تازة بريس
سعيد عبد النابي
حروف تفجرت على لسانه بسرعة بغضب شديد تخلص منها، من الكلمات التي ركبته و الجمل أترعتها ضغائنه سوادا، هوت على رأس أبنه كقنبلة هادرة، أفجعته بالمرة ألجمت لسانه بقي كالحيوان المذعور في مخبأه المأخوذ على حين غرة، لا يدري أي باب سينجيه أي مسلك سينقده أطبق الصمت على الغرفة، وسارعت عينا التقني إلى الرف، لصعوبة الموقف، وزعت نظرات محملة بتساؤلات عميقة وترقب على الأوجه، سعت إلى صلح، تهدئة، احتمال مرجح، هو الابن الذكر، فرح به عند الطلق، تلقفه بعد المخاض، بفرحة غامرة، الابن الذي وئدت لأجل بقاءه سيدا من قبل، إناث كثيرات، هم بالرد، لكن الكلام تجمد في صدره، قبل نطعه، احتبس داخله، من يجرؤ على الرد على الوالد ؟
كل شيء يهون، إلا إغضابه، آه على زمن المخدرات، عمت بصائر جيله، الحمد لله على فضله، إدمانه على السجائر لم يستدرجه إلى تناول حبوب هلوسة، الحمد لله على نعمة الإسلام، على رسول كريم، عظيم، رحيم، رسخ في القلوب من الأخلاق ما حصن اضعف القلوب، بقي الرد عالقا، ضائعا بين الشريان و الوريد، أصبح الوضع محرجا، استوجب الحسم، ما أصعب علق الأشياء بالداخل، يكون فيها هلاك المرء المصاب في بعض الأحيان، ولأجل التحرر منها، ضاعف من جهده، أعتبر كلام أبيه جارحا، فيه شيء من الانتقاص، أمام رجل غريب، حرك نقص النيكوتين وتر أعصابه، فار الدم في عروقه، هم بالصراخ ملأ فمه، ونفخ الشيطان في مكامن ضعفه، أوهمه برفع حدة الصوت، لو كان الأمر بيده، لجاء صراخه كالنفخ في الصور، تنفطر لاجله من فوقه السماء، تتصدع من تحته الأرض، لكن الله ألهمه الصواب، اتخذ القرار السليم، رد بعد ثوان قليلة، بنفس النبرة، فضل النظر إلى وجه التقني، استحياء، خاطبه مكان أبيه، أضفى على خطابه مسحة كوميدية كي لا يزيد الأمر استفحالا: اللي سمعك ادهدر على الحرث يقول خلات …ياك غير جوج مطاير.. نهار كان الحرث بلبهايم كنا آنبقاو فيهم عشر ايام… و اليوم بطرطكور انحرثوها فساعتين، الله يعز الناس دي ختارعوا، اللي يسمعك دهدر على الحرث يقول الفيرما دلوزير ، ولا لبقر,؟ لا تيقش بيه المعلم …عندنا بقرة بلدية ..اضلوع ديالا سبحان الله مفروزين ، ايقيل فاها سبقا للربيع، و ما ايبان عليها والو …دقول يماها رطعتا السم .. خصك دحلبا ثلت ايام باش تشوف اللبن، عوريطك هدر معه يسكت، ربما انتين يوقرك، قل لو يخلينا مع الفيليتزيو الله يعطيه حجة .
ثم فاجأه التقني بضحكة غريبة، تفجرت من عمق المفارقة، تصالحت فيها التنقضات و الاضداد، في حين لاذ السي علال بالاستغفار، استغفر ربه كثيرا، لعل الإكثار منه يخفف أثر الصدمات المتعاقبة عليه، استعاد بالرحمان من ثقافة جيل قمش، هو المجبول بطبيعته على الامتثال والخضوع، كان في صغره لا ينبس بحرف أمامهما.. و إن قطعاه اربا، هاهو في زمن التفسخ يجادل ابنه. الابن الذي يعارض أباه، عاص بكل تأكيد، مسخوط، (ارض ما دنبت لا ربيع لا شوك،) من جيل لا يفهم أصول الأدب..حذر منه الأجداد قبل قدومه، جيل لا يعرف الحياء إلى قلبه مسلكا. جيل قمش، ما يحشم، ما يرمش، هاجس نفسه ببضع كلمات، كان لزاما عليه العودة الى نفسه، وإلا، أهلكه غضبه، و احتقانه، الله يفلتو عيناك ابن الكلب …. جملة رددها ثلاث مرات، كي لا ينام مقهورا، من الإحساس بالغبن، ثم انتثر من أحزانه، وعاد إلى التقني، حاول تجاوز لغط ابنه، معللا له أسباب انفعاله. مؤكدا له أن أي كلام فيه إسراف، فيه تبذير للمال، يضاعف آلام حرقة معدته، لذلك عليه التنفيس عن نفسه، بالصراخ، بالغضب، هو لا يدخن، لم يشرب كأسا من محرم، وفي صمته، على ما يريبه، هلاك له. كلام خالد عن المباريات الكروية والأفلام الهندية، أو ما تتداوله الألسنة عن أفلام الفاحشة، في قاموسه، إشارات تقرب غضب الله، تعجل بالكوارث، تطرد البركة من البيت. التلفزة للأخبار والدين، فقط، لا غير، لا باس من سهرة سبت تذكر الساهرين بالماضي الجميل، أيام أم كلثوم رحمها الله، كانت تصدح للعاقلين، وكان بوشعيب البيضاوي يسعد القلوب بنكته. مجادلة ابنه ستجعل النيران بداخله تحتدم، كان التقني يتأهب للرحيل، أي نقاش خارج الاستفادة من علومه هو مضيعة للوقت.
بقيت نفسه تواقة إلى مزيد من الفهم، همه السؤال كي لا يخطئ خطأ مكلفا، سؤال آخر ينهل به من علوم التقني، آه لو مكن العلم الناس من تحويل كل الأفكار من رأس إلى رأس، تماما كما يحدث في الأقراص عبر عملية النسخ واللصق، الحياة ستكون أجمل. رغم توديعه لضيفه بالقبل، وتكليف ابنه بإتمام أدب مرافقته حتى يطمئن عليه راكبا سيارة تقله إلى أهله، بقيت نفسه تنازعه، باحثة عن سؤال. وعاد إلى وقفته، إطار الباب الأيمن متكأه، تبعهما بعينيه، لاحقتهما نظراته الحائرة، الصامتة، وهما ينأيان عنه، يسحبهما الزمن من ذاكرته إلى عالم النسيان، فتحسر على الصمت المفروض عليه، على اللحظات التي لم تحبل بسؤال، لم يفلح في إرضاء نزوته، منعه الخجل، ربما، او الخوف، ربما، ساقتاه قدميه إلى عين اوداد، دون تفكير، او تدبير، تفاجأ بجسده يقف شامخا، على بعد متر من العين، كانه عرش بلقيس، تذكر أنه كان يتامل الفضاء أمامه، متكئا على اطار الباب، تذكر وقفته وهو يودع التقني، لم يستوعب فكره وصوله العين، استغرب، ثم استدار قاصدا بيته والزوابع تلفه، تعلو في ذاكرته، قد تثير فكرة ما ذات أهمية، في قرارة نفسه كان يقول: و الله اودي وطاحت,, يعني الفكرة ، يا حتى نسبك وراه و نقولالو.
وحطت عيناه على الصحن المقعر، نفخت بداخله الصورة أحاسيس الفخر والإعجاب، رآه بعد تثبيته على السطح واليا، صالحا، متضرعاّ، رافعا اكفه إلى سماء، تستجيب له في سخاء، تمكنه من كل القنوات، تجود عليه بكل أنواع المتع، صحن بدا فوق البناية وساما، على كتف ضابط، ملأ رئتيه من هواء القرية النقي، ثم تنفس، استمر يحدث سطح بيته. دابا عاد حن عليك الله احنيني وطحيتي بحال السطوحا، الله يستر غير من العين واها. زعما ايلا تغطا هاد الهم بشي كاشة يخدم؟، بنادم ايتم جايز بنداك وعيناه مبرققين الله يستر، شي نهار نفيق نخرج نوصل السطح و نجبر الصحن داب، الناس ديالنا الله يستر، لغراب ف السما ايسقطوه عاساك يا صحن ، دبا خصني نقرا اية الكرسي صباح وعشية.
كاتب / جمعوي