تازة بريس
” تازة على عهد الحماية.. قبائل في مواجهة الاستعمار..”، عنوان نص بحثي تاريخي بحوالي مائتي صفحة من قطع متوسط، وكان قد صدر قبل عشر سنوات عن منشورات ومضة بطنجة. كتاب جاء بصورة في واجهته عن الأرشيف وتخص واحدة من معالم الاحتلال الفرنسي العسكرية بالمنطقة تحديدا ثكنة عسكرية كانت بما كانت عليه من تمركز وتجميع للقوات الفرنسية بمركز تايناست شمال تازة، حيث نقطة تماس ترابي بين ما كان يعرف خلال فترة الحماية بالمنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية. كما جاء معززا بتقديم رفيع المستوى للدكتور والباحث المتميز محمد الزرهوني ابن تازة البار الفاضل رحمه الله، وكان قد ألح ومعه ايضا الأستاذ الباحث عبد الاله بسكًمار بعفويته وما طبعه من حضن لكل عمل بحث كيفما كان شأنه، على نشر هذا العمل وعدم ابقاءه في الظل بتعبيره مع تفضله رحمه الله بتوقيع تقديم له، ضمنه جملة إشارات محكمة بعيون باحث مُلِم عارف بالشأن. ولعل هذا الكتاب الذي يعود فضل اخراجه للنور لهذه الروح الطاهرة، بسط لمحطات من تاريخ بادية تازة وتاريخ قبيلة البرانس الوطني العسكري(مقاومة الاستعمار)، منذ فرض الحماية على البلاد الى غاية تحقيق الاستقلال.
وقد جاء الكتاب باعتباره نصا مؤسسا غير مسبوق، بحديث عن خصائص موطن هذه القبيلة وسمات مجتمعها ومكونات أنشطتها، وكذا تفاعلاتها مع محيطها الريفي منه والحضري منذ القديم. خصوصا في مراحل حرجة من تاريخها التليد تلك المتعلقة بانخراطها الفاعل في مواجهة الأطماع الاستعمارية بشمال المغرب بين سنتي 1912- 1956م، وما واكب ذلك من مد وجزر مع مكونات النسيج القبلي المحلي، وشد وجذب بينها وبين فلول القوات العسكرية الاستعمارية، ناهيك عن التضحيات الجسيمة الفردية والجماعية التي قدمتها هذه القبيلة في سبيل استقلال البلاد. وبقدر ما شكل هذا النص التاريخي المؤسس حول المنطقة قيمة مضافة لفائدة تاريخها نظرا لما كان هناك من بياض تأليف، بقدر ما يعد اضافة للخزانة التاريخية المغربية وإسهاماً في حقل التاريخ المحلي. وهو الذي قال عنه الباحث محمد الزرهوني رحمه الله: “بقدر ما لهذا التخصص من أهمية بالغة في سبيل إماطة اللثام عن قضايا وإشكاليات وتجارب بشرية مُموقعة في المجال ومُمتدة في الزمان، تخص مدنا وقرى وتجمعات بشرية ظلت مجهولة أو مغمورة لضعف الاهتمام بها أو لتهميشها… فإنه ينطوي على تحديات جمة على مستوى التنقيب والتأليف، لما يعتري ذلك من صعاب تتعلق بندرة الوثائق أو قلة فرص الحصول عليها لأسباب متعددة؛ منها على الخصوص ضعف حركة التدوين وسيادة الثقافة الشفاهية، والميل إلى التكتم عليها أو إخفائها؛ لذلك فإن الباحث الطموح الراغب في اقتحام هذا الفرع من التاريخ، يجد نفسه أحيانا أمام مغامرة تتطلب منه الصبر والتؤدة والمكابدة وسعة الصدر، لعله يجمع شذرات متناثرة من المعلومات والموارد، تسعفه لتحقيق مبتغاه، دون أن تشفي فضوله الفكري بالمستوى المطلوب، وتروي غليله العلمي بالكيفية المتوخاة. والواقع، أن مختلف هذه النقائص لم تثن عزائم ثلة من الفاعلين والباحثين عن الاضطلاع بهذه المهمة العلمية المجدية، فعمدوا إلى اقتحام عرين التاريخ المحلي، لدوافع ذاتية أو موضوعية، كل حسب موقعه ووضعه ومبتغاه، واستطاعوا بفضل انخراطهم البيِّن أن يدلوا بدولهم في هذا الشأن، متجشمين عناء الصعاب ومقارعين ثقل المشاق”.
وإذا كان هذا الكتاب المؤسس حول منطقة تازة، قد شكل بادرة ومرجعا نظرا لِِما كان عليه من سبق، بل موجها محفزا لأعمال لاحقة شملت مقالات ودراسات لم تكن بما ينبغي من اخلاقيات بحث، لعدم ذكر مرجعها وما تم اقتباسه من جمل وفقرات وتعبيرات بل من عناوين تم نسج حديث وتحليل على منوالها، وهذا حديث سيأتي وقت تناوله وبسطه لوضع ما يقتضيه الأمر من نقط على حروف. إذا كان هذا الكتاب حول منطقة تازة قد شكل وعاء انطلاقات وقراءات، فالذي يسجل هو نفاد نسخه (ألف نسخة) من السوق إن على صعيد تازة أو ما تم وضعه بعدد من المكتبات بالمدن المغربية الكبرى. وعليه، على أساس ما سجل من مبيعات واقبال وطلب على لسان أرباب مكتبات ومنها مكتبات محلية، هناك جهود لإنزال طبعة ثانية مزيدة لهذا النص، الذي بقدر ما كان عليه من سبق بقدر ما أثاره من ثناء وحضن من قبل مثقفين باحثين عارفين بشأن التاريخ وبورش الكتابة حول القرب.