تازة بريس
عبد السلام انويكًة
منذ القدم وباعتبارها حاضرة مغربية اسلامية اصيلة بإحالات مادية ولا مادية، كانت تازة دوما بتناغم تجليات عدة تخص روح رمضان، فضلا عن ارث ثقافي زاخر بمساحة تقاليد وعادات ذات صلة، جزء منه لا تزال صوره ومعالمه وتفاعلاته قائمة ممتدة هنا وهناك ضمن مجال المدينة العتيق خاصة، تحديدا على مستوى البيوت التازية الأصيلة ومعها دور عبادة من جوامع ومساجد وزوايا ومدارس دينية وغيرها، دون نسان ما كان لهذا الإرث الرمزي التازي الرمضاني، من حضور ضمن مشاهد حياة وعلاقات من قبيل ما هو حرف وفضاءات وأزقة حرفيين، ومن قبيل ايضا ما كان مؤثثا لحركة تجارة ومحاور كانت بنبض خاص رغم كل هذا الزمن، ذلك الذي كان ولا يزال يحكم ويطبع ويميز “قبة السوق”، نقطة لقاء تازة التاريخ والانسان والتراث ودفئ صلتها واصالتها ووصلها. قبلة كل ابواب المدينة ودروبها وأزقتها وأقواسها فضلا عن اسوار محيطة وابراج وغيرها. وأما النصيب الثاني من ارث تازة الرمضاني الاصيل، فهو ما انتهى بل اندثر وأصبح في خبر كان، لأسباب عدة جامعة بين حمولة ماض ومتغير حاضر فضلا عن طبيعة تطلع ونظر انسان. ويسجل بين هذا وذاك من ارث تازة الروحي الديني، ما يحضر ويغيب فيه بحسب شروط استمرارية وبقاء وتأثيث.
ولعل من صور رمضان تازة زمان الى عهد قريب ما يُعرف ب”المهلل”، ذلك العازف الروحي الرمضاني بايقاعه الأصيل وصدى صوتياته ونغمه الصوفي. “المهلل” الذي كان بقدر رافع منعش لليالي المدينة في شهرها الفضيل، فضلا عما كان عليه من رمزية أثر وتقاسم وشعور وروح عبادة وعقيدة. “وقد ارتبط موقعه ووقعه بجامع تازة الأعظم، بذاكرة ورموز واسماء وتجارب واصوات وايقاعات وشيوخ الى عهد قريب. مكون روحي تراثي رمزي أصيل، بقدر ما يحضر هنا وهناك بين كتب تاريخ ورواية، بقدر أيضا ما هو بحاجة لحفظ وحرص واعتبار، لِما يحتويه من بعد حضاري وهوية، وما هو عليه من احالة وقيم دين. ورغم كل ما حصل من فتور موقع ومَهمة اصيلة لـ”المهلل” التازي”، لا يزال بمكانة في الذاكرة الشعبية المحلية خلال شهر رمضان، ِلما لا يزال عالقا في ذهنياتٍ وعقلياتٍ وتمثل من حيث أثره في جلب البركة صوب بيوت وعيش ومعيش، ولِما كان ولا يزال ينظر اليه من حيث امتلاء الحياة بفضله بجميع ما هو خير وتفاؤل وصحة ونِعم وعافية وتيسير ويسر. فضلا عما كان لـ”مهلل” جامع تازة الأعظم في هذا الشهر الكريم، من دور مؤنس لساهرين وموقظ لنائمين، عبر اطلالات وتوزيع نغمات روحية صوب انفس.
وينضاف لتقليد “المهلل” في رمضان تازة زمان، ما كان يحضر ويؤثث ليلة القدر ضمن العشر الأواخر من تقاليد مشاهد وشعور ضارب في القدم، ما يعكس عمق قيم وتعلق لا يزال ممتدا في البيوت التازية لدى الأسر رغم كل ما هناك من تحولات وحداثة. وغير خاف الى عهد قريب حيث ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ما كان يطبع جنبات مركز المدينة العتيقة “قبة السوق” من استثناء حركة واقبال واقتناء لمواد ذات صلة بهذه الليلة المقدسة “ليلة القدر”. فالى جانب اقتناء ماء الورد والزهر وما يعرف في الذاكرة المحلية ب”التبخيرة”، يسجل ما كان لرمزية الشموع من دلالة واحالة وتمثل محلي، تلك التي كان يتم التوجه بها صوب البيوت والمساجد والأضرحة، فضلا عن المقابر في اليوم الموالي ترحما على الأموات ودعاء لهم بالرحمة والمغفرة والثواب. انما الموقع والوجهة التي كانت تسرق الأضواء من حيث درجة الاقبال، هو جامع بالمدينة العتيقة الأعظم السلطاني من اجل الصلاة وكذا الاستمتاع بفضاءاته وآثاره وتحفه وجمالية عمرانه وأبوابه وأقواسه وفناءاته ونافوراته وتحفة ثرياه الشهيرة المرينية، التي تكون في قمة اضاءتها كلية وجاذبية صنعها وعظمة شكلها وهيبة رمزيتها. والى جانب مشهد تازة الروحي التراثي من زمن رمضان، ما كان يطبع الأسر التازية من تقاليد ذات صلة، من قبيل ابقاء البيوت مضاءة طيلة ليلة القدر الى غاية صلاة الفجر، فضلا عن قراءة للقرآن وسماع لمديح على ايقاع روائح بخور.
تلكم بعض من اسرار تازة وتقاليدها وهويتها في شهر رمضان، من خلال أثر وأثاث”مهلل” ووقع وقدسية ليلة القدر، فضلا عن عظمة جوانب أخرى ذات صلة، لا شك أنها جزءا من روح مدينة وزخم ماض وعبق حضارة وهوية محلية، من المهم حولها وصوبها ما ينبغي من عناية وحفظ وتلاقح، ومن ثمة من إحياء واحتفاء.