فاس الجامعية تحتفي بالذاكرة البحثية التاريخية الرمزية المغربية العثمانية
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
عميد سابق لكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، له مساحة أبحاث واسعة ودراسات عدة رفيعة توجهت بعنايتها لزمن الدولة العثمانية في علاقتها ببلاد المغارب، التي ارتبطت بها منذ النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي كما هو غير خاف عن باحث ومهتم، حيث ساهمت المنطقة بشكل فعال في التاريخ العثماني من خلال انخراطها في جل وقائع وأحداث تاريخ الدولة العثمانية، لدرجة يمكن القول معها أن رهان العثمانيين في العالم المتوسطي خلال هذه الفترة ارتبط الى ابعد الحدود بولايات الشمال الافريقي، مع ما يسجل حول درجة الحضور العثماني ببلاد المغارب جغرافيا وزمنيا.
من اصداراته حول الزمن العثماني التي اغنى بها الخزانة التاريخية المغربية والعربية، كتاب”العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة”، الذي أورد عنه ذات يوم الفقيد عبد الرحمن المودن في تقديم متميز له، أنه عمل تركيبي شامل وإضافة مفيدة نوعية لحقل الدراسات العثمانية، فضلا عما طبعه من نظرة دقيقة عن العثمانيين في مستويات عدة ومتكاملة. مشيرا الى أن ندرة ما كتب باللغة العربية عن العثمانيين، وإساءة فهم نصوص أصلية في أعمال مترجمة عدة بخصوص هذا المجال، كانا وراء هذا الانجاز الجامعي الذي تعقب تطور تاريخ الدولة العثمانية ومؤسساتها السياسية وجوانبها الاقتصادية والثقافية، عبر مراحل وجودها منذ بداية القرن الرابع عشر إلى نهاية القرن العشرين عبر تعدد مداخل وزوايا نظر . منتهيا في تقديمه قائلا: “إن هذا العمل يمثل زبدة عقدين من البحث والتدريس والاشراف في مجال الدراسات العثمانية، فلا غرابة أن نجد فيه أثر مستجدات البحث في هذا الميدان باللغات الفرنسية والانجليزية والتركية، ومن هذا الباب فهو اضافة ايجابية لا شك في فائدتها بالنسبة لحقل الدراسات العثمانية باللغة العربية، بل انه يحق التأكيد أن هذا العمل يعد لبنة جديدة في الاسهام المغاربي المتميز في الدراسات العثمانية باللغة العربية، والذي يتصف باتزانه وانفتاحه وحرصه المنهجي ومتانته العلمية.”
صاحب مؤلَّف “العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة”هذا، وضيف شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، وضيف ندوة فاس العلمية الوطنية الموسومة ب”قراءات في أبحاث مغربية عثمانية”، هو المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والتاريخ العثماني عبد الرحيم بنحادة. وضيف فاس وكلية الآداب سايس فاس وضيف هذا الموعد التكريمي هو عميد سابق لكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط سابقا، ومدير مختبر”المتوسط والعالم الإسلامي” ومدير مجلة هسبيريس تمودا من 2009 إلى 2014. عضوا ايضا في اللجان العلمية للمركز الوطني للبحث العلمي بالرباط واللجنة العلمية للمكتبة الوطنية، وعضوا في هيئة تحرير مجلة المناهل منذ 2008 والهيئة الدولية لمجلة إرسيكا بإستانبول، واللجنة الاستشارية لموسوعة Historians of the Ottoman Empires، والجمعية المغربية للبحث التاريخي. فضلا عن مساحة إشراف وتأطير لعدد من الأطروحات والرسائل الجامعية حول العالم المتوسطي في العهد العثماني، ناهيك عن اسهامات في عدد من الأعمال الجماعية من قبيل”تاريخ المغرب: تحيين وتركيب”، “كرنولوجيا تاريخ المغرب” وغيرها. ويسجل لضيف فاس وندوة كلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس، فضله في نشر عدد من النصوص التاريخية التي تهم تاريخ المغرب من قبيل”تاريخ الدولة السعدية” لمؤرخ مجهول، و”رحلة الوزير في افتكاك الأسير” للوزير الغساني، و”رسالة في اليهود” لمحمد بن عبد الكريم المغيلي. فضلا عن اشرافه على سلسلة كتب جماعية اهتمت بتاريخ بلاد المغارب والعالم المتوسطي في العهد العثماني، من قبيل:”المغارب بين الأرشيفات المحلية والمتوسطية”، و”انتقال الأفكار والتقنيات في المغارب والعالم المتوسطي “، و”شبكات التواصل في المغارب والعالم المتوسطي”، و”السفر في العالم الإسلامي: التواصل والحداثة”. ومن كتاباته الرفيعة المستوى ايضا هناك “الدولة العثمانية: المؤسسات والاقتصاد والثقافة”، ثم “المغرب والباب العالي من منتصف القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر”. وقد خصص معظم مقالاته للتعريف بالإنتاج التاريخي والسفاري في الدولة العثمانية والمغرب ولقضايا الأرشيف العثماني.
