السياسة والفعل الانتخابي في المغرب بعيون الباحث غسان الأمراني التازي ..

تازة بريس27 يوليو 2023آخر تحديث : الخميس 27 يوليو 2023 - 3:44 مساءً
السياسة والفعل الانتخابي في المغرب بعيون الباحث غسان الأمراني التازي ..

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

حول إرث الاستحقاقات المغربية وتطلعاتها، وما هناك من تدبير وسلوك وأدوار وعلائق وخيارات وقراءات ونصوص قانونية ومؤسسات وغيرها. وحول السياسة بالمغرب وآلياتها وما هي عليه من طبيعة نسق تعد الانتخابات من قضاياه الأكثر جدلاً. حول هذا وذاك ومن نصوص خزانة المغرب العلمية البحثية القانونية، ارتأت تازة بريس بعض الضوء تنويرا لقرائها، حول كتاب بقيمة مضافة عالية. مؤلف موسوم ب”العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب”، صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر في طبعة أولى بأزيد من أربعمائة صفحة، ضمن منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط، هو في الأصل أطروحة جامعية باللغة الفرنسية أعدها الباحث غسان الأمراني أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، لنيل شهادة دكتوراه في القانون أشرف عليها عبد الله ساعف الوزير السابق والباحث السسيولوجي والمثقف الغني عن كل تعريف في مجال الثقافة وفي الوسط المغربي الأكاديمي والسياسي.

“إن ما سُجل من خيار عدم تدخل السلطة بالمغرب في أول محطة انتخابية خلال الألفية الثالثة، خلافاً لِما طبع سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لم يمنع من عزوف أبان عن عدم رضى حول الشأن الانتخابي. وإذا كانت الظاهرة تتحدد بعدم التسجيل في لوائح انتخابية ترى مساحة هامة من المواطنين أنها دون أهمية، فهي ترتبط أيضاً بمن هم مسجلين لكن لا يحضرون لمكاتب التصويت. إن ما هي عليه العملية الانتخابية من ضعف مشاركة وما هو مسجل حولها من نسب وأرقام، يدعو للسؤال حول كون ما هو كائن أمر غير عادٍ ولا عابرٍ بل ظاهرة قائمة تزداد خطورة من محطة لأخرى”.

اشارات بقدر كبير من الأهمية استهل بها غسان الأمراني تقديما عميقاً لمؤلفه”العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب”، مشيراً لقضية ضعف مشاركة فيها كإشكالية يرى إمكانية تحديدها من خلال جملة مؤشرات. أولاً: ما يتعلق بتطور نسبة مشاركة منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، مع أهمية الاشارة الى أن ما سُجل من نسب تخص محطاتها الأخيرة تعد الأضعف في تاريخ الانتخابات المغربية، ثانياً: ما يهم نسب المشاركة المسجلة خلال نفس الفترة بدول أخرى كما الحال مثلاً بالنسبة لتونس عربياً وفرنسا أروبيا، وضع- يقول المؤلف- تتبين معه فروقات على مستوى ما هو مسجل من أرقام وبالتالي ضعف اقبال في هذه المحطات من الاستحقاقات. ثالثاً: ما يتصل بطبيعة أرقام معلن عنها حول مشاركة المواطنين في المحطات الانتخابية الأخيرة والتي لم تتجاوز الخمسين بالمائة، وهنا يطرح سؤال المعدل الانتخابي ثم إشكال ضعف المشاركة في العملية، كذا سبب غياب المنتخبين على نطاق معبر خلال الاستحقاقات السياسية الانتخابية الأخيرة سواء التشريعية أو الجماعية.

في علاقة بأحزاب سياسية وبقراءة نتائج بحث ميداني يخص هذا الشأن- يضيف الباحث-، يتبين أن هناك شعور بعدم رضى من قِبل المواطنين تجاه العملية الانتخابية والأحزاب السياسية، وبالتالي اتساع خطاب يقول بأنانية مكونات وأعضاء هذه الأحزاب فضلاً عما هناك من محسوبية، ناهيك عما بات متداولاً حول كون هؤلاء مجرد (لصوص) مدافعين عن مصالح خاصة لا غير، ومن ثمة قناعة وقول بعدم الفائدة من الانتخابات والتصويت لا على هذا ولا ذاك ما دام أنهم متشابهين.

