ثقافة البهرجة والتلميع بتازة وانهيار أسوار أثرية بالمدينة أمام أعين الجميع..

تازة بريس30 ديسمبر 2022آخر تحديث : الأحد 1 يناير 2023 - 12:34 صباحًا
ثقافة البهرجة والتلميع بتازة وانهيار أسوار أثرية بالمدينة أمام أعين الجميع..

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

حاضرة تازة، هذا هو الاسم الرمزي التاريخي الذي ينسجم مع إرث ومكانة تازة في زمن المغرب والمغارب والعالم العربي الاسلامي، كغيرها من مدن البلاد الأصيلة التي كانت بامتداد ودور ما في تاريخ البلاد والذي جعلها بما هي عليه من تراث شاهد مثل فاس ومكناس وسلا ومراكش وتطوان وسبتة وغيرها. لكن واقع حال تازة الآن ضمن مدن المغرب العتيقة يبدو أنه لم يعد يسمح بنعتها ب”الحاضرة”، لكون هذا الوصف في بعده الرمزي التاريخي عموما لم يبق منه سوى الاسم. بحيث كل شيء من تراث وواقع جذب بها بات مشهدا لا يعكس حمولة كلمة “حاضرة”، وفق ما هو متعارف عليه من احالة ودلالة انسانية حضارية، نظرا لِما شهده مجالها الأصيل من تدهور شمل وعاء إرثها المادي واللامادي معا من حيث ما هو حماية وتثمين الخ.

ويظهر والحالة هذه، أن تازة العتيقة لا تستفيد من زمنها في انتاج بعض ثروتها، ولم تنجح بعد في دمج مواردها التاريخية ضمن ما هو مناسب من ورش رافع لتنمية مجالها العتيق (تازة العليا). ولعل هذا واقع كان بأثر على مجالها هذا من حيث ما ينبغي من دينامية، بنفس ما هي عليه مدن تطوان من ايقاع مثلا ومعها طنجة والرباط مراكش وغيرها. ويتبين أنه إذا كان الجزء الأصيل من مدن المغرب التاريخية هو مصدر جاذبيتها وانتاج جزء من ثروتها وديناميتها بشكل من الأشكال، فواقع حال تازة عكس ذلك تماما عندما باتت بنوع من الموت الى حين. وغير خاف أن واقع المدينة هذا، كان بأثر سلبي ليس فقط على مستوى ما هو  حركية مجالية وثقافية واجتماعية وتجارية وحرفية وترفيهية مثلا، انما أيضا على ما هناك من انحسار وضعف إقبال وجودة حياة بمجال المدينة العتيقة، إثر ما هي عليه من ضعف اشعاع  لمرافق تاريخية من مدارس وزوايا وغيرها، ومن تدهور لمنشآت أثرية من أبواب وأضرحة وحصون وأسوار وأبراج وخنادق تاريخية محيطة وغيرها، فضلا عما كانت عليه من مكونات منشطة لحياتها العتيقة من قبيل أفرنةوحمامات وفنادق، وأمكنة دالة من قبيل رحبة سمن وغزل وصوف وزرع وثمور وغيرها، ومن تجمعات حرفية متناغمة مجاليا جاذبة متناسقة في مشهدها من قبيل زنقة نجارين وقزدارين وخرازين وخياطين وعطارين وغيرها، ناهيك عن أزقة بهذا الاتجاه وذاك كانت بجملة أنشطة عدة متقاطعة فيما بينها وبانسجام جاذب مؤثث الى عهد قريب.

