في ذكرى رحيل إحدى ايقونات تازة “الأستاذ عبد اللطيف الدقشي” ..
تازة بريس
فوق الأرض كان الى عهد قريب جدا، صديقا عزيزا بمكانة وتقدير خاص لدى كل تازة، اسم تتقاسم معه المدينة كغيره ممن هم بمكانة ورفعة وجدية كل مشترك من ماض وحاضر وتطلع وجميع متاهات الذي قد يأتي ولا يأتي، كان فوق الأرض وهو الآن تحت الأرض رحمه الله تعالى في هذا الشهر الكريم رمضان المبارك، بعد سنتين من رحيله في مثل هذا اليوم من شهر مارس. أنيقا جدا كان في ملبسه وحياته وملمحه ومرتقاه وحلمه وعشقه وابتسامته للحياة منذ شبابه، جميلا في سحنته أصيلا في أخلاقه ممتدا في كرمه، منفتحا في طبعه محبا لكل خير وصدق وجد واجتهاد وتميز وشموخ له ولكل الآخرين من محيطه القريب منه والبعيد. وهو الشهير رحمه الله بمقولة رفيعة محفزة معبرة جدا رافعة لكل أفق مشرق، كثيرا ما كان يرددها ويدعو للعيش على ايقاعها ” Toujours plus loin, toujours plus haut, toujours plus fort “.
ذلك هو الأستاذ عبد اللطيف الدقشي، أحد أساتذة مادة الاجتماعيات الذين تميزوا في مسارهم المهني وفي طبيعة درسهم، وهو الذي تحفظ له ذاكرة ثانوية سيدي عزوز بتازة العليا منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، مساحة رمزية واسعة من هيبة أستاذية حقيقية وعطاء وتميز وتفرد صورة وكفاءة معرفة ودرس، فضلا عما تحفظه عنه ايضا ذاكرة اجيال من الشباب المتمدرس ومن خلالها كل المدينة من عظمة استاذ وانسان، إن بثانوية سيدي عزوز أو ثانوية علي بن بري التي التحق بها في أواسط الثمانينات حتى تقاعده. لِما كان عليه من موسوعية ثقافة وتكوين علمي عميق وتمكن معرفي تخصصي، ناهيك عن درجة اجادته وتمكنه من اللغة الفرنسية، وهو ما جعل درسه بجاذبية خاصة وايقاع خاص وأثر إفادة ومستوى روعة وغنى فهم ومكتسب لدى تلامذته. بل ما تميز به من درس جعله ليس فقط بما كان يتقاطر عليه من زخم تلاميذ أقسام أخرى من داخل الثانوية وخارجها، للضفر بحضور ومتابعة حصة من حصصه الرائعة وكذا ملخصات دروسه ووثائقه، انما ايضا بصدى واسعا على صعيد ثانوية سيدي عزوز وفيما بعد ثانوية علي بن بري وعلى صعيد كل تازة من أقصاها الى أقصاها، بحيث في الوسط الطلابي بالسلك الثانوي آنذاك، عندما كان يذكر اسم ودرس”الاجتماعيات” كان يذكر ويحضر اسمه رحمه الله. وهذا أمر طبيعي آنذاك بحيث في كل مؤسسة ثانوية من المؤسسات وفي كل تخصص من التخصصات، كان هناك أستاذ على درجة من التميز والتفرد والكفاءة التعليمية ومن ثمة من الشهرة.
في مثل هذا اليوم من مارس 2022 ، فقدت تازة هذه العلامة والأيقونة الأستاذ عبد اللطيف الدقشي، أحد ألمع أطر المدينة التربوية التي أثثت المدينة على امتداد عقود من الزمن، واحدا من خريجي الجامعة المغربية في سنوات مجدها حيث سبعينات القرن الماضي، بحيث يسجل ويحسب له ولتازة بكل فخر واعتزاز وذكر، أنه كان أول طالب جامعي بل الوحيد الذي تم انتقاءه ليلتحق بالسلك الثالث وما أدراك ما السلك الثالث آنذاك، بعد حصوله على الاجازة في الجغرافيا وبتفوق عال. بكل أسف رغم التحاقه لعدة شهور بهذا المسار من التكوين العالي، في هذا الزمن من عمر الجامعة المغربية، لم يكتمل حلمه العلمي لأسباب متداخلة ليلتحق رحمه الله بسلك التعليم الثانوي. ولعل مما طبع مسار الفقيد المهني، ما كان عليه من تكوين أكاديمي يهم تخصصه “الجغرافيا”، ناهيك عما ميزه عن محيطه من ثقافة مواكبة وتتبع وقراءات وتجدد وتجديد معارف، مستفيدا من مكتبة خاصة رفيعة المستوى، كانت تحتوي دراسات ونصوص أبحاث أكاديمية مغربية واجنبية عدة، ولعل من هذه النصوص والمؤلفات من كان نادرا وليس سهلا الحصول عليه آنذاك، فضلا عن زخم مجلات ووثائق عالية المستوى كثيرا ما كان مدمنا على اقتنائها رغم أثمنها وكلفتها المرتفعة. دون نسيان ما كان عليه من عمل بحث في صمت، من قبيل اعمال ترجمة لنصوص تاريخية وجغرافية، منها من كانت في نهايتها كما بالنسبة لكتاب”تازة وغياتة” للعقيد الفرنسي “فوانو”، التي نتمنى أن ترى النور في يوم ما تثمينا لِما بذله فيها من جهد معبر رحمه الله.
بعض من فقيد تازة الذي رحل الى دار البقاء في مثل هذا اليوم قبل سنتين، والذي- كما هو غير خاف عمن يستحضر روحه- كان بتواضع قل مثيله وخجل ولطف وجميل صفات ونبل مترفعاً قنوعاً متعففا خلوقاً، فضلا عن انسانية انسان. شاء القدر أن يلبي لقاء ربه خارج مدينته التي عشقها وارتبط بها في كل حياته، بعيدا هناك بوجدة بعد معاناة مع مرض لم ينفع معه علاج. يشاء القدر أن يرحل محفوفاً برعاية الله تعالى مشمولاً بحب وتقدير من عرفوه وعايشوه وجايلوه كأستاذ وكانسان..، سلام عليه رحمه الله تعالى يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا. فاللهم ارحم صديقنا وعزيزنا برحمتك الواسعة في هذا الشهر المبارك العظيم واسكنه فسيح جناتك يا ارحم الراحمين يا رب العالمين.