وحول ما بات جلياً تزايده من نسبة عزوف المغاربة الانتخابي مع كل محطة استحقاقية، يتساءل الباحث حول هل المسألة ترجمة لمعارضة سلبية من قِبل مساحة واسعة من المنتخبين للعمل السياسي بكل تكويناته دولة وأحزاب وانتخابات، وهل الواقع أمراً عادياً لا يحتوي سخطاً ولا يعكس عدم مبالاة تجاه ما هو سياسي. إن ما حصل في انتخابات البلاد الأخيرة من خلال نتائجها ونسب مشاركة المواطنين فيها كذا ما طبعها من أصوات ملغاة وبطائق فارغة، يسمح بالقول- يضيف- أن هناك أزمة تهم درجة الاقبال والدولة والأحزاب السياسية معاً.

واقعُ تناوله الباحث بكلية الحقوق السويسي بالرباط، مستحضراً جملة معطيات سياسية واعتبارات تنظيمية ومؤسساتية، معرجاً عما عرف قبل بضع سنوات ب” الربيع العربي” الذي كان نتاج غياب دمقرطة حقيقية وحرية وتنافسية مؤسسَّة على انتخابات كآلية تنظيم للمجتمع. وعليه، فالبحث في مسألة العزوف الانتخابي قضية على قدر كبير من الأهمية الاجتماعية والسياسية لطرح تساؤلات، فضلاً عن مزيد تفكير ورأي ومقترح وتحليل وتنوير من أجل مستقبل البلاد، علماً أن ما بات يتقوى من شك لدى شريحة واسعة من المواطنين يعكس أزمة ثقة ومسؤولية ومشروعية، لا يمكن أن يترتب عنها سوى أزمات اجتماعية وسياسية على مدى بعيد. وبناء على فرضية كون تراجع نسبة المشاركة في انتخابات البلاد هي تعبير عن استياء وشك على قدر من الاتساع، فإن هناك موقفاً سلبياً تجاه السياسة والدولة والأحزاب السياسية ومعها العملية الانتخابية. وهنا أهمية السؤال حول الأسباب الواقعية لهذا الموقف، ولماذا فقَد المواطن كل جذب وثقة في السياسة والعملية الانتخابية، ولماذا رفض الأحزاب السياسية وما سر فقدانها لوقعها ومصداقيتها ومنخرطيها وجماهيرها- يضيف الباحث- بخلاف ما كان عليه الأمر في الماضي.

لقد توجه صاحب مؤلف”العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب”، لدراسة الظاهرة في أبعادها السياسية باعتبارها موقفاً سلبياً صوب واقع سياسي في أفق ايجاد أجوبة شافية حول الإشكال. وعليه، ارتكز بحثه على نتائج دقيقة خصت مختلف محطات البلاد الانتخابية منذ الاستقلال قبل حوالي ستة عقود من الزمن حتى الآن رغم ما يسجل من نقص معبر في مراجع ووثائق وأسناد، علما أن نتائج عدد من المحطات الانتخابية لم يتم نشرها فضلاً عما هناك من بياضات فيما نشر منها. وبقدر ما تأسس عمل الباحث غسان الأمراني العلمي على ما توفر من ببليوغرافيا منذ ظهور أول حزب سياسي بالمغرب بداية ثلاثينات القرن الماضي، بقدر ما تعزز هذا العمل البحثي الأكاديمي برؤية أحزاب مغربية عدة تجاه فعل البلاد الانتخابي، وما هناك من أحداث هامة طبعت تاريخها السياسي الحديث سواء تعلق الأمر بما هو يسار أو يمين. لرصد ما شهده المجال السياسي الانتخابي من تطورات وتنافس بين مختلف التيارات، فضلاً عما يحكم العملية من اتجاه تصويت ودرجة أصالة وواقع قوى سياسية وأساليب وغيرها. وعليه، فإن ما اعتمده الباحث من نهج مقابلات حول ظاهرة العزوف السياسي والاحزاب السياسية بالمغرب، كان بأثر معبر في اغناء هذا العمل بقراءات واشارات واستنتاجات وتحليلات على قدر عال من الأهمية. وهو ما شمل مساحة واسعة من سياسيين وفاعلين ومسؤولين حزبيين مغاربة، منهم محمد بوستة ومحمد المساري وسعيد السعدي ومحمد اوجار ومحمد الكًحص وعبد الهادي خيرات، كذا عبد الكريم بن عتيق ومحمد الساسي ونبيلة منيب وعبد الله الحريف..، فضلاً عمن تم التفاعل معهم من مهتمين وباحثين وسياسيين ونشطاء جمعويين ومناضلين ومواطنين، ضمن بحث ميداني رغم ما يحيط به من صعاب على أكثر من جانب.

