محنة ساكنة إقليم جرسيف في الانتقال إلى محكمة الاستئناف بوجدة..
تازة بريس
عبد اللطيف جنياح
في 07 دجنبر من سنة 2017 صدر المرسوم عدد 2.17.688 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، الذي نشر بالجريدة الرسمية عدد 6634 بتاريخ 28 دجنبر 2017 والذي تضمن في شقه المتعلق بتغيير نفوذ المحاكم الاستئنافية، إلحاق المحكمة الابتدائية بجرسيف بمحكمة الاستئناف بوجدة، بعدما كانت تابعة لدائرة نفوذ محكمة الاستئناف بتازة. وقد عللت الحكومة هذا المرسوم خلال اجتماعها المنعقد للمصادقة عليه، بكونه يندرج في إطار الإصلاحات الكبرى لقطاع العدالة بالمغرب وفق التوصيات المنبثقة عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وتأسيسا على التوصية رقم111 منه التي تقضي بإرساء الخريطة القضائية على معايير موضوعية، تستند بصفة خاصة على مبدأي حجم القضايا و تقريب القضاء من المتقاضين مع مراعاة الاعتبارات الديموغرافية والجغرافية. والواضح أن هذا المرسوم اتسم بالتجاوز في استعمال السلطة وغياب السند القانوني، فضلا عن خرقه للمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية و تعارضه مع أهداف بناء دولة القانون والشعارات الرسمية المعلن عنها والمتعلقة بتقريب القضاء من المواطن، وجعله في خدمته. وبيان ذلك فيما يلي:
أولا: تجاوز السلطة.
لقد عللت الحكومة مرسوم التنظيم القضائي الجديد بكونه يندرج في إطار الإصلاحات الكبرى للمغرب، تأسيسا على التوصية رقم 111 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة التي توصي بإرساء الخريطة القضائية، على معايير موضوعية قائمة بصفة خاصة على مبدأي حجم القضايا و تقريب القضاء من المتقاضين مع مراعاة الاعتبارات الديموغرافية والجغرافية. وانطاقا من ذلك فإن قرار إلحاق المحكمة الابتدائية بجرسيف بمحكمة الاستئناف بوجدة يتنافى مع الأسس المعتمدة في إصدار هذا المرسوم، على اعتبار أن مختلف المعايير المذكورة تستوجب ضرورة إبقاء المحكمة الابتدائية بجرسيف ضمن دائرة نفوذ محكمة الاستئناف بتازة وتوضيح ذلك فيما يلي:
معيار حجم القضايا :
ذلك ان محكمة الاستئناف بوجدة تضم في دائرة نفوذها خمسة محاكم ابتدائية ممثلة في وجدة، بركان، جرادة بعد ترقيتها، بوعرفة، تاوريرت وبعض المراكز القضائية، في حين تضم محكمة الاستئناف بتازة محكمة ابتدائية واحدة فقط وهي المحكمة الابتدائية بتازة، وهو ما يفيد أن إلحاق المحكمة الابتدائية بجرسيف بمحكمة الاستئناف بوجدة، يؤدي حتما إلى تراكم حجم القضايا بهاته الأخيرة وتأخر آجال البت فيها، خلاف ما نصت عليه التوصية رقم 115 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة وهذا ينعكس سلبا على جودة و نجاعة العدالة.
معيار تقريب القضاء من المتقاضين:
الواقع أن مقر المحكمة الابتدائية بجرسيف يبعد عن مقر محكمة الاستئناف بوجدة بأكثر من 162 كلم، في حين لا يبعد عن مقر محكمة الاستئناف بتازة إلا بحوالي60 كلم، فضلا عن أن المناطق التابعة لإقليم جرسيف والواقعة في الشريط الغربي منه لا تبعد عن مقر محكمة الاستئناف بتازة إلا بحولي12كلم، وهو ما يترتب عنه حرمان المتقاضين من الولوج السهل والقريب للقضاء ويضاعف من حجم تكاليف تنقلهم ، ويعيق مواكبتهم لإجراءاتهم القضائية وهذا يعتبر خرقا لمبدأ تقريب القضاء من المواطن المستند عليه في تأسيس مرسوم التنظيم القضائي الجديد .
