تازة : دوري رمضاني لكرة القدم يستحضر روح الاقتصادي التازي عزيز بلال..
تازة بريس
ولد عزيز بلال بمدينة تازة في الحي الشهير بحي الجامع الكبير بتازة العليا المدينة العتيقة، كان ذلك سنة 1932 في دار عريقة بزنقة العالم ابن عبد الجبار التي قطنت وسكنت بها عده أسر اصيلة تازية من قبيل أُسرة البروفسور عبد المجيد بلماحي ثم محتسـب المدينة الحاج المقري. وكانت فترة دراسة عزيز بلال الأولية بمدينة تازة والثانوية بمدينة وجدة، قبل التحاقه بفرنسا لمتابعة دراسته العليا حيث حصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية حول الاستثمار في المغرب، وهي الأطروحة التي حصلت على جائزة جامعة كًرونوبل. عندما بلغ الراحل عزيز بلال الثامنة عشرة من عمره وجد نفسه عضوا بالحزب الشيوعي المغربي وبعد منع الحزب ظل ملتزما بالسرية، وتولى قيادة فرع الرباط لما اتخذ الحزب تسمية “حزب التحرر والاشتراكية” قبل أن يمنع، وبعد رفع الحظر كان ضمن قيادة “حزب التقدم والاشتراكية” عضوا فعالا بالمكتب السياسي.
وقد عمل بكل من وزارتي التخطيط والعمل وشارك في صياغة أول مخطـط مغربي وكذا في مشروع الضمان الاجتماعي، فضلا عن تأسيس جمعية الاقتصاديين المغاربة. كان أستاذا كبيرا لمادة الاقتصاد السياسي بكلية الدار البيضاء، ومن الأوائل الذين وضعوا أُسس التعليم الجامعي في ميدان الاقتصاد. نشر عدة مؤلفات حول الاقتصاد المغربي حيث تميز ببراعة في التحليل، فضلا عن انشغاله بقضايا المجتمع، وكان قادرا على تبليغ معنى الفرق بين التنمية والتخلف، كما كان مناضلا حزبيا في الميدان يطبق ما يؤمن به، ويرفض إملاء التعليمات من وراء حجاب أو فرض موقف دون الإقناع والاقتناع. بعد نهاية سبعينيانت القرن الماضي دخل المغرب عشرية الثمانينيات، والتي ستتميز بخضوع المغرب لبرنامج التقويم الهيكلي، كحل فرضته الدول الامبريالية السابقة على البلاد بعد بلوغها حالة الاختناق سواء على مستوى الوضع الاقتصادي أو على صعيد الدين الخارجي. ففي ماي من سنة 1982 كان الإعداد لهذا البرنامج المشؤوم الذي سيطبق سنة 1983 قد بلغ منتهاه. كان عزيز بلال حينها عضوا بالديوان السياسي ومستشارا بلديا وخليفـة رئيس الجماعة الحضرية لعين الذياب بالدار البيضاء. وكان يعد مع طلبته لامتحانات نهاية الموسم الدراسي الجامعي. في هذه الأجواء جاء اقتراح مشاركة مسؤول من بلدية عين الدياب في إطار مهمة إنجاز عملية توأمة بين مدينتي الدار البيضاء وشيكاغو الأمريكية، حيث تم إخبار عزيز بلال بالموضوع لكنه اعتذر بسبب ارتباطاته الحزبية والعائلية العملية.
وكان الاعتذار غير كاف فقد ألحوا عليه، فما كان من رجل متواضع وخلوق إلا أن يستسلم لطلب السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي منها سيشيع يوم 23 ماي 1982 النبأ الفاجعة عبر قصاصة اعلان وفاة عزيز بلال في حريق بأحد فنادق شيكاغو، حيث كان يقيم وحيث كان يقوم بواجبه كنائب لرئيس جماعة سيدي بليوط عين الذئاب. تاريخ يؤرخ لموت سيظل غامضا رغم مرور أزيد من أربعة عقود على وقوعه، خصوصا أن من سافروا معه ورافقوه ونزلوا معه في نفس الفندق، من أعضاء الوفد المغربي عادوا جميعا إلى وطنهم وأهلهم سالمين.
عزيز بلال ابن تازة هذا يستحق كل تذكر واجلال كمفكر واقتصادي حمل على عاتقه عبء ما عانيه بلاده وبلدان العالم الثالث من بؤس واستغلال، وقد آمن بما سمي بـ “المسلسل الديمقراطي” داعيا إلى الانخراط في التجربة من أجل تعميقها، بدليل أنه تقدم للانتخابات البلدية لاقتراع 12 نونبر 1976، كمرشح عن حزبه، حزب التقدم والاشتراكية لنيل مقعد ببلدية عين الدياب. أربعة عقود اذن تمضي على رحيل ابن تازة ومعلمة المغرب الاقتصادية التي لم يجد التاريخ بعد بنظير لها. وشهادات من جايلوه تظل قليلة متناثرة لا تفي الرجل حقه ولا تقدمه للناشئة ولشباب اليوم الذي لم يعايش هذا المثقف والعالم الاقتصادي التازي المغربي.
كل هذه السنوات تمضي والحاجة لازالت ماسة لعزيز بلال، فالمغرب وشعوب العالم الثالث عموما التي عاشت وهم الازدهار بعد الاستقلال، وجدت نفسها بعد مرور عشرات السنين من استقلالها السياسي في حيرة وارتباك أمام تيار التبعيات الاقتصادية والتكنولوجية والمالية الجارف، لازالت تعاني الاستغلال ذاته رغم تلونه بتلون مخارج الأمبريالية الجديدة التي تبحث باستمرار عن مخارج لأزمات نظام رأسمالي أنهكته صعقات المضاربات المالية التي أنتجت أزمات حادة باتت تداعياتها تطول أكثر من السابق، فما أحوج البلاد اليوم لشخصية كشخصية عزيز بلال التي ذاع صيتها عبر العالم وضاهى بها المغرب هامات الغرب والشرق. كان الأمل بأن يحظى عزيز بلال التازي وغيره من الشخصيات الكبيرة التي رحلت الى دار البقاء، بما يليق بمكانتهم وأن تصدر عنهم كتب أفلام وثائقية، مستحضرة سيرتهم وجوانب من شخصياتهم التكوينية والعلمية الاستثنائية ومزاياهم الإنسانية والعملية ومنهج تفكيرهم، وإسهاماتهم الوطنية والكفاحية والنقابية والفكرية. وكم هو جميل استحضار هذه الروح التازية العلمية والفكرية البحثية الاقتصادية الوطنية في شهر رمضان الكريم، من خلال منظمة الكشاف الجوال فرع تازة، عبر تنظيم نشاط رياضي ودوري رمضاني يستحضر رمزية هذا الاسم التازي لدى الجيل الجديد.