من تحف روايات المغرب التي لا تزال ساطعة “الخبز الحافي” لمحمد شكري

تازة بريس

“الخبز الحافي” سيرة ذاتية للكاتب المغربي محمد شكري، واحدة من أبرز الروايات العربية التي تتناول قضايا الفقر والمعاناة الإنسانية. نشرت الرواية لأول مرة باللغة الفرنسية في عام 1973، ثم ترجمت إلى العربية لاحقًا. الرواية تركز على حياة الكاتب في طفولته وشبابه، مقدمة صورة واضحة وقاسية عن حياة الفقر والبؤس التي عاشها في المغرب خلال منتصف القرن العشرين. تدور الرواية حول حياة الطفل محمد الذي نشأ في بيئة شديدة الفقر في شمال المغرب، وتتناول معاناته مع الجوع، القهر الأسري، والاستغلال الاجتماعي. من خلال أحداث الرواية، يروي شكري تجربته في العمل الشاق في سن مبكرة، والتحرش والظلم الذي تعرض له، بالإضافة إلى العلاقة السيئة مع والده العنيف. الرواية تضع القارئ وجهًا لوجه مع قضايا البؤس الاجتماعي، الأمية، والاستغلال، وتعبر عن عالم مليء بالعنف والقسوة حيث يُحرم الفرد من الكرامة الإنسانية. كما تسلط الضوء على الحياة في أحياء الفقر الهامشية، وهي موضوع قلما تناولته الروايات العربية في تلك الفترة.

الشخصية المحورية في الرواية تجسيد للطفل الفقير الذي يواجه العالم القاسي، شكري يسرد رحلته الطويلة من الجهل إلى المعرفة، ومن القمع إلى الحرية، حيث تمكن في النهاية من تعلم القراءة والكتابة. الأب: يُمثل الأب شخصية قاسية وعنيفة، إذ يمارس العنف ضد ابنه وعائلته، ما يعكس الوضع المزري الذي تعيشه العائلة والذي يزيد من تعقيد حياة محمد. الأم: تجسد الأم نموذجًا للمرأة المكافحة التي تحاول حماية أطفالها وسط عالم لا يرحم. على الرغم من حبها لأبنائها، إلا أن الفقر يحول بينها وبين القدرة على إنقاذهم من واقعهم المرير. الأسلوب الأدبي يتميز أسلوب محمد شكري في “الخبز الحافي” بالبساطة والوضوح، ويبتعد عن التكلف اللغوي. يميل إلى السرد الواقعي المباشر، مستعينًا بتفاصيل صادمة أحيانًا للوصول إلى عمق المعاناة الإنسانية. الأسلوب يتميز بالجرأة والصراحة في تناول موضوعات حساسة مثل الفقر المدقع، الاستغلال الجنسي، والعنف الأسري. “الخبز الحافي” تُعتبر من الروايات الجريئة في الأدب العربي، حيث تناولت موضوعات اجتماعية شائكة بأسلوب غير مألوف في ذلك الوقت. شكري لم يسعَ إلى تجميل الواقع، بل قدمه كما هو بكل ما فيه من قسوة وبشاعة. الرمزية والمواضيع تمثل رواية “الخبز الحافي” تجسيدًا للعديد من القضايا الاجتماعية الهامة: الفقر: المحور الأساسي للرواية، حيث يعاني بطل الرواية من الجوع والحاجة ويكافح من أجل البقاء في ظروف بالغة القسوة. الجهل: شكري كان أميًا حتى سن العشرين، وتعكس الرواية أثر الجهل على حياة الأفراد وحرمانهم من فرص النهوض بأنفسهم. التمرد: محمد شكري يتمرد على ظروفه وعلى القهر الذي يتعرض له من والده والمجتمع، مما يشير إلى رغبته في التحرر والتغيير. العنف الأسري: يظهر بوضوح في العلاقة السيئة بين البطل ووالده، الذي يمارس العنف الجسدي والنفسي على عائلته، مما يزيد من تعقيد وضع الأسرة. “الخبز الحافي” هي أكثر من مجرد رواية سيرة ذاتية؛ إنها قصة كفاح إنساني ضد الفقر والجهل والعنف، وهي شهادة على قدرة الإنسان على التغلب على أصعب الظروف. تكمن قوة الرواية في صدقها وجرأتها في تناول قضايا تعتبر “تابوهات” في المجتمع، ما جعلها مؤثرة في الأدب العربي والعالمي. الرواية لا تتوقف عند سرد حياة فرد واحد، بل تعكس واقع شريحة واسعة من المجتمع المغربي والعربي الذي يعاني من نفس المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. تعتبر “الخبز الحافي” عملاً أدبيًا فريدًا يترك تأثيرًا عميقًا على قارئه، ويثير التفكير في قضايا الظلم الاجتماعي والكرامة الانسانية.

أميمة البقالي ..