فرحة والدة اللاعب بوفال التازي جابت العالم وقدمت خدمة كبرى للمغرب..
تازة بريس
مولاي التهامي بهطاط
العارفون بدقائق التقاليد المخزنية، يعلمون جيدا أنه لا شيء يترك للصدفة في الاستقبالات الملكية، بل إن كل صغيرة وكبيرة تتضمن إشارات ورسائل لا يصعب فك “شفرتها” على المتابعين. في هذا الإطار يمكن أن ندرج الاستقبال الملكي للاعبي المنتخب وأمهاتهم -حصرا- بعد عودتهم المظفرة من قطر. ولنضع أكثر من سطر تحت كلمة “الأمهات”. إن الإشارات التي يمكن التقاطها من هذه الخطوة الملكية كثيرة ومتعددة.. فهناك اعتراف بالدور الوطني الكبير للأم المغربية المقيمة بالمهجر التي تمسكت بمغربيتها وأرضعت أبناءها حب وطن غادرته مكرهة لأنه لم يوفر لها الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، وزرعت فيهم هذا الشعور، في بيئة لا ترحب بهم، بل وقد تعاديهم وتقصيهم.. وهناك أيضا انتباه إلى أن الاهتمام العالمي بظاهرة “أمهات المونديال” فرصة يبغي استثمارها إيجابيا، فقد وقفت كثير من وسائل الإعلام الدولية والعديد من المحللين المرموقين مشدوهين أمام صور الناخب الوطني واللاعبين وهم يعانقون أمهاتهم في المدرجات في عرفان منقطع النظير.. فهي أول مرة في تاريخ كأس العالم تحظى الأمهات -تحديدا- بهذا التكريم غير المسبوق.. وهناك كذلك إشارة تخصيص الأمهات دون الزوجات أو غيرهن من أفراد العائلة بهذا التشريف الاستثنائي..
وبالإضافة إلى ما تقدم، هناك ملاحظات فرضت نفسها بالمناسبة، لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها. لقد كانت لحظة الاستقبال الملكي بمثابة إعادة اعتبار للمرأة المغربية الحقيقية، المكافحة والمربية والمعلمة، بل هي الترجمة العملية لقول شوقي : “الأم مدرسة”. لقد اكتشف العالم أن المرأة المغربية الحقيقية تجسدها الأمهات، إذ لا شك في أن الغالبية العظمى من المغاربة رأت في والدات اللاعبين تجسيدا لصورة الأم في المخيال الجماعي. بعبارة أخرى، ليست المرأة المغربية هي تلك النماذج الشاذة التي يتم النفخ فيها وتسليط الضوء عليها.. في الإعلام والسياسة والسينما والدراما.. بل هي تلك الأم بملابسها المتواضعة، وتلقائيتها وبساطتها وشفافيتها حتى وهي في حضرة ملك البلاد.
لقد صنع البعض من أقلية شاذة صورة “نموذجية” ونمطية عن المرأة المغربية، هي تلك التي تلبس ملابس الرجل وتقص شعرها بطريقة الرجل، وتشرب القهوة “الكحلة المعصورة” وتدخن السجائر بشراهة في الأماكن العامة.. أو هي بطلة “الروتين اليومي” التي تتطلب دراسات نفسية واجتماعية أكثر من حاجتها للمتابعات القضائية.. فأنت لا تجد أبدا، خاصة في الأعمال السينمائية المدعومة من المال العام، صورة لامرأة تشبه أمهات اللاعبين، رغم أنهن الأصل والقاعدة، وغيرهن الاستثناء.. ففي هذه الصورة التاريخية مع ملك البلاد.. ومن أصل 20 سيدة، هناك 14 ارتدين “غطاء الرأس”، وواحدة كانت منقبة.. وهي نفس النسب التي نراها -تقريبا- في شوارعنا وأحيائنا ومدننا وقرانا.. إن هذه اللحظة التاريخية كانت فعلا فرصة لتصحيح محاولات “تزييف الوعي”عبر تقديم عينات على أنهن “مؤثرات” أو “صانعات رأي عام”، فقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن المؤثرات الحقيقيات هن اللواتي ربين هذه المواهب والكفاءات لرفع راية الوطن.. لا الباحثات عن الشهرة عبر قصص “التحول الجنسي”، ولا الداعيات لانتهاك حرمة رمضان، ولا المحرضات على الشذوذ وكشف السيقان عبر ربط منسوب الحرية بمدى طول أو قصر “الصاية”. وهل يستطيع أحد أن ينكر أن صور الفرحة التلقائية لوالدة اللاعب بوفال التي جابت العالم من أقصاه إلى أقصاه، قدمت خدمة كبرى بالمجان للمغرب، لا يمكن قياسها على التفاهات والإساءات التي تقترفها كثير من “المؤثرات”؟ أتمنى ختاما، أن يتم تحديد يوم الاستقبال الملكي أو أي يوم من أيام المونديال، إلى يوم وطني للأم المغربية.. وذلك أضعف العرفان.