تازة : المؤسّسات المنتخبة من أضعف تجارب التدبير في تاريخ المدينة ..
تازة بريس
إذا ما تمعّنا في التاريخ السياسي لمدينة تازة سوف نعي جيّدًا أنَّ المدينة الَّتِي تُعدُّ مهدَ الحضارات، أنجبت أسماءً سياسيَّة كبيرة أثَّرت في المشهد السياسيّ المحلي، وأنجبت نخبًا سياسيَّة، فعلى سبيل البسط لا الحصر المناضلين القباقبي والمهدي والجريري وغيرهم كثيرون، لكن ما إذا أمعنّا جيدًا في المشهد السياسي الحالي، الَّذِي يعيش ميوعة سياسيَّة مقصودة أو مخططًا لها، خصوصًا بعد انتخابات 8 شتنبر من سنة 2021، سنعي أنَّ المدينة فقدت النخب السياسيَّة، وكسبت عفونة سياسوية بل أعلنت حدادًا دون إقامة الجنازة على الأحزاب السياسيَّة الَّتِي ظلّت تلعب أدوارًا بعيدة عن الأدوار الحقيقيَّة المناطة على عاتقها.
فاللحظة السياسيَّة الراهنة، الَّتِي تشهدها مدينة تازة، لم يعد بإمكاننا التمييز ما بين أحزاب المكونة للأغلبية وأحزاب المعارضة، فالأغلبية المكونة للتحالف المحلي الَّذِي من خلاله تمّ أو يتمّ تسيير المجلس الإقليمي والمجلس الجماعيّ، أكدت الممارسة والواقع..أنه تحالف هجين هلامي غير قائم على مرجعيَّة سياسيَّة فيها نقط التلاقي والحدّ الأدنى من التوافق، ولعلّ ما وقع في جماعة تازة والمجلس الإقليمي مؤخرًا وقبله في بعض دورات المجلس الجماعي للمدينة وكواليس الضرب من تحت الحزام في المجلس الإقليمي يُؤكّد ذلك، فالأغلبية تصوّت ضد الأغلبية، وجزء من الأغلبية يصوت لصالح المعارضة، وسياسيو نفس الحزب يوقعون ضد مناضلي حزبهم، بل يتمردون على قرارات الهيئة السياسيَّة الَّتِي ينتمون إليها، والولاء الأعمى ل”دينصورات” الانتخابات وممتهني “الشكامة وتوصيل الأخبار ” والحربائيين.. وهو ما يُعدُّ ضربًا صارخًا في المفهوم الانتماء الحزبي والسياسي، فهناك فرق أن تختلف في إطار الديمقراطية الداخلية مع قرار أو موقف للقيادة الحزبيَّة جهويًّا أو محليًّا، وهو أمر محمود، وأن تتمرّد على قرار الحزب وتصوّت لصالح المعارضة، فقط لأن مصالحك تتقاطع مع مصالح المعارضة؟ أو تكون خصما سياسيا لمسؤول منتخب بسبب اتهامه بسوء تدبير مؤسسة الدستورية منتخبة إقليمية والتلاعب في المال العام وفضائح الشيكات و.. إلى مناصر وحليف له بين عشية وضحاها.
والغريب أنَّ المعارضة الَّتِي يجب أن تنكب في تعليل مواقفها السياسيَّة المعارضة للأغلبية، وأن تعمل على تقديم مقترحات منطقيَّة تبرر معارضتها، انخرطت في أدوار ليست من أدوارها وبدأت تدعم شخصًا من الأغلبية ضد شخص آخر وتنسق مع طرف ضد طرف، وتوقّع مع أشخاص أو سياسيّين ينتمون للأغلبية بلاغات سياسيَّة لا تهمها أو تلزمها كمعارضة سياسيَّة، مفروض أن تكون عاملًا في تقويَّة الفعل السياسي بالمدينة. تازة اليوم تراكم لمفهوم جديد في السياسة مفهوم كم حاجة قضيناها بتركها، فلا أحد يختلف أن المؤسّسات المنتخبة الَّتِي تشهدها المدينة اليوم هي من أضعف الهيئات المنتخبة عبر مر تاريخ المدينة، فإذا نظرنا إلى المستوى الأكاديميّ والعلميّ بل وحتى الأبجدي لأغلب مكونات المجلس الجماعي لمدينة تازة والمجلس الإقليمي وأيضًا المستوى العلميّ والأكاديميّ لغالبيَّة المستشارين السياسيّين، سوف تصاب بإحباطٍ كبيرٍ، بل أكثر من ذلك عدد من السياسيّين الَّذِي من المفترض أن يمارسون مهامّ التدبير الترابيّ للمدينة هم “بطاليون” ولا يمتلكون دخلًا قارًا، فكيف يمكن لهم أن يُمارسوا أدوارهم باستقلالية وبأريحيَّة كبيرة، لأنَّ مهامهم التطوعيَّة في الأصل تصبح مهنة حتّى يتمكّنوا من توفير لقمة العيش. بل هناك جمعيات يترأسها مستشارين أو بصحيح العبارة “منتمين” جماعيين من المعارضة والأغلبية، انتعشت خزينتها بمجرد وصولهم إلى مجلس الجماعة والمجلس الإقليمي.
وإذا ما نظرنا إلى عددٍ من الملفات والنقط والقضايا الَّتِي تمرّ بالإجماع في دورات المجلس المنتخب بمدينة تازة وكذا المجلس الإقليمي، سوف تتأكّد لا محالة، أن هَؤُلَاءِ الأشخاص إمّا لا يفقهون شيئًا في العمل السياسيّ ولا يؤمنون بضرورة التدرّج في التنظيمات الحزبيَّة قبل أن يكون لك الحقّ في تمثيلها أو الترشّح باسمها، أو أنَّ أغلبيتهم ليسوا بأبناء هَذِهِ التنظيمات، بل ليسوا حتى من أبناء هذه المدينة وبالتالي لا يشعرون بحرارة الانتماء لها، بل لا يؤمنون بالخلفيَّة السياسيَّة والأيديولوجية لهَذِهِ التنظيمات الحزبيَّة والإنتمائية لمدينتهم. أوجه الميوعة السياسيَّة كثيرة جدًا ولا يمكن الوقوف عليها بشكلٍ كاملٍ، لكن من أوجهها، عندما يُلامسه كل متتبّع للشأن السياسيّ والمحليّ للمدينة، فالإشادة بشكل دائم من رجل السياسة لرجل السلطة دون سبب استحق ذلك أو لم يستحق، يُؤكّد أنَّ زمن الفعل السياسي قد ولى وانتهى، فرجل السلطة له الحقّ في انتقاد ولدع السياسيين، لكنّ السياسي انتزع من قاموسه حق التعارض والاختلاف مع رجل السلطة لسبب واحد هو أن ممثل السلطة بالمدينة يفتح الباب للسياسيين في أي لحظة سواء كانت الحاجة لذلك أم لا. ولعلّ ما يُؤكّد الطرح، هو موقف غالبيَّة السياسيّين وتنظيماتهم اليوم من الرجل الأول عامل إقليم تازة، فلا أحد يشيد بدور الرجل، الذي يشتغل بعيدا عنهم وبدون بهرجة وينعتونه في مجالسهم في المقاهي وعبر وسائط التواصل “واتساب” بمعرقل التنمية ، وهو أمر عادي في ممارسة العمل السياسي الفاشل والهجين، لكنّ غير الطبيعي هنا هو الموقف مبني على كون أن عامل الإقليم رفض أن يفتح أبوابه للسياسويين رئيسي المجلس الإقليمي وجماعة تازة، لأسباب تتعلق بالعديد من المسكوت عنه داخل المجلسين؟؟ .
عن جريدة الحدث التازي