دون زيادة و لا نقصان القصة حقيقية .. كنت أحس بشيء يعلو بداخلي ..
تازة بريس
سعيد علد النابي
انحنيت الى الأسفل قليلا، انحناء الراكع لرافع السماء بلا عمد، ولم تلامسا كفاي ركبتي، إنما تحركت أناملي على سيور حذائي الرياضي لعقدها بإحكام كي لا تنحل أثناء السير، كنت أحس بشيء يعلو بداخلي، يعلو.. أو ينتفخ، لست ادري، شعرت بضغط على أضلعي آلم فؤادي لن افلح أبدا في وصفه كما ينبغي له الوصف، او كما تستوجب مني قوته، الإبداع في التعريف به، جهلي بكلمات المعاجم العربية يخذلني في كثير من الأحيان، فلا أوفق في تحقيق صور بلاغية تستحق الخلود، بحثت عن مرادف انشد فيه استيفاء همي حقه من التوضيح عساني أتحرر به منه، بقيت لساعات، ودون جدوى، أنقب عنه، كانت هناك حرارة ترافق ذلك الإحساس، فوح كأس مترعة من جحيم تسحب الكارع منها إلى الهذيان، انتشر لظاه بداخلي بأثر هجير أيام صيف قائضة بصحراء الربع الخالي اللامتناهية الأطراف ، شيء ما.. ضغط على صدري .. اشرف على الانفجار، اشرف على تفجير شراييني، سمعت أختي الصغيرة تسألني بطريقة غريبة عن وجهتي، وهي تقرا صفحة وجهي، كان عمرها وقتها تجاوز العقد الأول بسنتين: ماشي للسيد ؟ ، أجبتها… والدمع يسعى من حممي إلى أجفاني، كأن حرارة تلك السحابة السوداء القاتمة بداخلي مأعت في كل صلب، بخرته، اضطرته إلى البحث عن منافذ له في جسدي، داز النهار الاول وداز الثاني…ما مات حد..هذ النهار نهاري .. انا غادي نموت فيه..
نمت أسارير وجهها عن امتقاع شديد واندهاش رهيب، أخضبت حمرة غضبها صفاء خديها لتبلغني في صمت قبل التفوه بكلمة رفضها التام لما جاء في هلوستي، حائرة كأن ظلما نزل عليها كالصاعقة، أنطق أعضاءها لتعبر بلغة الانفعال، لوحت بيديها في غير اتجاه واحد فاهتز لتلويحها رأسها الصغير، كأنه تأثر برجة قوية جعلت ضفيرتها المتدلية على صدرها تتراقص كبندول الساعة، انطقها خوفها، قالت بصوت متهدج، كان فقدي صار عندها قاب قوسين او ادني.. زبل .. انا كنسولك وانت كتمرضني، هل أرادت مني اصطحابها معي في نزهتي؟ شيء ما منعها من الإفصاح عن رغبتها؟ أرغمها على مقارعتي؟ كنت منذ ريق شبابي الأخ الأكبر الحنون لمن يصغرني سنا، ولم يذكر عني إطلاقا أني مارست سلطتي الذكورية على أحد، لمة السيد مهمة.. هي الحفل الوحيد الذي يزور هذه الأرض المنفى كل سنة مرة، تسير على نسق واحد مع فيروز في أغنيتها الشهيرة زوروني، لتبهج قلوبا، تغسلها من درن الجهل، بتذكيرها بمقام الولي الجليل، ركيزة البرانس، كان عليها أن تسألني ، كان عليها الإفصاح عن مكنون قلبها الطيب.
أيا كانت نياتها.. بقيت في البيت لتؤنس أمي، ربما سقطت الكلمات التي انتقيتها لبناء ردي على اندفاعها جمرات حارقة نسفت عندها كل أمل في إجلاء تلك الغمة، تركتها على حالها وراء قذالي وأنا انحدر، في منحدر وعر، قاصدا مقام آل السيد، الفكرة الوحيدة التي إعتلجت بخلدي كانت احتمال ختم حتفي لمسعاي، قد لا أعود.. لا لأختي.. ولا لأمي، قد أورثهما هذه الدموع الحرى الحبيسة بمآقي…تحل عندهما محل غضب تركته يفتك بسكينتها، لا احد يعلم تدوين اللوح المحفوظ، لم تكن الطريق معبدة بعد، كانت عسيرة كل العسر، تصلح للسائمة أكثر منها للسابلة، تكفل الحاج الجدادر رحمه الله ببناء صهريج صغير للدواب، مد إليه أنبوبا بلاستيكيا طويلا لأبناء السبيل، من ماله الخاص، جعل العمل صدقته الجارية، تقبلها الله منه، جره من عين تبعد بعشرات الأمتار كي يرتوي من ماءها الزلال كل ذي كبد رطب.
في المنعطف الأخير، عند العقبة الوحيدة، نظرت إلى بناية السيد فوق راسي، على تلة، تشع من قرميدها الأخضر وجدرانها البيضاء حكايات متضاربة عجنت المقدس بالتخاريف، كاد وحيها يتحول إلى همس بداخلي وأنا ارتقي العقبة، و راسي يبرز إلى الآخرين بوصة بوصة من الجهة المعاكسة لي، كقرص شمس انبثق من خلف جبل في صبح منبلج من غلس، إسترأيت في الأفق تجمعا، بلبلة، حركات كر وفر .. ذكرتني بصور الحرب، بوقع قنابل أفزعت قلوب آمنين، تسمرت مكاني، رأيت شاحنة حمراء من نوع بيرلي تستقر على مدى امتداد البصر، تتوسط طريقا متربة محاذية للمدرسة، وتناهى إلى سمعي صراخ، بكاء … همهمات غير مفهومة هنا وهناك، كل من كان سائرا توقف ليعطف إلى المشهد كي يشبع تطفله، يروي فضوله والأخبار تنتقل من الأفواه إلى الآذان كالمقاطف بين أيادي البناءين في صف طويل، سمعتهم يقولون: كاز لو على راسو مسكين، شوف المقادير .. جا غي ضيف وفين نكتاب لو يموت، جفل بيه لبغل و رماه تحت الرويضة الكل كان يرى الحدث بعيون مختلفة.. بينما كان حظي من الفاجعة المؤلمة سيل تساؤلات: هل كنت المقصود بسهام المنية؟، قلت لأختي باني ذاهب بلا رجعة ، لأعانق ملك الموت، لماذا مات بدلي؟ هل افتديت بروح طفل بريء كما افتدي من قبلي إسماعيل عليه السلام بالكبش؟ ..لماذا نغص الهم سكينة روحي حين قررت القدوم الى هذا المكان ؟ قبل خروجي من منزلي..هل كانت الملائكة تحذرني؟ او كانت تهيئني للصدمة ؟ ام هي عناية إلهية؟ لماذا أبقتني الأقدار حيا رغم علمي المسبق بما ينتظرني ؟…هل كان لله في رزء والدة مبرورة فجعت للتو بفقد فلذة كبدها حكمة لا يملك هذا الغافل الجاهل آليات استنباط معانيها؟ إلهي اجعل لي و لأحبتي مسلكا في كل ضيق..أنت النور المبدد للظلام المحيط بنا .. انت الهادي ..انت الرحمان الرحيم .. لا تحرمنا من شفاعة نبينا عليه الف صلاة و سلام ..ربي.. اجعلني وأحبتي فيك بفضل شهرك المبارك هذا من العتقاء .. مأع : أذاب
فاعل جمعوي/ تازة