تازة : لا لرحيل الربيع الثقافي ولا لتوقف الدينامية الثقافية التي انطلقت ..
تازة بريس
الأستاذ عبد اللطيف جنياح
تعيش مدينة تازة على إيقاع الأيام الثقافية المنظمة من طرف المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة، التي انطلقت منذ 18 أبريل المنصرم وتمتد إلى 18 ماي الجاري، وذلك في سياق شهر التراث المعلن عنه ربيع هذه السنة، وتم في هذا الإطار تنظيم أنشطة ثقافية وفنية وإبداعية فضلا عن أنشطة علمية مفتوحة ومعارض فنية وورشات تربوية تحسيسية بأهمية التراث، وكان ضمن محاور الأيام الثقافية هاته، جلسات أدبية ابداعية واحتفاءات تقديم وتوقيع لبعض الإصدارات المتعلقة بالعمل الروائي والسيرة الذاتية، كما هو الشأن بالنسبة لرواية”باب الريح” للكاتب والأديب المقتدر الأستاذ عبد الإله بسكمار، والسيرة الذاتية الموسومة ب”بالأبيض والأسود” للفنان والمخرج المسرحي والسينمائي المرموق الأستاذ نورالدين بن كيران.
ربيع تازة الثقافي هذا، جاء موسوما بالانفتاح على مختلف الفعاليات التي تؤثث المشهد المحلي الثقافي والإبداعي والفني، الذي برزت إلى واجهته طاقات إبداعية محلية أسهمت بشكل كبير في خدمة المدينة، من خلال الإصدارات المختلفة التي عززت الوعاء المكتوب للمدينة وأغنت الخزانة الأدبية المحلية، ومن خلال العروض المسرحية والمعارض الفنية والأمسيات الشعرية التي تفاعل معها الجمهور المهتم بشكل بارز، وغير ذلك من المبدعين الذين أنصفهم الربيع الثقافي بعد تغييبهم لسنوات طويلة قسرا وإهمالا. إن أهمية الأيام الثقافية لمدينة تازة لا تتجلى فقط في الانفتاح على الطاقات الإبداعية المحلية وإبراز المنتوج الثقافي والإبداعي والفني المحلي، بل تتجاوز ذلك إلى استحضار أهمية التراث كرأسمال مادي ولا مادي يرتبط بعبق ذاكرة تازة المدينة العتيقة، ويعبر عن صورها وملامحها المتشكلة عبر التاريخ. هذا الرأسمال الذي من المفروض توسيع وتعميق النقاش حوله، في اطار ندوات محلية وأيام دراسية لتحديد كيفية التعاطي معه تأهيلا وتثمينا وتفعيلا لوظيفته التنموية، خاصة وأن المدينة العتيقة مصنفة تراثا وطنيا وتزخر بتراث ثقافي متميز ومتنوع شاهد على حقب مهمة من تاريخ المغرب.
ويبقى ربيع تازة الثقافي فرصة لاستحضار مشروع المركب الثقافي مولاي يوسف الذي توقفت أشغال بنائه مند عدة سنوات، والذي كان من المفروض أن يشكل صرحا ثقافيا بالمدينة بعدما توفرت كل الشروط لإنجازه، انطلاقا من تخصيص الوعاء العقاري لهذه الغاية تحديدا من طرف البعثة الكاثوليكية التي يوجد مقرها بالعاصمة الرباط، وذلك بناء على عقد الشراكة الذي أبرم بينها وبين المجلس الجماعي لتازة سنة 1999 ، واستنادا إلى دفتر التحملات الذي لم تعمل المجالس الجماعية المتعاقبة على تسيير الشأن المحلي على تنفيذه، والتي لم تف بالتزاماتها لإتمام هذا المشروع الهام وإخراجه إلى حيز الوجود. وهو ما يزيد من قلق المجتمع المدني الذي يتابع تطورات هاته القضية عن كثب، توجسا من أي التفاف حول هذا المشروع الذي يعتبر الإسراع في إتمامه مطلبا لا محيد عنه، خاصة وأن هذه القضية مطروحة بقوة على أجندة الائتلاف المدني التازي الذي لن يتوانى في الدفاع عن هذا الصرح بجميع الوسائل المشروعة، باعتباره مرتبطا بالحقوق الثقافية للساكنة كما هي منصوص عليها دستورا و قانونا.
ستنتهي الأيام الثقافية لتازة وسيسدل الستار عن شهر التراث، لكن الربيع الثقافي للمدينة يجب أن لا يرحل والدينامية الثقافية التي انطلقت يجب أن لا تتوقف في انتظار تفعيل الدور المنتظر من المثقفين، باعتبار البيت الثقافي القائم على وحدة الفعل الثقافي هو بوصلة المجتمع المدني، لِما يجب أن يضطلع به المثقف من مهام بناء الوعي الاجتماعي وتسليط الأضواء على قضايا الشأن العام، وإخضاعها لسلطته المعرفية وبناء المهارات والقدرات لدى الطاقات والكفاءات الشابة الصاعدة وتوجيهها للانخراط في التنمية المحلية في بعدها الإنساني. وإذا كان المبدعون الذين أثثوا المشهد الثقافي خلال شهر التراث بتازة، قد أبانوا عن التحام لا مثيل له عبر انخراطهم التام في مختلف الأنشطة الثقافية والفنية ودعمها، فإن هذا يعتبر مدخلا لتكريس وحدة الفعل الثقافي وبناء وتفعيل الثقافة التنظيمية باعتبارها المهمة الحديثة للمثقفين. فليواصل الربيع الثقافي بتازة زحفه لإحياء المساحات المتصحرة في الزمن الرديء، وليواصل أبناء تازة البررة عبورهم نحو مستقبل مشرق لمدينة طال انتظار إنصافها، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة كما قال محمود درويش ذات يوم.
منسق الائتلاف المدني التازي