تازة: مياه العين الحمراء المعدنية الاستشفائية وواقع موارد الاقليم السياحية
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
مياه طبيعية استشفائية تتوزع هنا وهناك من المجال المغربي، ارتبطت وانبنت دينامية اقتصادها مصدر عيش وأنشطة ساكنتها موقعها على منابعها المعدنية دات الصدى الواسع كما بالنسبة لحامة مولاي يعقوب وحامة سيدي حرازم ووعين الله غيرها على مستوى جهة فاس مكناس ومنها ايضا، حامة العين الحمراء الشهيرة باقليم تازة تحديدا دائرة أكنول جماعة اجدير. ولعل الزائر لـ”العين الحمراء” بمنطقة ومجال قبيلة اكًزناية الجبلي شمال تازة، لا يتردد في السؤال حول ما يخص ويطبع ويميز هذه المياه المعدنية المثيرة للاهتمام والزيارة بل والاقامة بجوارها بعض الوقت كتقليد منذ حوالي ستة عقود من الزمن. فضلا عن سؤاله حول ما يمكن أن يسهم به هذا المنبع المائي المعدني الاستشفائي، ومن دور هام في النماء المحلي إن هو توفر ما ينبغي من شروط رافعة، منها أساساً تأطير وتثمين القيمة الطبية الصحية الاستشفائية لهذه الثروة المحلية عِلمياً. والواقع أن هناك جملة متغيرات من شأنها الدفع بتصريف وتسويق هذا المعطى والمورد الاقتصادي الطبيعي، وتأسيس تنمية ببعد محلي جهوي ووطني آخذة بعين الاعتبار ما هناك من امكانات ترابية محلية متكاملة. ولعل من هذه المتغيرات ما يرتبط أولا ب”الرهان الجهوي الجديد”، كسياق لتحديث وتأهيل تراب البلاد وترسيخ ثقافة تنافسية وإضفاء انسجامية مبنية على نوع وتنوع.
وقد جاءت الجهوية الجديدة بتطلعات عدة متناغمة مع تباينات مجالية ثقافية واقتصادية معبرة بالمغرب، كإطار لتجميع ما هو كائن من موارد وطاقات ولتسويق مجال يقتضي ما يقتضيه من نقاش وتشارك ومقترح عملي من أجل تدبير تبصري استشرافي وقرب. ولا شك أن المنشود من الجهوية الجديدة كآلية ترابية لقراءة ما هو كائن من موارد محلية مع ترتيب امكاناتها، هو رصدها وتعبئتها وتفعيلها لما من شأنه اخراجها من عزلتها وهشاشتها عبر سبل تنمية تتماشى والرهانات الوطنية الاقتصادية الكبرى. ومن المتغيرات ثانياً نذكر ما يرتبط ب”إعداد التراب الوطني” كاستراتيجية اتجهت نحو تصحيح جملة اختلالات، هي نتاج تراكمات تاريخية وأثر جغرافيا وفعل ونوع اقتصاد طبع المجال الوطني على لعقود من الزمن، كما اتجهت ايضا نحو تأهيل المجال بجعله قابلا لاستقطاب كل أشكال الاستثمار من سياحة وصناعة وفلاحة وخدمات في إطار تنافسي وخيارات وطنية. ويبقى أهم ما جاء في استراتيجية إعداد التراب هاته، تركيزها على ضرورة توظيف الامكانيات الكائنة محلياً لتجاوز هشاشة مناطق فقيرة بإدماجها في التنمية، لتحسين ظروف عيش الساكنة وإحداث فرص شغل والاستفادة من الخدمات والتجهيزات الأساسية.
وضمن إعداد التراب على مستوى مناطق وجهات البلاد وفي إطار اقتصاد الجبل كموارد هناك”العين الحمراء” بشمال تازة، كمجال هامشٍ بحاجة لإدماجٍ وولوجية معبرة رافعة ضمن مسلسل نماء اقتصادي جهوي ووطني. من خلال ما ينبغي من سياسة تدبير وآليات استغلال تخص مؤهلات المنطقة في شموليتها، والتي من شأنها رفع قدرة تنافسية هذا الجبل وهذا المجال عن طريق استثمار مدخراته كما بالنسبة لمياهه المعدنية الاستشفائية، وحتى يكون بأثر مفيد على الانسان والمجتمع والاقتصاد وينتقل من وضع مجال جبلي هامش إلى خزان فاعل مساهم في التنمية. ولعل جهة فاس- مكناس التي ينتمي إليها جبل “العين الحمراء”، تتوفر على حواضر كبرى بمؤهلات بشرية وبنية تقنية وتنظيمية عالية من شأنها أن تجل منها قطباً رافعا لمسلسل تنمية جهوية واعدة. وغير خاف عن الدارسين الاقتصاديين المجاليين التنمويين أن بلوغ بناء اقتصاد جهوي قوي تكاملي يقتضي أخذ ما هناك من موارد بالأرياف بعين الاعتبار، فضلا عن إعداد جيد وتهيئة وتفعيل لموارد الجبال والبوادي بالجهة ومنها المياه المعدنية كما “العين الحمراء” شمال تازة، حيث مقدمة جبال الريف بارتفاع متوسط ومناخ متوسطي وشبكة أودية صغيرة بجريان دائم”واد تازماشت”، وغطاء نباتي متباين بأعشاب طبية رفيعة اضافة لأشجار مثمرة كاللوز والزيتون والكروم وغيرها.