هكذا توزع الكتاب البحث على فصول ثلاثة كبرى، خُصص الأول منها للمشاركة السياسية الانتخابية بالمغرب من خلال تناول عبر مبحثين، لِما حصل من تطور في وثيرتها منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وما اتصل أيضاً بسسيولوجيتها في علاقتها بالمجال الحضري والمدن الكبرى والمتوسطة كذا المجال القروي والمراكز الصغرى. ليتمحور فصل ثان من المؤلف حول ما تراكم من معطيات وحقائق تخص المسألة، بحيث تمت مقاربة ما حصل من عبث بإرادة شعب تماشياً مع حركة وطنية من جهة ومعارضة من جهة ثانية فضلاً عما تم إحداثه من أحزاب سياسية إدارية، الى جانب مناقشة ما طبع خط الحركة الوطنية من فشل وتداعيات وغياب أفق، دون قفز عما عرفه الخط السياسي الاشتراكي من افلاس ونهاية تعبئة اديولوجية، وعما حصل من تمدن وترييف مدن بلاد وثقافة هوامش وسكن هش وشباب لا مبال وتطرف.

أما في فصل ثالث وأخير فقد تم تناول الإشكال “العزوف”من خلال ما نُعت بالتقليد السطحي وما هناك من تأثير أجنبي ونموذج استعماري وتشكيل وتكوين متناقض والتباس ايديولوجي. مع توجيه العناية لخاصية نشاط هذه الأحزاب من خلال ما هو تنظيمي ومقرات ومنخرطين وانشقاقات وقرب من السلطة، كذا لِما نعته الباحث ب” تجدير التشارك”عبر ما حصل من تعاطف ظرفي (المقاومة من أجل الاستقلال) وما هناك من مؤشرات هشاشة، ومن تمة انتهاء الباحث الى أن أحزاب المغرب السياسية مجرد آلات انتخابية لا غير، فضلاً عن أزمة ثقافةِ نضالٍ وظاهرة أعيان مستثنيا في ذلك حزبا واحداً في خلاصته. هكذا انتهى المؤلف الى جملة أسئلة وآفاق وتطلعات وطنية تخص سبل التحول صوب ما هو دمقرطة وشفافية ومصداقية وحكامة جيدة وانسان مناسب في مكان مناسب ومسؤولية ومحاسبة.. وصوب ما هو اشراكٍ وتشارك ومشاركة سياسية.  وحول أهمية فهم طبيعة العلاقة بين الأفراد والمؤسسات والأحزاب السياسية وبين هؤلاء والدولة في اطار الدستور، وخول ما ينبغي من قاعدةٍ ووقعِ انتخابي ونسبة مقنعة لفرز ما ينبغي من وعي. وحول ما ينبغي من بحث علمي شاف من اجل جدل وحديث عن شأن البلاد الانتخابي وما هو عليه من تدبير وظواهر، لتجاوز ما هو واقع وبلوغ ما هو مؤمل.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق