تازة بريس4 أغسطس 2022آخر تحديث : الخميس 4 أغسطس 2022 - 10:36 مساءً

تازة بريس

من شأن رؤى وخيارات ثقافية وظيفية تخص قضايا محددة هادفة، أن تجعل من المجتمع المدني آلية تشارك وتفاعل واشتغال على ما هو نماء محلي وجهوي.. وأي فعل جمعوي يروم تحقيق قيم مضافة ما، هو بحاجة لملفات متكاملة تستمد أدوارها وكيانها من قراءة واضحة لحاجيات حقيقية، تجعله مدركاً لمهامه ولِما يمكن عقده من حلقات فعل ومواعد تفاعل. كما من المهم بالنسبة لأي فعل مدني تقديره لأهدافه ولغايات ما يُقدم عليه من أوراش وأنشطة، بتحريك وعي الانتقال الى انجازٍات تخص ما هو نماء منشود عموماً.

    في هذا السياق تندرج طبيعة أنشطة منسقية النسيج الجمعوي التازي من خلال اشتغالها على أنشطة فنية ثقافية ابداعية وعلمية متباينة داعمة لِما هو تنمية محلية. فانفتاحاً منها على فعل علمي ومؤسسات جهوية عالمة بما من شأنه خدمة ذاكرة تازة المدينة والاقليم، ووعياً بقيمة ما هو علم وأعمال علمية كموارد لا مادية في إغناء وبلورة مشاريع رافعة لتنمية محلية، ومن أجل تواصل وتفاعل أفيد بين باحثين كل من موقعه واشتغاله وبين فاعلين مدبرين للشأن المحلي، وتعريفاً منها ببعض أوجه البحث العلمي في حقل العلوم الانسانية على مستوى المؤسسة الجامعية جهوياً، وتثميناً منها لِما تم إعداده من أطروحات جامعية حول تاريخ وتراث وذاكرة تازة من قِبل ثلة من أبناء المنطقة، ووعياً بما لهذه الموارد العلمية من أثر ايجابي في إغناء ورش التنمية المحلية، علماً أن البحث العلمي من مرتكزات تنمية الانسان ومحيطه، ومن مقومات نجاح فعل التنمية وتحقيق الاستدامة والاستجابة لِما هو منشود من نتائج، لِما يسمح به من معرفة داعمة ومنهج عمل ووضوح في الأداء، ومن ابداع في الآليات ودقة في التشخيص والحدس واستشراف المستقبل. ووعياً بكون تاريخ وتراث وذاكرة تازة كمدينة أصيلة ضاربة في عمق الحضارة المغربي ، يشكل بحق قيمة مضافة هامة ومورداً لا مادياً من شأنه المساهمة بدور مؤثرٍ ايجاباً في التنمية المحلية إن هو استثمر على الوجه الأفيد. وايماناً بأنه كلما تم إعداد دراسة علمية حول ما هو تراث وتاريخ وذاكرة تخص تازة مدينةً وجِواراً، كلما اتسع وعاء ما هو معرفي علمي وزاد الأمل بغدٍ تنموي أفضل. ووعياً بما يمكن للمجتمع المدني أن يسهم به في التواصلٍ والتجميعٍ لمواد فكرية وعلمية وفي الرأي والتنوير والمقترح..، وعياً بكل هذا وذاك نظمت منسقية النسيج الجمعوي التازي يوم 9 دجنبر 2017 ندوة علمية جهوية، ارتأت من خلالها وقفة تأمل تجاهَ قيمةِ تراكمٍ علمي يخص المنطقة وتجاه جهدٍ أكاديمي في علاقته بالتنمية المحلية.

    وبقدر ما جاءت هذه الندوة : تازة: التاريخ..الأبحاث العلمية..والذاكرة، وعياً من منسقية النسيج الجمعوي التازي، بما للبحث في العلوم الانسانية وفي تاريخ وذاكرة المنطقةً تحديداً من قيمة مضافة لفائدة ورش الجهة والجهوية المنشود كهوية ترابية وآفاق ورهان، كذا ورش تنمية محلية بمدخلات يحكمها تنوع وتكامل موارد كائنة لامادية. بقدر ما جاءت ندوة تازة هذه تفاعلاً وتثميناً لعمل البحث العلمي المؤسسي، ولأطروحات علميةٍ جامعية تم إعدادها حول تازة، من قِبَل ثلة من أبناء المنطقة على مستوى شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس. مع أهمية الاشارة لِما كان لهذا الموعد العلمي الجهوي الأول من نوعه، من رهان يخص إبراز مكانة تازة وموقعها في زمن وذاكرة المغرب، ويخص توسيع وعاء معرفةٍ تاريخيةٍ خدمة لخزانةٍ محليةٍ عبر توفير نصوص متنوعة ذات طبيعة علمية. ايماناً منها بأن البحث في تاريخ المغرب رهين أيضاً بما هو محلي اقليمي جهوي، من شأنه أن يشكل قيمته مضافة في ورش تنمية محلية حديثة منشودة. حيث الأبحاث بكل مستوياتها واهتماماتها.. من اقتصاد ومجتمع وتاريخ وتراث وثقافة وجيولوجيا وبيولوجيا وهيدرولوجيا ونبات وسسيولوجيا وفنون.. وحيث الباحثون بكل مستوياتهم واهتماماتهم ومنهم المؤرخون والباحثون في حقل التاريخ والذاكرة مدعوون، للاسهام بما من شأنه جعل ماضي تازة المدينة والاقليم في خدمة حاضر المنطقة ككل، من أجل مستقبلٍ يخص التنمية بها أكثر تناغماً حكامة وتشاركاً عملياً وعلمياً.

    في ندوة تازة: التاريخ…الأبحاث العلمية…الذاكرة والتي نظمت بمناسبة الذكرى الثانية والستين لعيد الاستقلال المجيد، تم استحضار روح باحث تازي متميز رحل الى جوار ربه في عز عطاءه العلمي، الدكتور محمد الزرهوني رحمه الله. من كان يسكنه ورش فعل الثقافة في التنمية المحلية، وما ظهر جلياً في جل أوراشه الفكرية التفاعلية على امتداد عقود من الزمن، ومن خلال كتاب رفيع المستوى له في هذا الباب، موسوم ب: “العمل الثقافي والمشروع التنموي”.ورغم أنه كان باحثاً متمكناً على قدر عالٍ من الكفاية العلمية في هذا المجال وبذكاء وفكر جغرافي ترابي تدبيري عميق، فقد كان بتكوين ومعرفة وميول وحب لكل ما هو تاريخ محلي يخص تازة. فقد أورد رحمه الله في تقديم له لاحد الاصدارات التاريخية: ” بات المحلي من التاريخ الذي يهتم بدراسة مجال ترابي ضيق ومحدد، ورشاً مفتوحا ينجذب إليه المهتمون والباحثون منذ سنوات، بفضل تطور أساليب البحث وتنوعها وحدوث تراكم مشجع من الوثائق والموارد..كذا بفضل تعدد المبادرات من قبل الجامعات والمؤسسات والأشخاص…تلك التي تخلق فرصا سانحة أمام فعاليات علمية لاقتحام هذا التخصص المعرفي القديم والمتجدد، الذي يُعد رافدا لا غنى عنه لحضن التاريخ الوطني العام بحيث يسهم في إثرائه وتعميقه كما ونوعاً. وبقدر ما لهذا التخصص من أهمية بالغة في سبيل إماطة اللثام عن قضايا وإشكاليات وتجارب بشرية مُموقعة في المجال ومُمتدة في الزمان، تخص مدنا وقرى وتجمعات بشرية ظلت مجهولة أو مغمورة لضعف الاهتمام بها أو لتهميشها… فإنه ينطوي على تحديات جمة على مستوى التنقيب والتأليف، لما يعتري ذلك من صعاب تتعلق بندرة الوثائق أو قلة فرص الحصول عليها.. لذلك فإن الباحث الطموح في اقتحام هذا الفرع من التاريخ، يجد نفسه أحيانا أمام مغامرة تتطلب الصبر والتؤدة والمكابدة وسعة الصدر، لعله يجمع شذرات متناثرة من المعلومات والموارد، تسعفه لتحقيق مبتغاه، دون أن تشفي فضوله الفكري بالمستوى المطلوب، وتروي غليله العلمي بالكيفية المتوخاة. والواقع أن مختلف هذه النقائص لم تثن عزائم ثلة من الفاعلين والباحثين عن الاضطلاع بهذه المهمة العلمية المجدية، فعمدوا إلى اقتحام عرين التاريخ المحلي، لدوافع ذاتية أو موضوعية، كل حسب موقعه ووضعه ومبتغاه، واستطاعوا بفضل انخراطهم البيِّن أن يدلوا بدولهم في هذا الشأن، متجشمين عناء الصعاب ومقارعين ثقل المشاق”.

   هذا الرهان المحلي في البحث والدراسة والتأليف هو ما استهدفته هذه الندوة العلمية، وهو ما طبع فقرات برنامجها الذي جمع ست أطروحات جامعية بتيمات تاريخية تمحورت حول مجال تازة المدينة والبوادي التابعة. فكانت الندوة لحظة غير مسبوقة وموعداً لأسئلة عميقة حول الذاكرة والتاريخ، وحول نماذج مما هو كائن من الأبحاث العلمية في هذا الاطار. فبعد كلمة افتتاحية لرئيس قسم الدراسات بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير كجهة ناشرة، والذي بقدر ما أثنى على مبادرة منسقية النسيج الجمعوي التازي، لعقدها ندوة جهوية تجمع بين التاريخ والذاكرة والبحث العلمي. بقدر ما استحضر في كلمته تازة كمحطة مشرقة في تاريخ البلاد المعاصر والراهن، مركزاً في كلمته على ملحمة التحرير والاستقلال التي كانت فيها المنطقة وقبائلها بوقع قوي، لما تفردت به وما خاضته من معارك، ولا أدل على ذلك مثلث الموت الشهير الذي يشكل عنوان ذاكرة وطنية ومفخرة للأجيال، ومعالم وعلامات مقاومة مسلحة وسياسية تتوزع كل نقاط الاقليم وتشهد على ما كان عليه أبناء المنطقة من بطولات ووطنية عالية. مؤكداً على أن تازة بهذه الذاكرة والارث الوطني هي بمكانة خاصة في أوراش واهتمامات وانجازات المندوبية السامية، ما هي عازمة على المضي فيه واغناءه بتعاون مع الجميع بما في ذلك المجتمع المدني كما بالنسبة لمنسقية النسيج الجمعوي التازي، التي أبانت عن وعي نبيل من خلال عقدها لهذه الندوة وتقديمها لمجمل الأعمال العلمية التاريخية، التي تم إعدادها بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس. مستحضرا جهود المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في جمع شتات الذاكرة الوطنية وتوثيقها وتحفيز البحث والباحثين للانكباب على وقائعها، وعبر دعمها المادي لنشر الاعمال العلمية التاريخية بعد اجازتها من قِبل اللجنة العلمية المكلفة بهذه المهمة، مشيراً الى أن المندوبية السامية طبعت عشرات الأطروحات الجامعية التاريخية ومنها الأطروحات التي تهم ذاكرة تازة الوطنية والتي تم الاحتفاء بها في هذه الندوة.

    أما الدكتور سمير بوزويتة الذي ترأس جلسة هذه الندوة العلمية الجهوية، فقد أورد في كلمته أن المجتمع المدني المحلي يشكل بحق رافعة يمكن الرهان عليها وعلى خيارتها وأوراشها وأنشطتها ومبادراتها في عدة مجالات ووجهات وواجهات، كما واجهة الذاكرة والتراث والتنمية… مؤكداً أن ندوة تازة: “التاريخ ..الأبحاث العلمية..الذاكرة” تعكس وعي الفعل المدني المحلي وانفتاحه على محيطه الجهوي واستثماره لما من شأنه دعم التنمية المحلية. وأنه بانفتاحه على مؤسسات البحث العلمي فقد أبان عن إرادة قوية ووعي رفيع، بما ينبغي أن يكون من علاقة فعل وتفاعل بين الجامعة ومحيطها وبينها وبين الفعل والفاعل الجماعي المحلي والجهوي. وباختيار منسقية النسيج الجمعوي التازي لسؤال التاريخ والبحث التاريخي في ندوتها، ولسؤال الذاكرة التاريخية المحلية في التنمية المحلية، فقد أبانت عن نضج رفيع المستوى بما هو تراث لا مادي وما هو فكر وعلم ودراسات في تنمية الانسان والمجال عموماً وفي تخطيط وتدبير وانجاز ما هو محلي جماعية انمائي. مؤكدا على أن تاريخ تازة ومحيطها واسع غني ومتشعب، وأن اسهامات المنطقة عبر كل الأزمنة هي بقيمة هامة كذاكرة جاذبة للفعل العلمي وللبحث التاريخي، وخاصة ما كانت عليه هذه الجهة من البلاد خلال فترة الحماية الفرنسية وما طبعها من وقائع كبرى وتفاعلات. بعض منها توجهت اليها جهود الأبحاث العلمية الستة موضوع هذه الندوة الجهوية، بعناية واهتمام ودراسة وتنقيب وتحليل وتدقيق وتوثيق…لتوفير مادة تاريخية علمية واغناء خزانة المدينة والاقليم بنصوص محفزة على مزيد من البحث والاجتهاد.

