حول زمن تبعية الجنوب الشرقي المغربي لعمالة تازة والخبر عن”السملالي”
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
هي امتداد مجالي هضبي واسع شمالا، حيث منتجعات بلاد”الظهرة” والتخوم المغربية الجزائرية. وهي امتداد مجالي جبلي جنوبا، حيث إلتقاء جبال الأطلس الكبير الشرقي المغربي بسلسلة الجبال الصحراوية الجزائرية. تلكم هي منطقة الجنوب الشرقي المغربي التي كانت أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي زمن حكم المولى سليمان والمولى عبد الرحمن بن هشام، اقليما تابعا لعمالة تازة. وعن هذه العلاقةوالتبعية من خلال الأرشيف، هناك رسالة موجهة من عامل تازة “عبد الله الشاوي الأحلافي” لقبائل وقصور بلاد الجنوب الشرقي المغربي عام ألف وثمانمائة وتسعة وعشرين، وقد اخبرهم فيها بقدوم السلطان مولاي عبد الرحمن في حركة تجوالية له، قصد الاجتماع بشيوخ المنطقة وقبض جباياتها فضلا عن فرض السلطة المخزنية بالمنطقة، بعد ظهور الخطر الأجنبي الذي بات يهدد وحدة البلاد الترابية اثر احتلال الجزائر من قبل الفرنسيين. علما أن منطقة الجنوب الشرقي المغربي، كانت وحدة قائمة بذاتها مرتبطة مباشرة بالسلطة المركزية منذ فترة حكم المولى اسماعيل، وقد ظلت بهذا الارتباط رغم انقطاع إرسال العمال اليها وقبل اضافتها لعمالة تازة عندما وُليَ أعمالها عبد الله الشاوي.
وبالنظر للمسافة بين منطقة الجنوب الشرقي المغربي الواسعة وتازة، يظهر أن إلحاقها بهذه الأخيرة أمر غير منطقي وغير منسجم مع مبدأ القرب، إلا أن وضعية المجال الجغرافي في الماضي وكيفية استغلاله وتدبيره كان يختلف عما هو عليه الأمر حاليا. ذلك أن تازة ونواحيها، كانت مرتبطة ببلاد الظهرة (بني كًيل) عبر خط سير رئيسي لقوافل الحجاج القادمين من فاس وباقي شمال المغرب قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر. وكثيرا ما كانت قوافل هوارة وغيرها من قبائل حوض ملوية وأحواز تازة، تقوم بتموين منطقة الظهرة بالحبوب. بل كانت قبائل بني كًيل ترحل أحيانا الى تازة لجلب حاجياتها(الميرة) عندما كانت تنقطع عنها أسواق أنكًاد وتلمسان، بسبب اضطراب الأحوال الأمنية في الأولى وتدهور العلاقات بين المغرب والجزائر في الثانية. هكذا كان الجنوب الشرقي المغربي في اطار التقسيم الترابي، طيلة فترات حكم السلاطين العلويين منذ المولى اسماعيل حتى المولى عبد الرحمن، إما ولاية قائمة بذاتها أو تابعة لتافيلالت أو لعمالة تازة، أو مرتبطة بالمركز المخزني مباشرة عبر ما يعرف بالرسالة والوفد.
يذكر أنه الى حدود عام ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين، لم يعين المخزن المغربي أي عامل مقيم في منطقة الجنوب الشرقي لتمثيل السلطان بها لدى القبائل والقصور، فقط ما كان يقوم به عامل وجدة من حيث تسوية المشاكل مع الفرنسيين الذين احتلوا الجزائر. أما قبيلة بني كًيل فقد ناشد أعيانها السلطان من خلال رسالة لهم عام ألف وثمانمائة وثمانية وثمانين، كي يلحقهم بعمالة تازة نظرا لِما كان هناك من ضغط للفرنسيين على الحدود المغربية وعلى عامل وجدة. ونستحضر خلال هذه الفترة بعثة مخزنية انتقلت الى فكًيكً برئاسة مولاي عرفة أخ السلطان الحسن الأول، وقد استهدفت التعرف على الحدود الجنوبية الشرقية، ومعاينة النقط الترابية المتنازع عليها بين المغرب والسلطات الاستعمارية الفرنسية بالجزائر، عندما اتخذ الفرنسيون من عين الصفراء مركزا لمراقبة القبائل الجزائرية بالمنطقة بالموازاة مع عمليات استكشافية مجالية لها.
وحول ما قد يكون بعلاقة مع تازة ووقائعها وتطورات احداثها وتدبير مجالها بعد احتلالها من قبل الفرنسيين مطلع العقد الثاني من القرن الماضي، من المهم الاشارة الى أن ممن رافق البعثة المخزنية السابقة الذكر صوب الجنوب الشرقي المغربي شخص يدعى”علي السوسي السملالي”، وقد وضع تقريرا مفصلا لأنشطة وأغراض هذه البعثة المخزنية الترابية. وهذا التقرير الذي سماه ب”منتهى النقول ومشتهى العقول”، توجد نسخة منه بالخزانة الحسنية بالرباط في ثلاثة وثلاثين صفحة مكتوبة بخط مغربي، وقد أهداه”السملالي” هذا للسلطان الحسن الأول.
للاشارة ففي اطار حل الخلافات والوساطة عبر المقربين من المخزن، فإن ما كان يقع بمنطقة الجنوب الشرقي المغربي من نزاعات وشكايات، كانت بحاجة لمبعوثين الى قصر “المعيز” بفكًيكً مثلا، إثر ما كان يعرفه من صراعات انقسامية من حين لآخر بين فرقه. وعليه، كان يتدخل السلطان الحسن الأول لحل ما كان يحصل من نزاعات عبر حث المتنازعين على رفع قضاياهم اليه للنظر فيها بالمقتضى الشرعي، وعبر ايضا إرسال مبعوثين له الى المنطقة للوقوف على اجراءات الصلح بها، ولعل ممن كان من مبعوثي السلطان خلال هذه الفترة هناك “علي السملالي السوسي”.
وهنا سؤال الباحث والمهتم حول طبيعة علاقة”علي السوسي السملالي”، الذي وضع تقرير البعثة المخزنية ورافقها صوب الجنوب الشرقي المغربي، ب: “هاشم السملالي” وأسرة”السملالي”السوسية الأصول التي ارتبطت بتازة وجوارها قبل وبعد احتلالها من قبل القوات الفرنسية في ماي من سنة ألف وتسعمائة وأربعة عشر . وكان مما ورد في تقارير عدة بعد تمكن القوات الفرنسية من ممر تازة واحتلالها المدينة في 16 ماي 1914، أن المقيم العام بالمغرب الجنرال ليوطي بعد دخوله رسميا لتازة، تلقى برقية من السلطان مولاي يوسف تمت الاشارة فيها لتثبيت القائد هاشم السملالي، ودعوته باسم المخزن لاستعمال نفوذه وتأثيره لضمان وتوفير الاستقرار وإخضاع القبائل. وكان هذا الأخير بعد تعيينه باشا على تازة، يرافق العمليات العسكرية الفرنسية على مستوى المناطق المجاورة للمدينة، وكانت مهمته تقديم المساعدة في التواصل مع القبائل خاصة منها قبيلة غياتة الغربية. وقد اعتبرت السلطات الفرنسية الشريف”هاشم السملالي” الذي توفي في نونبر من سنة 1928، من المتعاونين الأوفياء لِما قدمه من مساعدة إثر عبورها باتجاه تازة انطلاقا من مركز “امسون” شرقا، أو خلال أنشطتها الأمنية العسكرية بعد احتلالها للمدينة.