معيار الاعتبارات الديموغرافية و الجغرافية:
من المعلوم أن إقليم جرسيف كان تاريخيا دائرة تابعة لإقليم تازة، ويتميز بالامتداد الديموغرافي للقبائل التي يتكون منها الإقليمان معا والذي يبرز في وجود قبائل الريف وخصوصا امطالسة في الشريط الشمالي للإقليمين على مستوى مقدمة جبال الريف، وقبائل بني وراين في الشريط الجنوبي منهما على مستوى جبال الأطلس المتوسط الشرقي، فضلا عن وجود العديد من أبناء قبائل هوارة وأولاد رحو والتسول وغياتة والبرانس متمركزين في الإقليمين معا، في حين يغيب هذا التداخل والارتباط بين إقليمي جرسيف ووجدة وهذا ما يؤثر سلبا على العلاقات و المعاملات والمراكز القانونية للجماعات المتماسكة والمرتبطة، المشكلة لإقليمي تازة وجرسيف.
ثانيا: غياب السند القانوني:
إن الغاية المتوخاة من الأمن القانوني هي ضمان تشريعات متلائمة مع الدستور، ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني وذلك بما يكفل حماية الحريات والحقوق من الاثار السلبية, التي تترتب عن التشريع، عبر إصدار قوانين أو مراسيم متسمة بعدم التجانس والتكامل، والتي تؤدي إلى فقدان الثقة المشروعة في الدولة وقوانينها، وهو ما يفرض على السلطة التشريعة والتنفيذية إصدار تشريعات خالية من العيوب الشكلية والموضوعية، التي تؤدي إلى الاطمئنان وتحافظ على استقرار العلاقات والمراكز القانونية داخل المجتمع. واستنادا على ذلك فإن مرسوم التنظيم القضائي الجديد يبقى متسما بعيب الأمن القضائي لافتقاره لشرط المعيارية الذي يجب أن يميز التشريع، وذلك لعدم أخذ هذا المرسوم بعين الاعتبار عوامل الاستقرار والملاءمة والمرونة، كخصائص تميز المعيار القانوني عن أدوات التقنية القانونية الأخرى، فضلا عن انتفاء شرط سهولة الولوج إلى القانون والمحاكم لتبعيد القضاء من المتقاضي، وحرمانه من الولوج إلى المرفق القضائي القريب منه.
ثالثا : خرق الدستور:
إذ نصت المادة 118 من الدستور على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه، وعن مصالحه التي يحميها القانون. وانطلاقا من ذلك فإن الحق في التقاضي لا يتأتى إلا بضمان الولوج السهل والقريب إلى العدالة، ورفع كل الحواجز التي تعيق هذا الولوج وذلك في إطار تحقيق الأمن القضائي الموكول للقضاء، بمقتضى المادة 117 من الدستور الذي يشكل الأمن القانوني مدخلا لتحقيقه. وتأسيسا على ذاك يبقى مرسوم التنظيم القضائي الجديد في شقه المتعلق بإلحاق المحكمة الابتدائية بجرسيف، خارقا للدستور وماسا بالحق في التقاضي المكرس بموجب المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية، ومتناقضا مع الشعارات التي ترفعها الدولة حول تقريب القضاء من المواطن وجعله في خدمته. ونخلص في النهاية إلى ضرورة مراجعة مرسوم التنظيم القضائي عبر إعادة إلحاق المحكمة الابتدائية بجرسيف بمحكمة الاستئناف بتازة, و إنهاء محنة ساكنة إقليم جرسيف الناتجة عن الوضع المترتب عن تفعيل هذا المرسوم.