جدير بالاشارة الى أنه من الوجهة الطوبونيمية، ف”العين الحمراء” نسبة لرواسب حمراء تظهر على مجرى المياه بسبب ارتفاع نسبة الحديد التي تحتوي عليها مياه المنبع المعدني. وكان السلطان محمد بن يوسف رحمه الله إثر زيارة تاريخية له للمنطقة صيف 1956، قد اختار لها إسم “عين الرحمة” في إحالة رمزية منه على بعدها الشفائي الاستشفائي. وكان المستعمر الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي زمن الحماية، حاول قد تهيئتها ونقلها إلى موقع مجاور لمركز العين لإنشاء معمل خاص بتعبئتها في قارورات نظرا لقيمة هذه المياه المعدنية، إلا أن رفض السكان حال دون تحقيق ذلك على اعتبار أن هذه المياه هي مصدر عيشهم وسقي زراعتهم، هذا رغم ما مارسه”روك” المقيم الفرنسي بأكنول آنذاك من عنف لفرض الأمر الواقع عليهم. وتجدر الإشارة ايضا الى أن هذه المياه لم تخضع لعملية تحليل علمية دقيقة لفهم وتحديد قيمتها صحياً وطبياً، وحتى وإن كانت هذه العملية قد تمت فليس هناك ما يثبت من وثائق. علما أن المنطقة في تاريخ المغرب الراهن، كانت عنوانا ساطعا لمقاومة وكفاح مسلح وجيش تحرير خلال فترة الحماية بدليل “مثلت الموت” الشهير، وهو ما قد يكون من الأسباب التي حالت دون استغلال السلطات الاستعمارية لهذا المورد الطبيعي وانجاز دراسات شافية حوله.
يذكر أنه خلال نفس الزيارة الملكية للمنطقة تكريما لأرواح شهداءها التحرير وبعدما استمع السلطان لشروحات حول لقيمة مياه “العين الحمراء” المعدنية وأهميتها الصحية، تم إصدار إعلانات تعريفية بها في الإذاعة الوطنية كحامة استشفائية. وهو ما كان وراء بداية انتعاش سياحي بالمنطقة نظرا لِما كان يصلها يومياً من زوار عن مناطق مجاورة خاصة منها الناظور ومليلية وتازة وغيرها، الا أنه بسبب غياب بنيات تحتية سياحية وأمام إقبال الزوار فقد كان يتم اعتماد نصب خيام لإيواء هؤلاء بجوار العين إلى جانب قليل من الدور التي كانت توجد رهن الاشارة عبر الكراء. وكانت هذه الحركية السياحية الاستشفائية بالمنطقة مع بداية الاستقلال، قد سمحت بإحداث أول فندق من طرف جماعة أجدير كان يحمل إسم”العين الحمراء” عام 1958 وهو ما ظل نشيطا الى غاية 1968. والى جانب هذه المنشأة تم تعبيد جزء من الطرق المؤدية إلى العين الحمراء عام 1960 وبناء مستوصف بها عام 1963 وتجهيز منبع المياه بقبة وقناة من قِبلِ صندوق الانعاش الوطني عام 1972، وكذا تزويد مركز العين الحمراء بمولد كهربائي عام 1974 إلى أن تمت كهربته عام 1989.
وقد حاولت جماعة أجدير جلب هذه المياه المعدنية من منبعها إلى مركز الجماعة عام 1974، إلا أنها فشلت لأسباب عدة بعضها لايزال قائما لحد الآن. ووعياً بما يمكن أن يسهم به فعل المجتمع المدني لفك العزلة عن الموقع، تكونت عام 1988 “جمعية موسومة ب”العين الحمراء”التي كانت وراء جملة انجازات محلياً شملت عدة قناطر وماء صالح للشرب وأنشطة اشعاعية وتعريفية، كما تكونت”جمعية اكًزناية للثقافة والتنمية” عام 1998 . وعليه، كان فعل المجتمع المدني المحلي منذ ثمانينات القرن الماضي ولا يزال باسهامات هامة، استهدفت توسيع وتنويع ورشِ تنميةٍ المنطقةٍ على أساس رافعتها المائية المعدنية الاستشفائية، الرهان الذي لا تزال قائما لبلوغ ما هو منشود من ابراز للمؤهلات وتسويق التراب. وإذا كان المغرب بلد منابع معدنية عدة بحكم تكوينه الجيولوجي وحركية مياهه الباطنية، فإن جزءاً محدوداً فقط من مياهه المعدنية هو المستغل بعد إخضاعه لتحاليل علمية سمحت بالتعرف على مكوناته وإثبات أهمية مياهه صحياً واستشفائياً، ما جعل عدداً من مواقع هذه المنابع المعدنية يتحول إلى مراكز سياحية نشيطة بدرجات متفاوتة حسب فترات السنة. الرهان والوضع الذي تأمله وتطمح اليه “العين الحمراء” بتازة (أجدير)، التي لا تزال بواقع مجالي إنمائي بحاجة لالتفات وعناية وبنيات وتدخلات على اكثر من صعيد، في أفق توفير شروط مساهمة هذه المياه المعدنية في الاقتصاد محلياً اقليمياً وجهوياً.
يذكر أن نسبة ملوحة مياه العين الحمراء تصل إلى 2,17 غرام في اللتر الواحد، أما صبيبها فهو غير ثابت ويصل إلى 1,14 لتر في الثانية متأثراً بما هو مناخي يجعله يتباين بين فصل آخر. وحول القيمة الطبية العلاجية لهذه المياه فهي تحتوي على الكالسيوم والمانيزيوم والصوديوم ثم الحديد، في غياب تحاليل علمية دقيقة وحديثة العهد. مع أهمية الاشارة الى أن ما هو متداول شعبياً هو أن مياه العين الحمراء هي بفوائد كبيرة في علاج أمراض الجهاز الهضمي والكبد وفقر الدم… ولعل ما هناك من حركية سياحية بمركز “العين الحمراء” على تواضعها ترتبط أساسا بقيمة مياهه الاستشفائية، هذا رغم ما تعرفه من تغير في لونها بعد إخراجها لبعض الوقت(إحمرار، ملوحة..). مع أهمية الاشارة الى أن سياحة الاستشفاء هذه تسهم خلال فترة الصيف أساسا في إنعاش ما هو تجاري ودور كراء ووسائل نقل..، علما أن استقطاب الزوار لا يزال داخليا وضيقاً يرتبط بمناطق شمال البلاد وشمالها الشرقي بحكم العامل الجغرافي والاجتماعي.. وأن مساهمة الأجانب في حركية سياحة العين الحمراء لاتزال ضعيفة جدا لأسباب منها، نقص الإشهار وغياب تصنيف دقيق لأهمية المياه كذا ما ينبغي من بنية تحتية سياحية داعمة من فنادق ومقاهي عصرية ومسابح و مطاعم .. ناهيك عما يسجل من صعوبة مسالك الطرق وغياب برامج شافية تهم تسويق المجال.
ولعل من شأن تحديد وكشف دقيق لمكونات مياه العين الحمراء المعدنية، أن يرفع من وضع وواقع قيمتها الاستشفائية عوض ما يلاحظ من قصور وتردد في الدفع بالتعريف بها. بحيث ادراك دواعي وحالات استعمالها، أمر أساسي لتهيئة شروط تفعيلها كمورد سياحي ترابي معدني استشفائي، عِلماً أن تفعيل هذه الحامة يتوقف على جهد الجميع كل من موقعه، مصالح عمومية وجماعة محلية وقطاع خاص ومجتمع مدني وإعلام… مع ما يمكن أن يسهم به فعل الثقافة الوظيفي من تعريف بالمنطقة وتسويق مجالها. فضلا عن حسن استثمار ما تتوفر عليه المنطقة من جالية مقيمة بالخارج، وهو ما يمكن الاشتغال والرهان عليه من حيث ما هناك من كفاءات وموارد مادية ولامادية في بعدها الاستثماري التنموي المحلي. دون نسيان ما يمكن تسهم به الجهة والجهوية الجديدة في إنعاش اقتصاد سياحة هذه المياه الاستشفائية، عبر ما ينبغي من تحليل دقيق لها وكذا إشهارها وتسهيل الاستثمار فيها وإبرام شراكات مع جماعات محلية معنية بها. في اطار تنمية اقتصاد موارد جبلية خامة رافعة لتنويع العرض السياحي الوطني، الى جانب ما هناك من شواطئ ومغارات ومآثر تاريخية وإرث ثقافي رمزي ومنتزهات طبيعية وامتداد بيئة صحراء بمؤهلات عدة جاذبة.