 ولعل فقدان كل هذا وذاك من الرمزي المحلي عموما كان بأثر في ركود وضعف جاذبية، ومن ثمة ما هناك من هشاشة تسببت فيما تسببت من هجرة صوب إما المدينة الجديدة تازة السفلى أو بعيدا باتجاه مدن مغربية كبرى، بحيث يسجل أن عددا معبرا من أسر تازة الأصيلة التي ارتبطت بالمدينة العتيقة، شدت رحالها بشكل نهائي تجاه مدن اخرى خاصة الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس وغيرها.  ويسجل أنه بقدر ما هناك من أسباب عدة كنت وراء هذه الهجرة من قبيل ما اصيبت به تازة العتيقة من تراجع على اكثر من مستوى، بقدر ما يسجل من عجز نخب المدينة السياسية فيما ينبغي من ترافع على هوية وروح وإرث المدينة ومصالحها وتوازنها ومرافقها. بحيث يتبين أن ما هناك من نخبة تازية سياسية باتت معزولة وبأدوار غير مؤثرة في مشهد المدينة، مكتفية بتأمين مصالحها الضيقة الشخصية والدفاع عنها لا غير. ناهيك عما هناك من صراعات سياسية وغياب رؤية موحدة لدى مدبري شأن محلي، يبدو أنهم باتوا في واد والمدينة العتيقة بل المدينة ككل في واد آخر، وهذا واقع مجال الحديث فيه ذو شجون وقد فوت على تازة العتيقة فرصا عدة لم يتم استثمارها مع الأسف، ما جعلها تتراجع سنوات الى الوراء لِما هي عليه من بنية عامة وواقع مثير للسؤال والقلق على أكثر من صعيد. بحيث يتبين أن الحظ لم يحالف مجال تازة العتيق لحد الآن من اجل اطلاق مشاريع بنيوية قادرة على بعث الروح فيها، وتغيير صورتها وحركيتها، مثلما حصل في عدد من المدن المغربية الأخرى التي بات مصدر جزء من ثرائها هو مجالها العتيق. لتظل مآثر تازة بنوع من الاهمال لدرجة انهيار بعضها أمام أعين الجميع(سور باب الجمعة، معلمة باب الريح، أضرحة أولياء وصلحاء، تدهور وتهديد ابراج وحصون كما حصل مع حصن السعديين “البستيون”..). الواقع الذي بقدر ما لا يحفز على طرح أي ورش وحديث عما هو تنمية سياحية، بقدر يعكس ما هناك من قلق واقع يخص قتل ذاكرة مدينة تاريخية.

ويظهر لكل مهتم ومتتبع أن الجميع تقريبا أخذ موقع ودور متفرج على ما هناك من تراجع وتدهور معبر باتت عليه تازة العتيقة، باستثناء قلة قليلة من  أصوات غيورين ينبهون بسبلهم الممكنة لإنقاذ ما يمكن انقاذه ووضع المسؤولين مع السؤال وفي موضع مساءلة، خاصة منهم المدبرين والمعنيين بمجال التراث المادي واللامادي والثقافة وحماية للمباني الأثرية ومراقبتها، من خلال ما يجب من رصد وتتبع وتنبيه وفق ما تسمح به المهمة المنوطة. وهنا ما يسجل على المديرية الجهوية للثقافة ومعها المديرية الاقليمية للثقافة بتازة، من تقصير غير مبرر ومن لامبالاة بواقع المدينة الأثري، نظرا لِما يظهر أنها ليست بما يجب من انخراط في حماية تراث المدينة والدفاع عنه، بحيث يظهر انها لم تكنن بما ينبغي من دور واقعي عملي تواصلي ترافعي، لوقف ما حصل من خروقات وهجوم اسمنتي غير قانوني مثلا على”برج وحصن “البستيون”، الذي لم يكن يبعد عن مقرها سوى بأمتار قليلة. بخلاف مثلا ما كانت عليه الوكالة الحضرية من موقف ووعي ظاهر وخفي بالمسؤولية وقد حرصت من خلاله على حماية تراث تازة، وهذه المعلمة الأثرية التاريخية المتفردة وطنيا والتي تعود لقرون خلت. وكأن هذا الحصن بالنسبة للمديرية الاقليمية للثقافة لم يكن بقيمة ولم يدرج ضمن مكونات ملف تصنيف تازة تراثا وطنيا، الحدث الذي كثيرا ما طبلت له وبهرجة وخطبت به واستثمرته هنا وهناك مع كل مناسبة.

وهنا جدير بالاشارة لِما كان لبعض الاعلام وفعل المجتمع المدني، فضلا عن ثلة من الغيورين مع تفهم لمرافق عمومية وقفت بجانب هذا الموقع الأثري منصفة اياه في آخر لحظة. وهو المعلمة التي بقدر ما كانت معرضة لمصير مجهول، بقدر ما لم يحرك وجدان مديرية للثقافة ومسؤولية مصلحة خاصة بها مهمتها حماية التراث بقوة القانون. تلك التي لم تكن تبعد عن هذه المعلمة سوى ببضعة أمتار كما سبقت الاشارة. ما يحيلنا للحديث على أن واقع قطاع الثقافة والتدبير الثقافي والمسؤولية الثقافية بتازة خلال السنوات الأخيرة على الأقل، بقدر ما لم تكن بما ينبغي من حرص على حماية معالم المدينة التي شهدت ما شهدت من تدهور غير مسبوق، بقدر ما لم تحافظ على أثاث تازة الثقافي الابداعي وعلى ما كانت عليه المدينة من غنى وتقاليد تنشيط واضحة المعالم بحسب مواسم السنة وتميزات فصولها، لدرجة تشتيت ما تم بناءه عبر عقود من قِبل سلف إداري ثقافي بالمدينة، ولدرجة أن مساحة هامة من مثقفين ومبدعين ومهتمين ومتتبعين ورأي عام محلي، بات بنوع من الحنين لماضي ثقافة وابداع واشعاع المدينة الذي بات في خبر كان.  

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق