أنا عندي بلان آخر .. دبا نخبرك بيه .. دبا نوريك الديوان كي ايكون ..
تازة بريس
سعيد عبد النابي
قال القائد للفقيه وهو ينحني ليقرب شفتيه من أذنه، في حماس طافح تفجر من سعادته باختيار فرنسا له، والأحلام التي وضعها نصب عينيه تسيل لعابه : – لنجتمع الليلة ، رد الفقيه، وهو يلوي عنقه، لمزيد من التأكيد : – لنجتمع .. وأردف متسائلا، حتى تتضح الصورة في خياله و تتجلى: – أين ؟ – في بيتي- وهل سيكون معنا ثالث ؟ – الله اعلم …إما الرحمان ..أو الشيطان … على حسب .. وقطب الفقيه حاجبيه مستفسرا، دون البوح بشيء، واستشف القائد من سياق الحركات مقصده، فاستدركه: – على حسب.. استجابتك .. وتفانيك . – وتعشمني بعشاء دسم ؟ فرد القائد وأسارير وجهه تنبسط، زيادة في الترحيب: – لك ما تشتهي .. عوضنا الله خيرا عن بيع الحمار …أسأنا الظن بالشرفاء. سامحنا الله … ها هي بركتهم تحل علينا… و لو متأخرة .. وضحك حتى بدت نواجذه، والفقيه يقاسمه تلك اللحظات نفاقا، إذ قال بعد قهقهات جاءت كترنيمات اختزلت في ضحكة طويلة تشق الصمت : – سيكون ثالثنا الرحمان ..ان شاء الله، كلي يقين… ما دمنا سنتعشى عشاء دسما، نلعق وراءه أصابعنا، بغرفة الضيوف، وتقتفي الفواكه أثر الوجبات الشهية … فلن يكون ثالثنا.. سوى الرحمان.. إن شاء الله .. إن شاء الله.. الجن يسكن الأماكن المظلمة ..النور يحرقه .. والفقيه يحمل في جوفه أحزابا وأحاديث .. كيف يقف الشيطان بين نور القرآن في صدري .. ونور البيت الوحيد في الدوار المضاء بالمصابيح؟
كانت عادته احتساء القهوة بعد الأصيل .. وفي بعض الأحيان، كان يؤخرها إلى صلاة المغرب، ليدخل بعدها في صيام متقطع يعفيه من الإعداد والطهي .. لكنه هذا المساء، ضمن العشاء كما اشتهت نفسه، فكسر الروتين .. وتخلى عن العادة .. جاءت المائدة حافلة بما لذ و طاب.. لو رافقه إليها نفر من معارفه لرأى نفسه والقائد يتوسط العقد حواريا ينهل من بركة العشاء الأخير، لكن سحنة السيد القائد المحترم كانت توقض الحالم و تنتشله من أعماق تخيلاته، جمعت بشرته ألوان أديم الأرض كلها، ما عدى أبيضها و اصفرها، على أي، ها هو يخدم سلالة أتباع رسول النصارى، وعلى الخوان رصت أصناف مأكولات مختلفة، بصم عليها الزيتون، بحبه المتنوع النكهات، وزيته المتميز، وهذا يغنيه عن المن و السلوى.
تركه ينهش بشراهة العظم واللحم وهو يمرئه .. و الحمد الذي نبه الطباخة إلى تقديم الوجبات على صحون معدنية، و إلا كان احدث في إحداها بأظافره ثقبا، وعند تأكده من شبعه بادره بالكلام … – إلى أن يتم بناء الإيوان ستكون بإذن الله أول لبنات الديوان،…فهلا أخبرتني ,,ما يثير انتباهك في القبيلة ؟ وصب الفقيه على أنامله بضع قطرات من الماء، تخلص بها من الدهون، كما صب أخرى للمضمضة، كانت نيته الرمي بالثفل في الإناء الفارغ، إلا انه، احتراما لسيده هم بالوقوف موهما سعادته بنية الخروج إلى الحوش ، لكن الأخير ثناه عن رغبته، فحقق له بذلك الأمر ما أضمر في خلده، وليجعل الإناء مرحاضه إن شاء ، هناك أنثى ستتكلف بغسله دون النبس بحرف..
لم يفهم المقاصد من السؤال، فرؤية السادة، تختلف عن رؤية الرعاع، وليس من في الأعلى كمن في السفح ، ردد السؤال في دماغه كما يتردد الصدى بين مهوات الجبال قبل الغروب بالقرى النائية الفارغة من اهلها، ما يثير انتباهي في القبيلة؟ ما يثير انتباهي في القبيلة؟ ما يثير انتباهي في القبيلة؟ كل شيء متميز يثيرني، بقرة السي احميدة الحلوب، وماعز الصافية الالبين، وحمار التلواني بحجم البغل ، وابنة احسينة، بلادنا فيها كل خير تراءى له السؤال صعبا، و الأصعب منه الجواب… واستدرك القائد الأمر فحور السؤال : وخا كي ما شي يكون هد الديوان ؟ وهنا حلت عقدة لسانه وانساق وراء اندفاع عواطفه : سمعت فالراديو شي وحدة فمصر.. كانوا ايتجمعوا عندا الكتاب، ماشي فين ايقريوا البز، لا، هادوك المبليين بالقصص والروايات .. حنا اسيدي ما خصنا خرايف، نلاغيوا لمحند الفرايجي، وبوجمعة الطبال، وحتى رقية العوادة وحدهوم الكزانة.. ونجمعو بين لفراجة والشفا وضريب الكارطة.. اذ كان يتكلم عن الديوان الذي يليق به، لكن القائد لاذ بالصمت والغضب يشتد بداخله، وأنوار الحماس التي كانت تتلألأ على محياه شرعت في الخبو، وكلما تمادى الفقيه في الشرح زاد الأثر وغار الفرح، وتجلت التناقضات التي صنعته، كتلك الحقيقة المقرفة التي تظهر بعد نبش أرض عنيدة، وعلا وجهه الامتعاض و الأسى، فتناثرت كلماته كرذاذ العاطس المريض : – كهذا هو الديوان ؟. واء .. معدورم ايقولو خلا ديوان مك ، نجيب انا علال لعور ايقز بداك لمقص فيد و الوتد فيد اخرى ، و الحسين منين ايتلاقا معه، ايلوح القلب لذاك البندير باش يشبعوني اكذوب ؟ انا عندي بلان آخر .. دبا نخبرك بيه.. دبا نوريك الديوان كي ايكون.
جمعوي وكاتب