تازة بريس
عبد السلام انويكًة
ولد عزيز بلال بمدينة تازة في حي عتيق تاريخي شهير بحي الجامع الكبير بتازة العليا المدينة القديمة، كان ذلك سنة 1932 في دار عريقة بزنقة العالم ابن عبد الجبار التي قطنت وسكنت بها عده أسر اصيلة تازية من قبيل أُسرة البروفسور عبد المجيد بلماحي ثم محتسـب المدينة الحاج المقري. وكانت فترة دراسة عزيز بلال الأولية بمدينة تازة والثانوية بمدينة وجدة، قبل التحاقه بفرنسا لمتابعة دراسته العليا حيث حصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية حول الاستثمار في المغرب، وهي الأطروحة التي حصلت على جائزة جامعة كًرونوبل. وقد عمل “بلال” بكل من وزارتي التخطيط والعمل وشارك في صياغة أول مخطـط مغربي وكذا في مشروع الضمان الاجتماعي، فضلا عن تأسيس جمعية الاقتصاديين المغاربة. كان أستاذا كبيرا لمادة الاقتصاد السياسي بكلية الدار البيضاء، ومن الأوائل الذين وضعوا أُسس التعليم الجامعي في ميدان الاقتصاد. نشر عدة مؤلفات حول الاقتصاد المغربي حيث تميز ببراعة في التحليل، فضلا عن انشغاله بقضايا المجتمع، وكان قادرا على تبليغ معنى الفرق بين التنمية والتخلف، كما كان مناضلا حزبيا في الميدان يطبق ما يؤمن به، ويرفض إملاء التعليمات من وراء حجاب أو فرض موقف دون الإقناع والاقتناع. بعد نهاية سبعينيانت القرن الماضي دخل المغرب عشرية الثمانينيات، والتي ستتميز بخضوع المغرب لبرنامج التقويم الهيكلي، كحل فرضته الدول الامبريالية السابقة على البلاد بعد بلوغها حالة الاختناق سواء على مستوى الوضع الاقتصادي أو على صعيد الدين الخارجي.
حول هذا العلم المغربي التازي (1932 – 1982) الباحث في مجال الاقتصاد، وبعنوان “هكذا فكر عزيز بلال”، جاء مؤلف نور الدين العوفي استاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، من أجل توضيح راهنية إسهام عزيز بلال وتصويب نوع من “الفهم غير الدقيق” لبعض أفكاره والتعريف بأهم أعماله في صفوف الأجيال الجديدة الباحثة والقارئة. المؤلف الحديث الاصدار هو باللغة الفرنسية، جاء بحسب مؤلفه من اجل“التعريف، من باب العرفان والاعتراف، باقتصادي مغربي يُعتبر من رواد المدرسة الاقتصادية المغربية، أنجز أطروحة من المستوى الرفيع حول الاستثمار في المغرب سنة 1965، تُوجت بجائزة أفضل أطروحة بجامعة غرونوبل، ونشرت أولا في دار نشر فرنسية، وبعد ذلك في المغرب”. مضيفا: “لاحظت كأستاذ، أن أعماله لم يعد يعرفها حتى طلبة الدكتوراه، بالرغم من أهميتها وبالرغم من أنه من مؤسسي الاقتصاد السياسي بالمغرب”، فجاء هذا الكتاب “للمساهمة في محو بعض من هذه الأمية الاقتصادية، سواء عند الطلبة أو لدى عموم القراء”، لافتا في هذا السياق إلى أن “الكتاب مُوجه إلى شريحة واسعة من القراء، ولا يقتصر على شريحة الاقتصاديين”.
الباحث نور الدين العوفي أورد أن العودة لأطروحات بلال جاء وعيا بـ”راهنيتها القوية”، وأنه قد سعى في عمله لتطويرها “في ضوء التطورات التي عرفتها بلادنا لاحقا”، وأيضا بالإحالة إلى “التصور الافتراضي” للراحل عزيز بلال لـ”النموذج التنموي الجديد”، بقراءة “استحضارية واستشرافية”، و”دون الإخلال بشمولِ فكره، وانسجام تحليلاته الاقتصادية فيما يخص المغرب”. ومن بين ما يستعرضه الكتاب “مسألة الاستثمار الوطني” التي أولاها بْلال “أهمية قصوى، مقارنة بالاستثمارات الأجنبية التي لها دور مُكمل”، مع دعوته إلى “الاستثمار في البنيات التحتية وتطوير الصناعة الوطنية، والارتقاء بالإنسان”، فقد كان “دور الدولة أساسيا بالنسبة إليه، في حد ذاته، وفي التحفيزات التي تمنحها وتواكب بها القطاع الخاص”؛ وهو ما “أخطأَت بعض القراءات في استيعابه”، فهو “يعطي الأولوية للقطاع العام من أجل القطاع الخاص، لا على حسابه”. ومن بين النقط التي وقف عندها المؤلف، ما كان للراحل عزيز بلال التازي وما كان يوليه لـ”السيادة الاقتصادية الوطنية”. يذكر أن تصور بلال الاقتصادي المغربي التازي، لم يقتصر على البعد الاقتصادي، بل سجل أيضا أهمية “المشاركة السياسية الديمقراطية”، وما يسمى اليوم بـ”الحكامة الجيدة”، ولو أن هذا المصطلح لم يكن متداولا آنذاك، وسطر على “الدور الاجتماعي المتمثل في الاهتمام بالمواطن وخاصة الطبقات المعوزة، ودور الدولة في التنمية الاجتماعية، بإيلاء الأهمية لتلبية حاجيات المواطن من تربية وصحة ومرافق اجتماعية، وبسهرها على إعادة توزيع الثروات، والحد من الفوارق الصارخة”. مع أهمية الاشارة لما كان لعزيز بلال من اهتمام بالجانب الثقافي وبالثقافة الوطنية عامة والشعبية خاصة، وبمشاركة المواطن في التدبير وإشراكه في أخذ القرار؛ ذلك أن“السياسات الاقتصادية لا تكون منتجة وناجعة بالوجه المطلوب خارج محيطها الاجتماعي، ودون اعتبار للخصوصيات الثقافية”.