يذكر أن ضيف ندوة فاس العلمية الوطنية هذه، حاصل على دكتوراه الدولة في الآداب جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس 1996، شهادة الدرجة الثالثة في اللغة التركية من جامعة إستانبول تركيا 1990، دبلوم الدراسات العليا في التاريخ جامعة محمد بن عبد الله فاس 1987، دبلوم الدراسات الجامعية العليا في التاريخ جامعة محمد بن عبد الله فاس 1984، الإجازة في التاريخ من جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس 1982، ثم الباكالوريا في الآداب العصرية مراكش 1978. وقد ارتبط مجاله الحيوي البحثي، بتاريخ المغرب الحديث وتاريخ العلاقات الإسلامية- الإسلامية وتاريخ العلاقات بين الدولة العثمانية وأوروبا من القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر، فضلا عن اهتمامه في السنوات الأخيرة بالأستوغرافيات والتاريخ لطرائق الكتابة التاريخية في تركيا والمغرب. ولعل من مشاريعه البحثية، هناك الأطلس التاريخي لمدينة فاس، المشاريع المندمجة بين المغرب وفرنسا، أربعمائة سنة من التبادل الديبلوماسي بين المغرب وإسبانيا وزارة الخارجية الإسبانية، سفراء مغاربة في مدريد، وكالة الإسبانية للتعاون الدولي، المغارب في الأرشيفات العثمانية، المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، الرباط، شبكات التواصل في المغارب والعالم المتوسطي، اللجنة المغربية التونسية للتعاون، الرحلة والغيرية، اللجنة المغربية التونسية للتعاون، الأقليات الدينية في العالم المتوسطي، رقمنة قاموس الأعلام لشمس الدين سامي، جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية..الخ.
ندوة فاس وشعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس التي تحتفي بالمؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والعميد عبد الرحيم بنحادة، الذي شغل ولا يزال منصب مدير برنامج التاريخ وعميد معهد الدوحة للدراسات العليا بدولة قطر، وكذا رئيس تحرير مجلة “أسطور” منذ سنوات الى الآن. ندوة فاس هذه تتوزع على برنامج ومادة جامعة بين ما هو فكر ونهج ومعرفة وبحث ونص تاريخي وبين ما هو ذاكرة وشهادات واحتفاء رمزي انساني. ومن ثمة حفل تكريم وعرفان تؤثثه عدد من الأسماء المتميزة الحضور في مجال البحث والدراسات التاريخية بالجامعة المغربية، من قبيل محمد الغاشي المؤرخ وعميد كلية الأداب بتطوان، عبد الحي الخيلي عن كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، حنان السقاط كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، محمد حاتمي كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، محمد حبيدة كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، العوني الحاج موسى كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، وفاء المصمودي كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، سمير بوزويتة كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، مينة المغاري كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، ماجدة بنحربيط كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، محمد الولي كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، محمد شكري العراقي الحسني كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، حسن حافظي علوي كلية الآداب بالرباط، محمد اليزيدي كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس.
وتؤطر ندوة فاس “قراءات في أبحاث مغربية عثمانية”، كلمات افتتاحية لكل من رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله الأستاذ الدكتور مصطفى الجاعلي، ثم السيدة مديرة الوثائق الملكيةبالرباط الأستاذة الدكتورة بهيجة سيمو، صاحبة عدد من الدراسات والابحاث والاسهامات البحثية التاريخية الرصينة، من قبيل كتاب”العلاقات المغربية الايطالية” الذي يعد نصا تاريخيا بقدر كبير من القيمة المضافة والأهمية، ببصمة وهيبة خاصة في خريطة البحثي العلائقي المغربي التاريخي خلال فترة القرن التاسع عشر، لِما طبعه من طرح وتوثيق وأرشيف ونهج ومن ثمة من مقاربة، فضلا عما ميزه من سبق تأصيل للعلاقات المغربية الايطالية، بحيث بقدر ما أضاف شيئا لتاريخ أوربا بقدر ما ابرز أشياء في تاريخ المغرب. بل يسجل له نجاحه في رسم وضع للبلاد ضمن تفاعلات متوسطية خلال فترة دقيقة، وأنه كان اضافة نوعية للخزانة التاريخية المغربية موفراً نصاً رصينا أبان عن عمق تاريخ وعلاقات ورمزية مشترك بين بلدين متوسطيين المغرب وايطاليا. واذا كانت الأستاذة بهيجة سيمو ممن اسس وساهم في ورش تاريخ العلاقات المغربية الأجنبية بالجامعة المغربية خلال فترتها الذهبية، فإن دراستها لـ”العلاقات المغربية الإيطالية”التي صدرت في أزيد من ثمانمائة صفحة. جاءت بإشكالات تاريخية عدة جمعت بين سياق دولي طبع النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبين توثيق ووثائق نفيسة عن أرشيف ايطالي وفرنسي وآخر عن الفاتيكان، فضلاً عن آخر مغربي شمل مستندات ومضان رحلات سفارية ومذكرات وغيرها. ما جعل عملها العلمي التاريخي حول العلاقات المغربية الايطالية من اعظم ما أنجز بالجامعة المغربية في هذا الاتجاه، وعليه، ما هو عليه من قيمة مرجعية رافعة للبحث والباحثين. وأما الكلمة الثالثة المؤطرة لندوة فاس هذه، فهي لعميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس بالنيابة الأستاذ الدكتور سمير بوزويتة، وهو باسهامات عدة غنية عن التعريف في تاريخ المغرب إن في بعده الوطني المعاصر والراهن، أو العلائقي من قبيل “العلاقات المغربية الأمريكية الجنوبية” و”العلاقات المغربية البلجيكية” و”العلاقات المغربية الهنغارية” وغيرها.
تبقى ندوة فاس الوطنية هذه”قراءات في أبحاث مغربية عثمانية”، بقدر ما هي احتفاء بشخص المؤرخ العميد عبد الرحيم بنحادة، وبما كان له من اسهام وإغناء لحقل البحث التاريخي والدرس الجامعي، وبما أسداه للمعرفة التاريخية الأكاديمية وللتأطير والاشراف والبحث والدراسات خدمة للجامعة المغربية لعقود من الزمن، بقدر ما ندوة فاس هذه ومن خلالها هذا الاحتفاء والتكريم الرمزي هو وعي بقيمة وأهمية الموارد العلمية البحثية الجامعية وتثمين للرأسمال الجامعي الوطني في كل تجلياته واهتماماته ومهامه، وهو ايضا ترسيخ لقيم وسلوك وثقافة وروح الاعتراف لرفع منسوب ما ينبغي من عطاء وسمو واجتهاد وبذل وتلاقح ومن ثمة من تعاون وتآزر وحب ووفاء في الوسط الجامعي.
هكذا هي ندوة فاس وشعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، رسالة امتنان وعرفان وتقدير من باحثين جامعيين ومن ثمة من نخب بحث وثقافة ومعرفة وعلم وتكوين وتأهيل وتأطير جامعي، تجاه المؤرخ الاستاذ الباحث والعميد عبد الرحيم بنحادة، لما كان له وما هو عليه من وضع واسهام وموقع اعتباري بحثي اكاديمي رفيع المستوى، ومن فضل ودور في الرقي بشأن البحث والدراسات التاريخية ومن خلالها بمكانة الجامعة المغربية واشعاعها وطنيا ودوليا. ولما كان له ولا يزال ايضا من تميز جهد وعمل ووفاء وتنقيب واضافات، فضلا عن قيم وطنية أصيلة طبعت أداءه وأداء غيره من رفاق دربه من النخبة التي صنعت مجد جامعة مغربية ومن خلالها مجد وطن.
إن ندوة فاس التي ارتأتها شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس لفائدة هذه المعلمة الباحثة الجامعية المغربية “عبد الرحيم بنحادة”، هي استحضار لمسيرة هذا الأخير الحافلة بالعطاء في حقل البحث الانساني بالجامعة المغربية، وهي تعريف ايضا بِما هناك من بصمة مستحقة لكل التفات وانصات، ترسيخا لقيم اعتراف لأهل العلم والمعرفة والبحث والدراسات بفضلهم وسبقهم. ولعل اسهامات الأستاذ بنحادة في حقل تاريخ المغرب وفيما هو علائقي مغربي عثماني خاصة، يصعب القفز عليه عند كل توثيق واعتماد في هذا المجال. وما يحتويه برنامج ندوة فاس التكريمية هذه من أسماء ومداخلات وقراءات وشهادات خير دليل على ذلك. كما أن الالتفات لشخص عبد الرحيم بنحادة من خلال هذا الاحتفاء، بقدر ما هو مناسبة لابراز بعض توهج هذا الأخير العلمي الجامعي، ومساحة لبسط زخم انتاجه البحثي الذي سبر عبره أغوار التاريخ العثماني في علاقته ببلاد المغرب، وما كان عليه من درس لسنوات وسنوات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط. بقدر ما ندوة فاس هذه، هي رسالة عرفان واعتراف وحرص على توجيه تحية وتقدير خاص للأستاذ بنحادة، على ما أسداه من عمل وما كان له من نصوص رفيعة اغنت خزانة المغرب التاريخية.
هكذا تروم ندوة فاس قراءة كفاح الاستاذ عبد الرحيم بنحادة وبصمته وريادته، وما كان عليه من تطلع في مجال البحث التاريخي والدرس والمحاضرة والبحث والكتابة والتأليف على ايقاع صوفية زمن مغربي عثماني، كباحث قدير ومؤرخ جمع بين عمق بحث ورصانة اضافة وتميز ونبوغ. ولعل هذا الاحتفاء بفاس هو اعتراف بجميل الإنسية البحثية التاريخية المغربية، و اعتراف بقيمة عطاء وخصوصية بذلٍ وطاقة تكوين وغنى تجربة. وهكذا ايضا تروم كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس من خلال جهود ومبادرات عميدها الأستاذ سمير بوزويتة، ترسيخ قيم اعتراف وامتنان وعرفان وتقدير صوب كل باحث ومن ثمة كل ما هو رافع من ثقافة وبادرة وتشارك ومعرفة وتكوين وتأطير . وغير خاف ما كان لهذا الأخير خلال السنوات الأخيرة من دور معبر في إغناء مسار وذاكرة وموقع كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، ومن خلالها موقع واستشرافات الجامعة المغربية وتطلعاتها.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث