الأدب المغربي زمن الحماية..أطروحة جامعية حول شخصية ابن موسى وأثره
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
بكلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان جرت مؤخرا مناقشة أطروحة جامعية أعدها الطالب يونس السباح، لنيل دكتوراه في الآداب تكوين النص الأدبي القديم في موضوع موسوم ب “الوزير الشاعر محمد بن عبد القادر بن موسى ..الشخصية والأثر”، هذا أمام لجنة علمية مكونة من الأساتذة: دة جميلة رزقي عن كلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان رئيسة، ود. أحمد بوعود عن كلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان مشرفا، ود يوسف بنلمهدي عن كلية اصول الدين بتطوان مشرفا، ود. الحبيب ناصر عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء عضوا، ود مصطفى بوجمعة عن كلية أصول الدين بتطوان بصفته عضوا.
أطروحة الطالب الباحث توجهت بعنايتها للأدب المغربي زمن الحماية، ولعله موضوع أحيط بكثير من البحث والدراسة والكتابة، غير أن بعض اعلام هذه الفترة لم ينالوا ما ينبغي من تعريف ودراسة وبحث، من قبيل وزير الأدباء وأديب الوزراء أبو عبد الله محمد بن عبد القادر ابن موسى المراكشي أصلاً وولادةً، التّطواني داراً ووفاةً (ت: 1385- 1965). وقد استحضره الأطروحة بشريفُ الأصل وخطيرُه وحليفُ الفضل وسميرُه ورصينُ الأدب الجزل ونصيرُه، وأمينُ البيان وأميرُه، ويتيمة تاج الفخر، فلو طولب الزّمان له بثانٍ لعزّ عليه نظيره. شّخصية قال عنها أنها الفذّة هو من أعلام المغرب المعاصرين ومن شخصياته الفذة التي جمعت بين العلم والأدب والتصوف والسّياسة، مع التمكّن والمهارة ورسوخ القدم.
ولعل الوزير الشاعر محمد بن عبد القادر بن موسى، شخصية أدبية أنجبتْها مدينة مراكش عام 1880م، فقد عاش في بيئة علمية عُرف معظم أفرادها بخدمة المخزن، واطّرد فيهم النّبل، وجودة الأسلوب، وجمال الخط، علاوة على سموّ الأخلاق، ونظافة اليد، وطهارة القلب. تجاذبته الأقطار، فرحل إلى جامع القرويين بفاس، وأخذ على جِلّة علمائها وكان في طليعتهم الشيخ أحمد بن المامون البلغيثي، وأحمد بن الخياط الزكاري، ولمّا تمّ له ما أراد، انصرف إلى العمل ضمن الوظيف المخزني بمدينة العرائش إبّان الاحتلال الاسباني، رفقة صهره فيما بعد الباشا الفاضل بن يعيش، وظلّ كاتباً معه وتاجراً أيضاَ، إلى أن عيّن أميناً للصندوق بالديوانة بها، ثم بعد مدّة عيّن وزيراً للأوقاف بالحكومة الخليفية بمدينة تطوان، إلى أن أعفي منها بعد نحو عشرين سنة، حيث أصبح عضواً بالمجلس الخليفي مدّة قصيرة قبيل الاستقلال، وبعد عمر عامر وكفاح مستمرّ وعطاء متجدّد، توفّي بمدينة تطوان ليلة الجمعة 12 رجب 1385هـ الموافق لـ 6 نونبر 1965م.
وقد أورد الطالب الباحث يونس السباح في عرضه العلمي أما لجنة المناقشة ، أن اهتمامه بالرّجل بدأ من خلال وقوفه على مقولة مؤرّخ تطوان الأستاذ محمد داود، وهو يتحدّث عن شعراء تطوان في تكملته لتاريخها، حيثُ قال ما نصّه: “تطواني شاعر حقيقة، هذا ما لم أعرفه حتّى الآن، أمّا الملفّقون للكلام على صورة الشّعر فعديدون”[1]. وقد تناقشتُ حينها في الموضوع مع أستاذنا محمد بوخبزة، وفسّر لي المقصودَ، وأنّه لا يوجد شاعر ذو أصول تطوانية بعيدة، وزاد على ذلك بأن قال لي: إنّ شعراء تطوان يُحملون على كونهم أدباء فقهاء، لا شعراء بالمعنى الدّقيق للشّعر، فسألته: هل يطّرد هذا حتّى في الواردين عليها من مختلف الجهات، وممّن ينتسبون إليها بالوفاة؟ فذكر لي: أن الأمر يصدق على ثلاثة أفراد فقط في تاريخ تطوان، وهم المحَمَّدُون حسب الوفاة: (محمد الحراق) و (محمد ابن موسى) و(محمد الحلوي). فالأول من شفشاون، والثاني من مراكش، والثالث من فاس، وكلهم استقرّوا بتطوان ودفنوا بها. ثمّ أردفتُ سؤالاً آخر متفرّعاً على جوابه، وهو: من أشعر الثلاثة؟ فأجاب: بأنّ الحراق يتفوّق على الجميع في الملحون، وابن موسى عليهم جميعاً في الموزون، ثمّ ساق أمثلةً على ذلك من محفوظاته لهذا اللفيف المقرون.
