بين غياب الأندية السينمائية وما تفشى من بؤس مهرجان سينمائي ولقاء..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
سواد الأفلام الأعظم التي تحقق نجاحا وتنافسا لأسابيع في قاعات المغرب السينمائية، أعمال فارغة في مضمونها وبدون مستوى فكري معتمدة على ما هو كوميدي بسيط فقط، ذلك الذي نتاج ما يطلبه الجمهور ويعكس مستواه. هذا ما قاله مؤخرا أحد المخرجين المغاربة (ع، ك) ضمن تصريح صحفي له. مضيفا ما ينبغي من تربية على ما هو راق من فن سابع رافع لتفكير ووعي، فضلا عما ينبغي من آليات اشتغال من قبيل الأندية السينمائية، من أجل مكانة لسينما مغربية ومواعيد من شأنها اعطاء صورة أهم حول زخم المغرب الثقافي الحضاري الإنساني.
هذا حول واقع وحال السينما المغربية ومنتوجها بعيون أهل شأنها، ماذا عن حقيقة ما يجري من (مهرجانات) سينمائية هنا وهناك مع استثناء تجارب ومواعيد محسوبة على رؤوس أصابع؟. وماذا عن واقع تناسل هذه المواعيد التي باتت تدعو للشفقة في حلتها وحالتها ومحتواها في علاقتها بجدل فن سابع؟، وماذا عن شروط الكائن فيها من حدود وضوابط يلتقي رأي كثير من المهتمين في كون سوادها الأعظم، ليس سوى لقاءات عادية جدا لدرجة بهرجة لا غير؟. وماذا لو طرح السؤال حول حصيلة هذه المهرجانات السينمائية ومنجزها وقيمتها المضافة للمجال، وما كانت فيه بأثر في عمل تغيير وتجويد وتطوير وانفتاح واتساع ثقافة سينما وأدبيات وفعل وتفاعل؟، وماذا لو طرح السؤال أيضا حول ما ترفعه هذه المواعيد السينمائية من بعد دولي هنا وهناك بمدن المغرب الصغيرة خاصة بعيدا عن المركز؟، وما طبيعة ما يعرض من اعمال وكيف يتم ذلك وبأي مستوى وقواعد وتوصيف ومخاطب وأثر؟، وما حدود صدى ما ينظم من مهرجانات سينمائية محلية هنا وهناك وهي بالعشرات؟، وهل يتجاوز صدى هذه المواعيد القاعة / المكان المعني بالحدث؟. وأية تقارير للجهات الوصية من قبيل المركز السينمائي حول ما ينظم؟، وأية صحافة مواكبة رافعة من اجل ما ينبغي من معايير وتطلعات؟، وأي نقد سينمائي من عدمه حول ما يقدم من مادة فكرية سينمائية وما هناك من تعثرات؟، وما حدود حقيقة نجاحات هذه المواعيد؟، وماذا عن تشابه تجاربها وما يطبعها من خطاب واجترار وتكرار في علاقة بطبيعة افلام وندوات ومشاركين واحتفاء..؟، وأي تأثيث مهني وتكوين وثقافة سينمائية ونقاد ومخرجين ومنتجين وأهل شأن؟، وهل باتت هذه المواعيد بنوع من قلة إعتبار ولا عناية لِما يسجل بها وحولها من ضعف إقبال؟.
أسئلة وغيرها تشغل بال مهتمين متتبعين لشأن وجدل المغرب السينمائي، حول من يتحمل مسؤولية واقع حال تناسل (مهرجانات) سينمائية، وهل تراجع أدوار الجامعة الوطنية للأندية السينمائية هو بأثر فيما ما هناك من مشهد، علما أن هذه الأندية كانت بفرجة وفكر وتكوين وتنشئة فنية ومن ثمة ذاكرة فن مغرب سابع، عبر ما كانت عليه الى عهد قريب من أنشطة نواد وجمهور على امتداد السنة. وأن بسبب واقع حال هذه الأندية حصل ما حصل من فراغ غير خاف انتج ما انتج من افرازات، منها طبيعة ملتقيات (مهرجانات) وجدت دفئها فيما يتوفر من دعم وحضن، في غياب ما ينبغي من تراكم تجارب وتكوين وثقافة فضلا عن تملك ما هو تقني وفني رافع. علما أن من هذه (المهرجانات)/ الظاهرة ما ينظم بمدن، هي بذاكرة سينمائية وماض يمتد لفترة الحماية على البلاد قبل عقود من الزمن، من خلال ما كانت عليه هذه المدن من تجارب وقاعات وتنظيمات وكذا أسماء. ولعل من المهم والحالة هذه الإشارة الى أن ما يكتب حول كثير من هذه المواعيد السينمائية، وما تحاط به من شهادات وتصريحات من قبل هذا وذاك أمر في نظر، لاعتبارات عدة ومتداخلة غير خافية فيها الظاهر والخفي وأن الحقيقة شيء آخر. هكذا يرى كثير من المهتمين مهرجانات سينما المغرب في سوادها الأعظم، تلك التي بعناوين وأسماء ويافطات وشعارات طنانة تنافسية لدرجة صعوبة التمييز بين هذه الدورة والمحطة هنا وهناك، فهذه سينما بيئة وتلك سينما جبل والأخرى سينما ذكاء اصطناعي وفي واد آخر هناك سينما تربية وبحر وتين وزيتون ورمان ووو من التسميات. وبقدر ما تعدد هذه اللقاءات ليس عيبا في حد ذاته، بقدر ما يطرح من سؤال يهم ما ينبغي من وعي فيما وبما ينظم من فعل ومثن سينمائي..، وما يسجل من عيوب تخص ما يوجد بها من مكونات.
ففي عدد من الدول بما فيها المجاورة عن الشمال، هناك ملتقيات سينمائية لكن من المفيد التأمل فيما تحتويه وما يطبعها من احترافية وخبرة وأفق منشود في شقه الفني الإبداعي انما أيضا المجتمعي الإنمائي الترابي. هذا بخلاف ما يطبع سينما المغرب من تجارب ومواعيد بلغت ما بلغت من التخمة التي يضيف لها مهتمون فاعلون في المجال “المرضية”. وأن هذه التخمة كما يتأملها الجميع من المعنيين باتت بنوع من الفوضى، ارتأت الوزارة الوصية على سينما المغرب تنظيمها بتعاون مع المركز السينمائي المغربي، وعليه ما تخفيه هذه المواعيد من بؤس رغم ما يبدو لدى البعض من صورة وضجيج منظم. فأي قانون منظم وأية حصيلة وأية مساءلة وأي تعاقد وأية اهداف واية خلفية ثقافية، وأية حكامة وتحكيم فضلا عن نقاش ونقد بناء فيما ينظم من مهرجانات سينمائية هنا وهناك. علما أن سواد النقد السينمائي الأعظم ومعه مخرجين وغيرهم هم عاشقين للمجال ونتاج أندية وقاعات سينما ليس الا، في غياب تخصصات علمية ومؤسسات تكوينية واسس معرفية علمية، وعليه ما يسجل ما أسهمت به الأندية السينمائية المغربية على امتداد العقود الأخيرة من القرن الماضي، على مستوى تأطير وتكوين آلا المنخرطين عبر التراب الوطني فضلا عن توفير المعلومة السينمائية ونصوصها لهم، قبل أن تتراجع أدوارها وسلطتها الفنية والفكرية والعلمية والتواصلية، ما فتح المجال لواقع فن سابع عبر لقاءات بفعل وصورة يبدو أن حمل المشعل معها بحاجة لسبل إجراءات وضوابط وشروط عمل آخذة في اعتبارها ما هناك من جديد وتدفق ومتغيرات، من اجل ما ينبغي من فن سابع مغربي وعلاقة ومكانة لهذا الأخير في المجتمع وحاضر البلاد مستقبلها.
إن ما يسجل عموما من ارتباك فيما ينظم من مواعيد سينمائية، هو نتاج عوامل واعتبارات ومكونات عدة ومتداخلة. وما هناك من تضخيم فضلا عن شعارات رنانة وطنانة يتم ترديدها والتغني بها، هو ما ينتهي الى أسفل سافلين لِما يسجل من خجل تنظيم ومادة وحضور وجدل وصورة ومعنى وهدف، في غياب ما ينبغي من تملك تجارب واحترافية اشراف ومن ثمة ما يظهر من صعوبة بلوغ منشود، وما ينبغي من صورة وفن سابع حقيقي عوض ما هو بياض مثير للشفقة وأحيانا للاستياء. ولعل هذا وذاك من المشهد المأزق يصعب معه جعل سينما المغرب ومن خلالها (المهرجان)، بأثر ودور لفائدة الكائن الترابي المحلي والجهوي عموما ولفائدة التنمية والذاكرة. وعليه، ما قد يشغل بال مهتمين ومتتبعين حول ما ينظم من لقاءات باهتة، كان ينبغي أن تكون بقدر من الوعي والإعداد والافادة والانسجام والتناسب والأثر، مع طبيعة مدن ومناطق وجهات بمكانة وذاكرة وماض ثقافي وابداعي وأسماء وتجارب وتطلعات، عوض ما يسجل من بؤس يرخي بضلاله على كل شيء من الأثاث على تواضعه، حيث خيبة أمل مثقلة جامعة بين ارتجال ومجهول وارتباك باد أمام أعين الجميع وعلى كل المستويات. وعوض ما ينبغي من فعل وفن سينما وسينمائيين فضلا عن تطلع ترابي انمائي، كل شيء يبدو أحيانا كثيرة مجرد خواء وهدر لزمن ثقافي محلي، لا يترجم ما يرَوج بوعي وعن غير وعي من عرس سينمائي وفعاليات ونوع حضور، ومادة علمية ولقاءات فن وفكر وأفلام وإغناء وتكوين وفرجة وتنافس ونجوم ووعاء دولي وتحكيم وافتتاح وإسدال ستار و، و، و. كل شيء من حديث سينمائي براق لا غير، إلا ما يعد جوهر هذه المواعيد من مادة وأعمال سينمائية فيلمية ونصوص، من حيث هويتها وقراءتها وتفكيكها وتحليلها وفهم عناصرها ومضانها، ناهيك عما هو أثاث مرافق من تشخيص وشخوص وأدوار ورسالة وتصوير وأصوات وتعبير فني وعلاقات وتجاور وتركيب وكتابة وتجارب، في أفق المنشود منها من أسئلة سينمائية وصورة وأثر وممارسة ونقد وحوار وتجويد وتلاقح تجارب، فضلا عن إنتاج وانفتاح على كائن محيط ثقافي وتراث مادي ولامادي وكذا طبيعي.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث