مؤسسة أرشيف المغرب تحتفي ب”تمغربيت” الراحل إدمون عمران المليح ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
في التفاتة نبيلة منها ضمن ورشها المفتوح في شأن جمع الأرشيفات الخاصة، افتتحت مؤسسة أرشيف المغرب أمس الخميس معرضا خاصا في احدى أروقتها بالأديب والسياسي المغربي الراحل إدمون عمران المليح بالعاصمة الرباط. ولعل هذا المعرض الذي يمتد الى غاية ربيع السنة القادمة، يستحضر مسار هذا الاسم في مجال الأدب والسياسة والصحافة..، من خلال وثائق أعماله ومواقفه حول هذا وذاك من القضايا المغربية والعربية والانسانية. هكذا حط أرشيف الراحل إدمون عمران المليح بمؤسسة أرشيف المغرب ، وقد استهدف الانصات لـ ” تامغربيت” هذا الاسم من خلال أعماله الابداعية ووعيه وهويّته وذاكرته وتعدد مشارب ثقافته، وليكون أرشيفه الخاص رهن اشارة البحث والدراسة، تنويرا وحفظا لرسالة هذا الأخير حول ثقافة وقيم السلم والتعايش والحوار والتسامح.
ولعل مما أثث معاني ودلالات معرض الرباط حول “المليح” (1917- 2010)، ما هناك من مواقف لمواطنين مغاربة بارزين ولدوا لأسر مغربية يهودية، من قبيل إدمون عمران المليح وأبراهام السرفاتي وسيون أسيدون، والذين ندّدوا بقتل إسرائيل للمدنيين العزّل بقطاع غزة ولبنان، عندما أوردوا وقالوا ذات يوم من أواسط تسعينات القرن الماضي: “مرة أخرى دولة إسرائيل مصابة بجنون القتل، وتسوق إلى الأوج سياستها الإرهابية الانتحارية بالمشاركة الدبلوماسية واللوجيستيكة النشطة للولايات المتحدة (…) لا سلام ولا تفاوض، تبقى دولة إسرائيل مرتكزة على هدفها الثابت: اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتحاول رمي مسؤولية جدلية المقاومة/القمع على المقاومة الفلسطينية واللبنانية! نحن الموقعين أسفله على عكس أي منهج طائفي، نوجه هذا النداء إلى جميع من يتمتعون بامتياز اعتبار أنفسهم مغاربة يهودا أو يهودا مغاربة، هنا في بلدنا وفي كل أنحاء المعمور. ونناشدهم التعبير بكل وضوح عن معاناتهم كبشر نساء ورجالا أمام الجرائم التي ترتكب (…) ليقفوا من أجل وضع حد لحمام الدم الناتج عن سياسة إسرائيل الإرهابية الانتحارية”.
وفي علاقة بروح إدمون عمران المليح وبمعرض الرباط المنظم لفائدته من قبل مؤسسة أرشيف المغرب، من جملة ما جاء في ورقة تأطيرية رفيعة المستوى أعدها بهذه المناسبة الأستاذ خالد عيش، كون الذاكرة من مكونات لهوية الوطنية الأساسية إلى جانب ما هناك من مكونات أخرى تجسدها عناصر الثقافة المميزة، من قبيل التاريخ والأرشيف واللغة والعقيدة والتراث بكل تجلياته المادية واللامادية. وأن هذه الذاكرة تعد فضاء تمتزج داخله هذه العناصر وتتفاعل لإنتاج نسق معين يخص العيش في مجال جغرافي يختزله مفهوم الوطن. مضيفا أن هذه الذاكرة التي تؤدي دورها في إذكاء الهوية الوطنية وتماسك مكوناتها، هي بحاجة دوما للصيانة حتى تستمر وتعيش، فضلا عن الحاجة لإيقاظها من سباتها أمام ما قد يكون طواها من نسيان. مشيرا الى أن سبيل ذلك يكمن فيما ينبغي من اهتمام بدراسة التاريخ وتثمين التراث واحترام المعتقدات، وكذا وإحياء العادات والتقاليد المشتركة وترسيخ لغات التواصل، فضلا عن حفظ الأرشيفات وتثمينها لدورها الأساسي في إعادة تركيب هذه الذاكرة، التي تكونها الثقافات المجتمعية داخل المجتمعات المتعددة التركيبة الإثنية والدينية والعرقية والثقافية بكيفية خاصة.
ورقة معرض الرباط حول شخص”إدمون عمران المليح”، أوردت أن هذه اللحظة جاءت وعيا بدور الأرشيف في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وأن على هذا الأساس تواصل مؤسسة أرشيف المغرب تنفيذ وتنزيل ورشها وخطتها وتطلعاتها في مزيد من جمع أرشيفات الخواص، باعتبارها مصدرا زاخرا رافعا يمكن استثمارها في إذكاء الذاكرة المجتمعية وصياغة مختلف أشكال تثمينها، فضلا عن الحاجة الماسة لحمايتها وحماية قيم المجتمع المغربي ضد أشكال الغزو الإيديولوجي والاقتصادي والثقافي. هكذا تثمن مؤسسة أرشيف المغرب في معرضها هذا بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف، أرشيفات إدمون عمران المليح المعززة للأنشطة المثمنة لمكونات وتعدد الهوية المغربية، وتضع بين أيدي عموم الباحثين إرثا أدبيا وفكريا وفنيا نفيسا يمكن الاستنارة به لدراسة تاريخ البلاد واستحضار ذاكرها وتراثها الرمزي.
مع أهمية الاشارة لِما احتوته ورقة المعرض هذه من حديث حول”التامغربيت”، التي طبعت عمران المليح وأطروحاته الفكرية ونصوصه الإبداعية في أسمى معانيها، لكونه جسد معنى أن يكون المغربي مغربيا حقيقيا مؤمنا بمجتمعه وبحضارة بلاده وبقيم حوار حر وعميق من أجل مغرب متحضر مستقر مؤمن بالقيم الكونية المتسامحة. وأن “التمغربيت” تقاسمها إدمون المليح في بيته وأثاثه الأصيل المغربي التقليدي، ولقاءاته مع النخبة المغربية بجميع أطيافها، الأكاديمية والسياسية والثقافية والفنية وغيرها سواء داخل المغرب أو خارجه، مع ما هناك من تقاسم لأفكار وتجارب ونمط عيش وطبيعة صداقة وود وكرم وغيره من الصفات النبيلة الانسانية.
تبقى إلتفاتة مؤسسة أرشيف المغرب صوب روح وارث وبصمة إدمون عمران المليح المغربية، بقدر كبير من الأهمية لِما يمكن التقاطه منها من اشارات رفيعة الرمزية، من أجل ما ينبغي من عبرة لدى الناشئة والاجيال حول ما طبع حياة هذا الرجل من تميز وعصامية ونضال وإصرار ومثابرة وبذل، لإنجاح طموحاته وتطلعاته في الكتابة والنشر والفكر والابداع والرأي والتواصل رغم ما اعترضه من صعاب في حياته. فكان بكل هذا وذاك من التجارب والاجتهاد والحس الانساني والوعي الاجتماعي، نموذجا حقيقة لـ” تمغربيت” بتعبير مدير مؤسسة أرشيف المغرب الأستاذ المؤرخ جامع بيضا، الذي تسجل له ومن خلاله لكل أسرة مؤسسة أرشيف المغرب، هذه الالتفاتة النبيلة في دلالاتها صوب روح إدمون عمران المليح، الذي لا شك أنه سيظل اسما وعلامة انسانية رمزية شامخة في ذاكرة المغرب والمغاربة الجماعية.