كانت هذه أوّل علاقة للطالب الباحث بالوزير الشّاعر محمد ابن موسى، قبل أن يتعرّف عليه عن قُرب من خلال إنتاجه الأدبي، ومن هنا انطلق عمل بحث وسؤال توزعا على: لماذا لم يذكره صديقه الأستاذ عبد الله كنّون في نبوغه؟ ولِمَ لمْ يحتفظ لنا بنصّ من اختياره ضمن النّصوص المختارة في الكتاب؟: لمَ لمْ يوردْه الأستاذ محمد بنتاويت التّطواني في كتابه “الوافي بالأدب العربي بالمغرب الأقصى” وهو بلديُّه ويعرفه عن قرب بتطوان؟ ولِمَ لمْ يعرّف به الأستاذ محمد بن العباس القبّاج في كتابه: “الأدب العربي في المغرب الأقصى” وفيه من هو دونه علماً وسنّاً؟ ولِمَ ظلّ الشاعر الأديب الوزير محمد ابن موسى وهو أشهر من نار على علَم في وقته؛ مغموراً لا يكاد يعرف إلاّ عند النّخبة المثقّفة في حدود ضيقة جدّاً.
هكذا بدأت إشكالات البحث والتنقيب من اجل ما ينبغي من أجوبة شافية حول أسئلة من قبيل: هل مواقف الوزير الشاعر محمد بن عبد القادر بن موسى السّياسية في الفترة الحرجة التي عاشها المغرب، عقب نفي سلطانه الشرعي محمد الخامس إلى المنفى وبعد رجوعه إلى استقلال المغرب، وهي الفترة التي أعفي فيها من الوزارة، أم علاقته القويّة بالمخزن وكبار رجال الدّولة أثّرت وغطّتْ على مكانته العلمية؟ هذا قبل مقارنته ببعض الأعلام من ذوي المشاركة الكبيرة في ميدان الأدب والفقه ممّن طُوِيَ بساطُهم، وانمحى ذكرهم، وعلى رأسهم مندوب السلطان بطنجة محمد بوعشرين، والقاضي محمد ابن رحمون وغيرهم. اسئلة وغيرها طبعت جمع تراث الشاعر ابن موسى من بطون الصّحف وثنايا الأوراق والكنانيش، الى حين اللقاء بابنته زينب ابن موسى، وهو ما سمح بتجاوز كثير من الغموض واللَّبس المتعلّق بجوانب من سيرة والدها، هكذا كان ما قدمه الطالب يونس السباح في اطروحته، حصيلة جهده وتنقلاته بين الخزائن وسؤال أهل العلم وما تم الوقوف عليه من أرشيفات خاصة وعامة، بل وزيارة أقارب ابن موسى بمدينة مرّاكش والوقوف على البيت الذي ولد به واستخلاص أفكار حول شخصيته. مشيرا الى أن من الخزائن التي استفاد منها: مؤسسة أرشيف المغرب ومديرية الوثائق الملَكية بالرّباط، ومؤسسة محمد داود ومؤسسة محمد بوخبزة بتطوان، والأرشيفات الخاصة كأرشيف الفقيه العدل الكاتب محمد الزّرهوني وأرشيف الفقيه القاضي محمد المرير، وأرشيفات السفير الأستاذ بوبكر بنّونة، وصديقه الدبلوماسي الأديب الأستاذ التهامي أفيلال، وقد عاصروا الشاعر واحتفظوا ببعض إنتاجه.
لقد استهدف الطالب الباحث يونس السباح في اطروحته، تتبع واستيعات أثر الشاعر محمد ابن موسى مع ما ينبغي من تصنيف وفق المتعارف عليه أكاديمياً. فقام بدراسة حياة الشاعر متتبعا مراحل عمره من ولادته حتى وفاته، وما صاحب ذلك من محطّات، لفهم ظروفه وبيئته وإنتاجه الأدبي. وبخصوص القسم المتعلّق بالشعر اعتمد على الدّيوان الذي جمعه الأستاذ محمد بوخبزة فكان لبنة أساسية في العمل، فضلا عن قصائد عدّة من مختلف المصادر والمراجع. وأمّا تراثه النّثري الذي يشغل حيّزاً كبيراً من أثره والذي لم يسبق أن تطرّق إليه باحث، فقد جمعه فقسّمتُه حسب الموضوعات، حيث المراسلات الرّسمية التي كُتبت بأسلوبه، ثمّ خطبه الديوانية ثمّ رسائله المتبادلة بينه وبين أصدقائه وأعلام عصره، وما كتبه من مقدّمات للكتب، وما سطّره من عقود، فضلا عن فتاواه الشرعية المفيدةَ بأسلوبه الفقهي الأدبي، انتهاء بالرّسائل الإدارية الواردة والصادرة من باب التّأريخ وحفظاً من الضّياع. وسجل الطالب الباحث أن من الصعوبات التي واجهها وهو بصدد بحثه، غياب دراسة شاملة تجمع بين الأثر والتّحليل الأدبييْن، لاسيما وأنّ ما خلّفه الوزير الشاعر محمد ابن موسى ضاع وتفرّق أيادي سبأ، وعليه ما تطلبه الأمر من مجالسة لشّخصيات ومن خلالهم من جيل واكب الفترة
وقد توزعت أطروحة الطالب يونس السباح على ثلاثة فصول، الأوّل منها تناول سيرة الوزير الشاعر محمد ابن موسى، وقد تضمّن سبعةَ مباحث. الأوّل: في مصادر ترجمته. والثاني: في بيت ابن موسى بمراكش. والثالث: في الأصل والنشأة والتّكوين. والرابع: في وظائفه وعلاقاته المخزنية. والخامس: في خصاله وشهادات العلماء فيه. والسادس: في شخصيّته العلمية. والسابع: في وفاته وآثاره، ومن آثاره ذرّيته. أمّا الفصل الثاني من الأطروحة فقد فقد خصص لديوان شعر الوزير ابن موسى مع ترتيب القصائد ووضعها في سياقها واطارها الزمني، توثيقها مع الاشارة لمظانها سواء المخطوطة أو المنشورة في الصّحف، ضبط نصّ الدّيوان بالشّكل التّام، ترقيم قصائد الدّيوان ليسهل تناولها ومعرفتها، ترقيم أبيات القصيدة عند نهاية كلّ خمسة أبيات، لمعرفة عدّها تسهيلاً للباحث، تسمية أبحر كلّ قصائد الدّيوان، شرح ما أمكن شرحه من ألفاظ الغريب بالدّيوان، مع ذكر ما تضمّنه من تضمين، وما اشتمل عليه من أمثال، وأسماء الأعلام. وأما الفصل الثالث والأخير فقد تضمّن تراثه الأدبي النّثري، واشتمل على عشرة مباحث. الأوّل: في رسائله الدّيوانية. والثاني: في مراسلاته الإخوانية. والثالث: في مقالاته الصّحفية. والرابع: في مختاراته الأدبية. والخامس: في فتاويه الشرعية. والسادس: في مراسلاته الإدارية. والسابع: في خطبه المختلفة. والثامن: في خطبه بين يدي السلاطين والأمراء في مختلف المناسبات. والتاسع: في تدشين المؤسّسات الدّينية والثّقافية. والعاشر: تضمن مختلفات ممّا لا يدخل تحت مبحث ولا ينتظم في سلك.
في ختام أطروحته، أورد الطالب يونس السباح أن عمله هذا هو بآفاق بحثيّة هامة تخص دراسة متنها الشّعري والنّثري، استناداً لمقاربات منهجيّة مختلفة بهدف استخلاص سماتها الأسلوبيّة ومكوّناتها البلاغيّة. وأن عمله البحثي هو ايضا دعوة للباحثين للاهتمام بأعلام منطقة الشمال، أدباء كانوا أو غيرهم، لاستجلاء شخصياتهم، ومعرفة آثارهم، والاستفادة ممّا يمكن الاستفادة منه في مجال البحث في التراث الأدبي. وأن الشاعر الوزير من أبرز أعلام الأدب والسياسة في شمال المغرب، بدليل إنتاجه المعرفي الواسع، الذي جمع بين الأدب والسياسة واللغة والإدارة، فضلا عما هو إنساني يخص علاقته بأعلام عصره. هذا اضافة الى علاقة الوزير ابن موسى بملوك الدولة العلوية ومن كان في حكمهم من كبار الشخصيات، التي يمكن من خلالها تفكيك تاريخ منطقة الحماية الإسبانية وإعادة تجميعه من جديد، ومن خلال علاقاته ايضا بالخليفة السلطاني الحسن بن المهدي العلوي، وما قام به من أدوار خلال مدة ترأسه وزارة الأحباس. بعض فقط من أطروحة الطالب يونس السباح التي تقدم بها لنيل شهادة دكتوراه بكلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان مؤخرا، مركز تكوين النص الأدبي القديم، في موضوع موسوم ب “الوزير الشاعر محمد بن عبد القادر بن موسى ..الشخصية والأثر”، وقد ارتأت لها لجنة المناقشة ميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع.