في تهميش المثقف للمثقف..
تازة بريس
أبو الخير الناصري
كثيرون هم المثقفون الأكْفاء المهمشون داخل المغرب، وكثيرة هي الجهات التي تقوم بتهميشهم، وعديدة هي طرق التهميش وأشكاله، وأكثر الناس يتحدثون عن تهميش السياسيين للمثقفين الذين لا يرضون عن خطابهم وتوجههم. وأحب أن أتحدث عن نوع من التهميش أعدُّه أخطر أنواع التهميش التي تصيب الكفاءات الثقافية ببلادنا، وأقصد تهميش بعض المثقفين في عدد من “الدوائر الثقافية المركزية” لغيرهم من المثقفين الموجودين خارج هذه الدوائر.
ومن المفيد هنا أن نطرح بعض الأسئلة الكاشفة عن هذا الوضع، من بينها: لماذا عزوف كثير من المثقفين الأكفاء عن الانتساب إلى بعض “الدوائر الثقافية المركزية” كاتحاد كتاب المغرب مثلا؟ لماذا يؤسس كثير من المثقفين جمعيات ورابطات و”صالونات” أدبية ومقاهٍ ثقافية، ويتخذون منها منابرهم الرئيسة، وربما الوحيدة، التي يزاولون من خلالها مختلف أنشطتهم الثقافية (نشر الكتب/ تنظيم معارض للكتاب/ أمسيات قصصية وشعرية/ مهرجانات ثقافية…)؟ لماذا هذا الإقبال الكبير على النشر الإلكتروني، حتى لقد أصبح بعض المسؤولين عن بعض الملاحق الثقافية للجرائد يستكتبون المثقفين، بل قد يعمدون أحيانا إلى أخذ بعض المواد المنشورة إلكترونيا، ويعيدون نشرها في ملاحقهم الثقافية..؟
إن هذه الأسئلة وغيرها تعكس، في تصوري، واقعا معيشا يتمثل في هروب كثير من المثقفين من مؤسسات ومنابر ثقافية مُكرَّسة؛ وذلك بسبب التهميش الذي يمارسه عليهم كثيرٌ من المنتسبين إلى هذه المنابر والمؤسسات التي تستفيد من الدعم المادي ومن وضع اعتباري خاص داخل المشهد الثقافي. ويحضرني في هذا السياق مثال دالٌّ جدا يرتبط بالشاعر والروائي والعالم الفذ الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، فقد قرأت يوما حواراً معه منشورا بالملحق الثقافي لجريدة “الميثاق الوطني” قال فيه إنه راسل اتحاد كتاب المغرب مرات متعددة للحصول على عضويته، لكنهم لم يردّوا على مراسلاته، حتى إن أحدهم زعم مرة أنهم لم يتوصلوا منه بأي ملف. في ضوء ذلك أتساءل: ما الفرق بين المثقفين الذين يهمشون غيرَهم من المثقفين وبين السياسيين؟ ألم يتحول كثير من المثقفين الموجودين في “الدوائر الثقافية المركزية” إلى كائنات سلطوية؟
أؤكد مرة أخرى أن أخطر أنواع التهميش هو ذاك الذي يمارسه بعض المثقفين على إخوانهم المثقفين، وما أصدق طرفة بن العبد إذ يقول: وظلمُ ذوي القُرْبى أشدُّ مَضاضة *** على المَرْءِ من وَقع الحُسام المُهنَّدِ، فإذا كان هذا حال المثقفين مع مَنْ تربطهم بهم آصرة الثقافة، فلا تعجب بعد ذلك من التهميش الذي يصدر عن جهات أخرى.. أملي في المثقفين المهمشين الذين أسسوا جمعيات ومنابر ضدا على تهميشهم من لدن مثقفين آخرين ألا يحذوا في تعاملهم مع غيرهم حذو أولئك الذين همشوهم، حتى لا يتحول المشهد الثقافي بالمغرب إلى حلقات متتالية من التهميش والتهميش المضاد.