   وقد توزعت الأبحاث التاريخية المحتفى بها في هذا الموعد على قضايا عدة، شملت المدينة تازة من خلال أسئلة تحولاتها الاقتصادية والاجتماعية على عهد الحماية ما بين 1914 – 1956، ومن هذه الأعمال العلمية من توجه بالعناية والبحث والتنقيب لطبيعة وأنماط العلاقة بين السلطة وقبائل مقدمة جبال الريف من خلال دراسة السياسة القايدية بالمنطقة على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب ما بين 1913 – 1956، وكانت منطقة تاهلة مغراوة محور عمل علمي مونوغرافي  تاريخي استحضر مسألة الشأن الأهلي واستراتيجية تدبير السلطات الفرنسية له منذ فرض الحماية على البلاد الى غاية 1945، وضمن الأعمال الجامعية المحتفى بها في ندوة تازة هذه، واحدة قاربت موضوع المقاومة المسلحة وجيش التحرير بالمنطقة ما بين 1912- 1956، وأخرى اتخذت من أعالي ايناون موضوعاً لها من خلال رصدٍ دقيق وإبرازٍ لصورة المجال المغربي في الرهان والذهنية العسكرية الفرنسية، ولموقع ومكانة ممر تازة الشهير والفاصل بين شرق البلاد وغربها في خلفية وحسابات مشروع فرنسا الاستعماري بالمغرب ما بين 1914- 1926. ولعل للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يعود فضل نشر هذه الأعمال العلمية التي تمحورت حولها ندوة تازة: “التاريخ …الأبحاث العلمية…الذاكرة”، وفضل نشر عدد هام من الأطروحات الجامعية في حقل تاريخ المغرب، ضمن خيار وتقليد نبيل اعتمدته منذ سنوات ساهم في إغناء الخزانة المغربية بعشرات الإصدارات العلمية ذات الجِدَّة والتميز والقيمة المضافة لفائدة ما هو محلي وجهوي ووطني. من خلال ما تم نشره من أبحاث أكثر ارتباطاً بالذاكرة الوطنية، ملأت بها بياضات حقيقية وتوسيع وعاء نصوص تاريخية ووثائق داعمة لم تكن في متناول الباحث والمهتم والقارئ سابقاً.

  وتثميناً لتوجه وعمل المندوبية السامية باحتضانها ونشرها لفسيفساء من الأبحاث، منها التي تخص تاريخ تازة كمؤلفات هي في الأصل أطروحات جامعية. ارتأت منسقية النسيج الجمعوي التازي في بادرة يسجل أنها الأولى من نوعها محلياً جهوياً ووطنياً، قراءة هذه الأعمال العلمية رفقة باحثين ومعهم فاعلين جمعويين مهتمين ومثقفين واعلاميين….مع أهمية الاشارة الى أن الندوة التي كانت تكريما للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير لِما قدمته من خدمات لفائدة البحث والباحثين والخزانة التاريخية المغربية، خلصت لتوصيات ثلاث أولا مآل أرشيف محلي وأهمية رد الاعتبار له كمكون وإرث لامادي، ثانياً طبع الأعمال العلمية الأكاديمية التي تهم المنطقة حتى لا تبقى عالقة في الرفوف والتحفيز على البحث فيما هو وظيفي رافع للتنمية المحلية، وثالثا رد الاعتبار لذاكرة تازة المادية واللامادية من خلال إحداث مركز محلي للبحث في التراث والتاريخ والذاكرة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق