جمع ولقاء عِلمي رفيع المستوى ويوم مشهود احتفاءً بالأستاذ محمد الغرايب

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

برمزية واحالات عدة، ما كانت عليه الجامعة المغربية من تقاليد رصينة محمودة على هذا المستوى وذاك منذ عقود من الزمن، ولعل من تقاليد هذه المؤسسة التي شكلت جزءا من صورتها وفترها الذهبية كما يفضل البعض نعتها، ما كانت تتوجه اليه هذه الشعبة وتلك من ثقافة مودة وعرفان لأعلامها احتفاء بجميل موقعهم ووقعهم وتميز مساراتهم، عبر مؤلف جماعي عربون تقدير كثيرا ما كانت تؤثثه اسهامات علمية ضمن اهتمامات ذات صلة. علما أنه بقدر ما كانت عليه هذه النصوص المهداة من خلفية احتفاء، بقدر ما تكتسيه من مرجعية رافعة محفزة للباحثين من أجل مزيد بذل واجتهاد وعطاء. وغالبا كما هو غير خاف عن عموم الوسط الجامعي، أن مثل هذه اللحظات كانت تتوجه بعنايتها لأساتذة مرموقين، تميزوا بدرسهم ونهجهم وصدى عطائهم وأثرهم في مجال البحث والكتابة والنشر والتفاعل والاشعاع، فضلا عن درجة إغنائهم لوعاء خزانة تخصصهم بجديد قراءات وتحليل وطرح ونظر وجدل اكاديمي، فضلا عما كان منهم ببلاء وكفاح وتأسيس معين ضمن مسارهم العلمي، مؤثثين بذلك لصورة مؤسستهم الجامعية هنا وهناك، رافعين لشأنها ومكانتها عبر نوع وزخم حضورهم وغزارة اصداراتهم وقيمة وقعهم البحثي.

حول ما هناك من حضن لهذا التقليد الجامعي الأصيل، ومن حرص بهذه المؤسسة وهذه الشعبة وتلك ممن هي بمكانة وصدى علمي واشعاع اكاديمي وتميز مسارات ونهج وأثر أطر علمية باحثة. عودتنا كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بالقنيطرة ومن خلالها تحديدا شعبة التاريخ لسنوات وسنوات، بإسهامات علمية وعطاءات رفيعة المستوى من قِبل مواردها العلمية، ما جعلتها بحضور معبر ومن ثمة بدور رافع لدينامية أنشطة جامعة ابن طفيل وصداها الوطني والدولي. وعليه، تحية تقدير واحترام لشعبة التاريخ بهذه الكلية على جميل فكرتها والتفاتتها النبيلة، ليس فقط في شأن عنايتها واحتفاءها مؤخرا بأحد أعلامها من الأكاديميين المستحقين”الأستاذ الباحث المؤرخ محمد الغرايب”، إنما أيضا حفظا منها لاستمرارية تقليد رصين، وما يرسمه ويرسخه هذا التقليد من ثقافة اعتراف بعطاء وتميز، فضلا عن قيم قدوة علمية ورفقة ولحمة ورقي محيط وأخلاق فضاء، دون نسان ما لمثل هذه المواعيد الرمزية في رحاب الجامعة، من دور في تثمين تجارب واسهامات ومسارات وبصمات الباحثين الأكاديميين، وكذا في ابرازها من أجل ما ينبغي من تلاقح أجيال ومن ثمة ما ينبغي بين سلف باحث وخلف.

حول هذا وذاك من الأفق، كانت كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بالقنيطرة يومه السبت تاسع مارس 2024، على إيقاع احتفاء تكريمي باذخ عرفانا وتقديرا منها لواحد من أساتذتها الأجلاء وواحدا من علامات البحث التاريخي بالمغرب، والذي كان عبر مساره المهني الجامعي بعيدا عن الأضواء، انما مقابل ذلك بكثير من البذل والعطاء وغزارة الانتاج العلمي، وقد اهتم فيه بدروب زمن ليس سهلا الخوض فيها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمغرب العصر الوسيط والأندلس ومعهما بلاد الغرب الاسلامي. وهو ما يسجل للأستاذ محمد الغرايب، الذي يعد بالنظر لإسهاماته وللمدة التي قضاها بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بالقنيطرة منذ التحاقه بها، أحد صناع درسها الجامعي وهيبتها فضلا عما هي عليه من صدى بحثي تكويني وتأطيري في حقل التاريخ، ومن ثمة جزءا من ذاكرتها وزخمها وشموخها. ولعل بقدر ما حصل من اجماع لقبيلة المؤرخين الباحثين بالمؤسسات الجامعية عبر ربوع البلاد تثمينا منها لهذه الالتفاتة التكريمية، بقدر ما مبادرة شعبة التاريخ بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بالقنيطرة كانت مستحقة، قناعة منها بما قدمه وأسهم به المحتفى به لسنوات وسنوات، سلسلة مؤلفات بقدر عال من الأهمية، ترجمات رفيعة المستوى لنصوص تاريخية أجنبية، مقالات علمية بمجلات مُحكمة وطنية وعربية ودولية، فضلا عن حضور بعشرات الملتقيات والندوات العلمية الرفيعة المستوى داخل المغرب وخارجه، مع ما يقتضيه هذا الحضور من جديد، علما أن من نقط قوة الأستاذ الغرايب إتقانه وتحكمه الجيد جدا في اللغة الفرنسية فضلا عن العربية، ناهيك عما اسهم به على صعيد تأطير عشرات الاطروحات الجامعية، دون نسيان ما تميز به درسه الجامعي بشهادة جيل من الخريجين الجامعيين تخصص تاريخ، وهو التميز الذي جعله استاذ جيل جامعي تقريبا، علما أن من طلبته من هم الآن بموقع في عدد من الجامعات المغربية بعد التحاقهم بها هنا وهناك. ونذكر من انتاجات المحتفى به كتاب “ماضي شمال افريقيا القرون المظلمة”، “يهود مجتمع المغرب الأقصى الوسيط”، “السجع قبيلة بدوية بين البربر”، “وجدة والعمالة” في ثلاثة أجزاء”، “مختصر عريب في أخبار عدوتي الاندلس والمغرب”..الخ .

