تازة : أي وعي محلي بتراث المدينة المادي واللامادي دعما للورش السياحي ..

والواقع أن الحديث عن موقع كيفان بلغماري التي بتازة، بقدر ما نستحضر فيه أولا : ما أحيط به من تعرف واستكشاف وتنقيب من قبل فرنسيين عسكريين بعد احتلال المدينة أواسط العقد الثاني من القرن الماضي، ولعل ما جرى من دراسة لم يكن بما هو كاف مساعد لدى هؤلاء من احترافية وتخصص، منهم نذكر جوزيف كومباردو وكان ملازما في رتبته العسكرية، يسجل له ما كان من سبق تنويري عن الموقع من خلال عمله الميداني على امتداد حوالي ثلاث سنوات، وقد مكنته من ترتيب جملة تقارير ذات طبيعة إدارية، صدرت ضمن نشرة لجنة افريقيا الفرنسية Bulletin du Comité de L’Afrique Française، بعنوان “Notes Archéologique sur la région de Taza” . وقد أفاد تقرير هذا الأخير عن هذا الموقع الاركيولوجي بتازة، أنه تم الوقوف على آثار تعود للزمن النيوليتيكي الذي طبع الحياة بشبه الجزيرة الإبيرية ومعها منطقة الشمال الافريقي عموما، فضلا عن صواعد ونوازل داخل هذا الموقع (الكهف)، وغيرها مما تم العثور عليه من أثاث بدائي ضمن مستويات من التنوع والشكل والأدوار والاحالة على ما هو أزمنة حياة انسان، بدليل بقايا بشرية وحيوانية تعود لفترات متباينة في معالمها ومشاهدها عن انسان ما قبل التاريخ، علما كما سبقت الإشارة، أن معظم ما تم العثور عليه من قبل كومباردو وغيره من فريق البحث والتنقيب ب “كيفان بلغماري”، تم نقله صوب متحف مدينة وهران، بحكم ما كان قائما من تقسيم ترابي عسكري فرنسي آنذاك في بداية الحماية على البلاد.
أما ثانيا في حديثنا عن كيفان بلغماري بتازة، فنستحضر فيه سؤالا مستفزا للجميع كل من موقعه من المعنيين والمهتمين، ويتعلق الأمر فيه بما هو بحث حديث ودراسات أركيولوجية وإضافة، وما يخص أيضا حصيلة عقود من زمن مغرب الاستقلال إن على مستوى اشغال الموقع نفسه، أو ما هناك من شبكة بالجوار فضلا عن مساحة كهوف أخرى على مستوى أجراف محيط المدينة، عبر ما ينبغي من بحث اركيولوجي، وحضور ومساهمة وتأطير وتوجيه وفِرق عمل متخصص عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والذي تم إحداثه قبل حوالي الأربعة عقود من الزمن. مع السؤال أيضا عما هناك من بياض علمي يخص مواعيد محلية ولقاءات لمتخصصين، عبر ما ينبغي من حضور لمصالح وزارة الثقافة محليا وجهويا وكذا من مبادرة للمجتمع المدني، من اجل ما ينبغي من نقاش وتنوير وجديد يهم موقع كيفان بلغماري ومعه باقي مواقع المدينة، ومن ثمة ما ينبغي من خريطة أثرية محلية بمعايير علمية محددة، حتى لا يظل حديث هذا الشأن حبيس تقارير تعود لزمن الحماية بالمغرب قبل أزيد من مائة سنة.
وعليه، يحق السؤال حول ما هو اركيولوجي بحثي حديث يهم معالم زمن ما قبل التاريخ بتازة؟، ومن خلال هذا البحث ما هناك اطروحات عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث؟، ومن ثمة أي تمحيص وتدقيق من قبل الباحثين الأركيولوجيين المغاربة حول ما هناك من تراكم؟، وأية حصيلة اركيولوجية رافعة لتاريخ تازة في علاقتها بمحيطها منذ القدم حتى الفترة المعاصرة ؟. وأي موقع للمدينة ولمواقعها الأثرية الضاربة في القدم، في اهتمامات وزارة الثقافة وفي خريطة الأبحاث الاركيولوجية الوطنية عن هذه المؤسسة وتلك ؟. وعيا بما اسهم به علم الاركيولوجيا في أعمال الباحثين ومنهم المؤرخين رغم حداثته، من حيث تعرفهم على وانماط حياة بشرية وحضارة موغلة في القدم وكذا تاريخ وتراث ومعالم عدد من المواقع ومنها مدن. علما أن الأركيولوجيا التي كانت تقتصر على ما هو قديم باتت بوظيفة امتدت لِما هو حديث ومعاصر من الأزمنة، ومن ثمة ما حصل من إغناء على مستوى مصادر معلومة حقل البحث التاريخي، ومن انفتاح للباحثين على مجالات بحث جامع بين مجتمع واقتصاد وسلوك وهجرات وتمدين وتعمير وعمارة وتوطن وتوطين وعقليات وذهنيات .. وغيرها. وكان الأستاذ عبد الله العروي قد أشار في أحد نصوصه، الى أن الأثريات باتت ألصق التخصصات بالتطور البحثي العلمي التاريخي، وأنها بلغت حدا من الدقة والتفنن. وعليه، يسجل للنهج الاركيولوجي ما كان له من فضل وأثر في جعل المعرفة بكثير من الدقة والمصداقية، تجاه ما هو ماض من أحداث ووقائع تاريخية وبصمات مادية ولا مادية.