نقابات الى أين؟..
تازة بريس
مولاي التهامي بهطاط ..
لابد من تجاوز البعد الأول في معركة إسقاط “النظام الأساسي” لموظفي قطاع التعليم، والنفاذ إلى العمق من خلال التوقف عند عنصر في غاية الأهمية، ربما غاب عن كثيرين التفاعل معه، بسبب الانشغال بمتابعة فصول المواجهة والنقع الكثير الذي أثارته. هذا العنصر الحاضر/ الغائب يتمثل في تراجع دور النقابات، وحضور التنسيقيات بقوة تعبوية وتأطيرية لافتة للنظر. إنها-دون شك- لحظة تاريخية لاستقراء الواقع الجديد، الذي فرض نفسه في مجال “العمل النقابي”.
لنستحضر بداية، بأن قطاع التعليم كان دائما القوة الضاربة في“الصراع” بين “المجتمع” ممثلا في الأحزاب والنقابات، و”الدولة” ممثلة في إداراتها وأجهزتها وسلطاتها. ومن هنا تأتي أهمية “معركة” إسقاط “النظام الأساسي”، لأنها قد تدشن لقطيعة مع “واقع” استمر طيلة العقدين الأخيرين على الأقل، من أهم تمظهراته، “تدجين” المركزيات النقابية، وتحولها إلى “نوادي” لمتقاعدين وأشباه عاطلين، يتمحور ملفها المطلبي حول نقطة وحيدة ألا وهي: الحصة من “الريع” العمومي، فضلا عن دور “الوساطة” في توظيف وترقية بعض “المرضي عنهم” و”المقربين”. إن مشكلة صانع القرار عندنا – كما قلت وكررت مرارا- تتمثل في أنه يغفل حركية التاريخ، ويتغافل عن حيوية المجتمع وقدرته الخارقة على التعبير عن نفسه وسرعة التأقلم مع كافة الظروف. إن الذين راهنوا على أن تدجين الفاعل النقابي، سيقود إلى تكبيل الفئات الفاعلة داخل المجتمع وتقنين “طلباتها”، غاب عنهم أن “العبرة بـ”بالمقاصد والمباني، لا بالألفاظ والمعاني”، وبالتالي فإفراغ “النقابة” من مبناها ومعناها، لا يعني بالضرورة عجز المجتمع عن إنتاج هياكل وأدوات بديلة، بغض النظر عن التسميات، فـ”التنسيقيات” هي في نهاية المطاف نقابات بحكم الأمر الواقع.
الغريب في الأمر، أن صانع القرار يصر على التمسك ببعض “الشكليات” رغم إدراكه بأن الحل لن يكون إلا بالحوار مع الفاعل الحقيقي على الأرض، وليس مع مركزيات لا تمثل إلا نفسها والمستفيدين من “ريعها”. ما يزيد من خطورة الأمر، أن تطور الأحداث يشير إلى أن صانع القرار لا يدرك حجم هذه المتغيرات، وضرورة التعامل معها بوعي، بدل الهروب إلى الأمام، والاعتماد مرة أخرى على الإدارة الترابية وأسلوب “الترغيب والترهيب”، خاصة وأن الأمر لا يتعلق فقط بالنقابات، بل حتى بالأحزاب والصحافة. فلا يجادل أحد في أن الأحزاب أصبحت حاليا مجرد تجمعات للمشبوهين والمتهافتين على الريع، إلى درجة أن هذه الهيئات فشلت في استقطاب حتى “تجار الكلام والشعارات”، بما أن مداخلات كثير من “مناضليها” تحت قبة البرلمان توحي بأن ممارسة السياسة أصبحت حكرا على “النطيحة والمتردية”. كما لا يجادل أحد في أن الصحافة في المغرب أصبحت حاليا مهنة من لا مهنة له، بل أصبح كل من هب ودب ينسب نفسه إلى “قبيلة الصحافيين”، اعتمادا فقط على “بطاقة الصحافة” التي لا تعني بالضرورة الأهلية ولا الكفاءة.
والانعكاس المباشر لهذا الوضع، يتمثل في “الإعلام البديل” الذي أصبح يعبر عن نفسه سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال “صحافة الفيديو” التي تتعاظم جرأة “مقترفيها” كلما “غردوا” من خارج التراب الوطني. إن الخلاصة الوحيدة لما تقدم، تتمثل في هذا الإصرار العجيب لـ”صانع القرار” على توفير شروط مزيد من “الفراغ”، حتى وهو يدرك أن السياسة كالطبيعة، لا تقبل الفراغ، بل تعمل على ملئه.. بما ومن حضر. إن تدجين النقابات والأحزاب والصحافة، سيؤدي حتما إلى ظهور “بدائل”، قد تقود فقط إلى تكرار فصول من “الصراع” الذي عرفه المغرب في فترة مبكرة، والذي أدى إلى استنزاف كثير من الوقت والجهد والطاقات في الهدم بدل البناء. ختاما، إن السؤال الذي يستحيل العثور على جواب له مؤداه باختصار: كيف يتوقع صانع القرار تنزيل الرؤية الملكية لبناء “مغرب جديد”، في ظل الفراغ القاتل الذي تعرفه مجالات الصحافة والسياسة والعمل النقابي؟