بين تونس وبوكوطا آلاف الكلمترات..
تازة بريس
عزيز رباكً
بين تونس وبوكوطا آلاف الكلمترات، مسافة اختزلت دبلوماسيا في خطوتين استهدفتا بشكل مباشر قضية المغرب الاولى. أن يتبنى نظام الحكم الجديد في كولومبيا موقفا معاديا للوحدة الترابية للمملكة بإلغاء قرار سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، فهذا أمر ليس مستغربا على ضوء تقلبات الانظمة وغياب الثوابت في السياسات الخارجية لمعظم انظمة دول أمريكا اللاتينية. فالنظام الجديد بقيادة كوسطافو بيترو نظام متشبع بالفكر اليساري. وكانت أول خطوة على مستوى السياسة الخارجية الغاء قرار سحب الاعتراف بالانفصاليين ارضاء لرعاة الانفصال بالقارة الافريقية وفي مقدمتهم الجزائر. هذا التحول في الموقف الكولومبي جاء متزامنا مع واقعة الدبلوماسيين المغربيين اللذين راحا ضحية سلوك متهور، ما جعل السؤال يطرح حول العلاقة إن كانت هناك علاقة بطبيعة الحال، بين موقف كولومبيا وسذاجة موظفي السفارة المغربية ببوكوطا. ومن المنطقي والحالة هذه، أن يتساءل المرء عن المعايير المعتمدة في اختيار موظفي التمثيليات الدبلوماسية في الخارج والتي اصيبت هي الاخرى مع الاسف الشديد بعدوى الزبونية والحسابات السياسوية. أما اذا تعلق الأمر بالحضور الدبلوماسي في مناطق حساسة من العالم كدول امريكا اللاتينية فهنا المسؤولية مضاعفة، ويتعين اختيار كفاءات وأناس بتجربة وخبرة للدود عن سمعة ومصالح المغرب لا أن يعين هناك اشخاص هم في بداية مشوارهم الدبلوماسي إرضاء للخواطر. ما وقع في كولومبيا هو درس وجرس انذار من الناحيتين الأخلاقية والمهنية، في انتظار ان تلقى الأضواء على الارتباطات المحتملة بين تقصير موظفي السفارة المغربية والتفريط في مكسب هام دبلوماسيا.
وعن تونس السقطة الكبرى، فلم تكد تجف الاقلام بخصوص واقعة بوكوطا حتى فاجانا الرئيس قيس سعيد بموقف متهور باستقباله بالاحضان وفوق السجاد الأحمر زعيم عصابة البوليزاريو، ما اثار غضب المغرب واستنكاره الشديد رسميا وشعبيا، كخطوة غير محسوبة العواقب من جانب رئيس فقد جانبا كبيرا من الشرعية الداخلية في تونس. وإقدام الرئيس سعيد وبهذا القدر من الوقاحة، على خرق قاعدة ما يسمونه في تونس ب”الحياد الايجابي” ازاء قضية مفتعلة من جانب النظام الجزائري، لم يكن أمرا مفاجئا بالنسبة لعديد المراقبين الذين استحضروا مواقف سابقة لم تكن في الواقع سوى تمهيد للسقطة الكبرى. نذكر منها على سبيل المثال الموقف في الأمم المتحدة من مسالة تجديد عهدة المينورسو في الصحراء المغربية، تلكؤ الرئيس سعيد في استقبال حسن طارق بعد تعيينه سفيرا للمغرب بتونس، وتقاعسه عن توجيه عبارات الشكر صراحة للمغرب ولملكه بعد المساعدات المقدمة لبلاده اثناء جائحة كورونا. في خضم هذه التفاعلات تبرز الدبلوماسية المغربية كلاعب رئيسي في المعركة، وهنا جاءت التقديرات متباينة بخصوص أداء السفير حسن طارق وفريقه، فمنهم من رأى ان طارق الاستاذ الجامعي ربما تعوزه الأدوات والأسلحة الدبلوماسية مقابل التركيز في تحركاته على العمل الجمعوي. وهناك من دافع عن هذا السفير ذي النزعة الاشتراكية كونه وجد نفسه في مواجهة آلة جزائرية راهنت وتراهن ماديا وعقديا، على تركيع بل وابتلاع نظام تونسي فاقد للسيادة الخارجية كما الشرعية الداخلية.