يسجل أن حفل تكريم الأستاذ محمد الغرايب الذي يحق للجامعة المغربية الفخر به، ذلك الذي احتضنته رحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة مؤخرا، تم وفق برنامج خاص بفقرات متناغمة، كان مدخلها لقاء علمي رفيع المستوى أطره باحثون جامعيون، منهم أسماء وازنة لِما لها من صدى وطني ودولي، فضلا عما يميزها من خط تحرير ونهج كتابة ونشر وطرح وقراءات ورؤى وجدل مفاهيم ..،. وكان ما طبع الحفل من اقبال من كل حدب جامعي وصوب، بقدر ما جعل الحدث كبيرا مستحقا، بقدر ما أغنى محطات وزخم كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بالقنيطرة الرمزي. علما أن روح الاحتفاء كانت بتأثيث كل من جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، مختبر التاريخ والتراث، شعبة التاريخ والحضارة، فضلا عن الجمعية المغربية للبحث التاريخي. وقد اهتم واشتغل الجميع، لإخراج مؤلف دسم بأعمال مهداة للمحتفى به، ارتأت له الجهة العلمية المشرفة “النخبة العالمة والمثقفون في تاريخ المغرب والأندلس.. رؤى وتقاطعات” عنوانا.

هكذا على إيقاع حضور معبر باحث نوعي، كانت ندوة حفل تكريم الأستاذ محمد الغرايب التي توزعت على جلسات ثلاثة، الأولى منها كانت افتتاحية وقد تتقاسمها كلمات بالمناسبة كل من رئيس جامعة ابن طفيل، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، مدير مختبر التاريخ والتراث، رئيس شعبة التاريخ، فضلا عن كلمة منسق أعمال التكريم. اما الثانية من الجلسات فقد كانت علمية أطر مداخلاتها عدد من الباحثين، فيما ثالث مساحة هذا اللقاء، كان باقة شهادات رفيعة المستوى اشرف على تدبير حلقاتها الأستاذ الباحث عبد العزيز بل الفايدة. منها عن الوسط الجامعي البحثي التاريخي الوطني نذكر، شهادة ذ. محمد فتحة أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ذة. نفيسة الذهبي أستاذة باحثة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابالقنيطرة، ذ. عبد العزيز عينوز أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، ذ. عبد الاله بنمليح أستاذ باحث وعميد كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز بفاس سابقا، ذ. محمد حبيدة أستاذ باحث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة، ذ. أحمد عزاوي أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالقنيطرة، ذ. محمد البقصي أستاذ باحث بالمركز الجهوي للتربية والتكوين بفاس. وقد تلمست مساحة هذه الشهادات مسار المحتفى به وبصماته في حقل التاريخ درسا وبحثا وتأليفا على امتداد عقود من الزمن الجامعي، فضلا عما كان عليه من تدفق عطاء وتأطير وتكوين بنكران ذات وقيم الانسان المتواضع. شهادات اكتملت بكلمة معبرة للأستاذ الغرايب، وقد جمعت في دلالاتها ورمزتها بين مكان وزمن وبحث وتاريخ ورفقة وأحبة وماض ومودة وبين عميق محبة وشكر.

يوم مشهود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كان حفل تكريم الأستاذ الغرايب برحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة، بل يوما فسيفسائيا معبرا عربون محبة وتقدير ومودة لأستاذ باحث من طراز رفيع المستوى، أعطى لشعبة التاريخ وللجامعة المغربية وللخزانة التاريخية الأكاديمية ومن ثمة لوطنه، كثيرا مما يستحق به كل حفل واجلال واكبار. ولعل سفريات المحتفى به البحثية في تاريخ مغرب العصر الوسيط واضافاته غير الخافية عن الباحثين، كانت بما كانت عليه من تنقيب وكشف وإعادة ترتيب فضلا عن قراءة سيرورات وجدل معطيات ومفهوم. هكذا ما كان للمحتفى به من عطاء ومواكبة وفرز وإبراز دون كلل لسنوات وسنوات، وهكذا كان ايضا بأثر في إغناء أزمنة أبحاث ودراسات. وقد جمع في مساره بين خصال استقامة ورصانة وصرامة علمية بحثية طبع هدوء وإعمال عقل، فضلا عما طبعه من جميل أخلاق وتعفف وتواضع وحسن سلوك وإنسانية انسان.