلى مشاريع مع تحديد مراحل التنفيذ ووصف المخرجات النهائية المتوقعة. في المجموع، يتم تعداد 24 محورًا فرعيًا و99 مشروعًا!. نحن أمام مشروع ضخم. إنها قوة وضعف في نفس الوقت. قوة بشرط أن نوفر كل الوسائل لتحقيق ذلك. ضعف حيث تعتزم الهيئة تنفيذ جميع هذه المهام الضخمة على مستواها. يبقى أن نعرف بأي موارد بشرية وأي ميزانية. الإرادوية مرغوبة، لكنها ليست كافية بمفردها. الطريق الذي يؤدي إلى النزاهة طويل وفيه منعرجات عديدة. ألأمر يتطلب دون خوف من الكلمات، ثورة اجتماعية وثقافية حقيقية.

*وزير سابق .. الآراء المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي تازة بريس  إنما تعبر عن رأي صاحبها.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق