حول معلمة ٱلبُرْج ٱلمُلَوْلَب أو بُرْج سَّرَّاسِين/سَّرَّازِين التاريخي المتفرد بتازة ..
تازة بريس
محمد تشيش التازي
تعد مدينة تازَا- ٱلمغرب مِن أقْدَم ٱلمُدن بشَمال افريقيا، حيث وُجِدتْ بها آثار تعُود لحِقبٍ ما قبْل ٱلتاريخ، وقد بُنِيَت على أنقاض مَقبَرة نِيولِيتية، ونَعلَم أنّه مرَّت بها مجموعة مِن ٱلدّوَل ٱلمتعاقِبة على حُكْم ٱلمغْرِب بدايةً مِن دوْلة ٱلأدارِسة ووُصُولاً إلى دوْلة ٱلعَلَوِيّين؛ فكانت تارةً تُتَّخَذ كعاصِمةٍ وتارةً أخرى كمَدينةٍ عاديةٍ، إلَّا أنَّها وفي كلِّ ٱلحالات تستحِيل ٱلسيْطرة على ٱلمغْرِب دُون ٱمتِلاك مَمَرّ تازَا، نظراً لأَهَمِّية هذا ٱلمَعبَر في رْبِط شَرْق ٱلمغْرِب بغَرْبه، ولصُعوبة تَضاريسه وموْقِعه وسَط ٱلجِبال أيضا. فقد كان للمدينة دوْر كبير في ٱلمَجال ٱلإقتِصادي بِٱعتِبارها ٱلطريق ٱلتِّجاري الذي يصل فاس بتِلمْسان، فضلا عما كانت تقُوم به من وَظيفة عسكرية دفاعية، مستفيدة من موقعها على هضَبة محصنة بعوامل طبيعة وبشرية في حِجْر جبَل “تُومْزِيتْ”.
ورَدَت كلِمة “تازَا” ٱلمغربية في ٱلمَصادِر ٱلتاريخية وٱلجغرافية بعِدَّة صِيَغ وتعَدَّدَت طُرُق كِتابتِها عبْر ٱلعصور، نظراً لإختِلاف ثقافة ٱلكُتَّاب وٱلنُّسَّاخ. ويبْدو أنَّ إسم “تازَا” كان متداوَلاً على ٱلأقلّ مُنذ ٱلقرْن 4هـ/10م. فقدْ كُتِبَت كلمة “تازا” بدون ألِف في آخرها أو بٱلألِف ٱلممدُودة أو ٱلألِف ٱلمقصُورة؛ حيث أشار ٱلرَّحّالة ٱبن حوْقل (ت. تقريباً عام 367هـ/977م) في كِتاب “صورة ٱلأرض” إلى فَجّ ٱلجبَل ٱلمعروف “بتازَا”؛ وذَكَرها ٱلبِكْري (420-486هـ/1030-1094م) في كِتاب “ٱلمَسالِك وٱلمَمالِك” في أكْثَر مِن موضِع برَسم “تازَى”، وفي كتاب “ٱلإستِبْصار في عجائب ٱلأمصار”، وهوَ لكاتِبٍ مُرّاكشي مجهولٍ مِن كُتَّاب ٱلقرْن 6هـ/12م، كُتِبت “تازَا”؛ وفي كِتاب “ٱلروْض ٱلمِعْطار في خبَر ٱلأقطار”، لصاحِبه أبو عبد ٱلله ٱلحِمْيَري (ت. 900هـ/1495م): “تازَا”؛ وفي كِتاب “ٱلرِّحْلة ٱلحِجازية” (ص 56 و57)، أوْرَدها أبو عبد ٱلله محمد بن ٱلطيِّب ٱلشرْقي ٱلفاسي (1110-1170هـ/1698-1756م) “… ونزَلْنا تازَا ضُحىً ذلك ٱليوم …”؛ كما كُتِبت “تازا” عند محمد بن ٱلطيب ٱلقادري (1124هـ – 1712م / 1187هـ – 1773م) في أكثر من موضع ضِمن كِتابه “نشْر ٱلمَثاني لأهْل ٱلقرْن ٱلحادي عشَر وٱلثاني”؛ وفي “ٱلعِبَر” لٱبن خلدون، وردت مَرّة واحدة بٱلألف ٱلممدودة، وفي ٱلمواضع ٱلأخرى بألف مقصورة؛ لكنْ في كِتاب “ٱلإحاطة في أخبار غرناطة”، لِلِسان ٱلدِّين بن ٱلخَطيب، تنَوَّع رسْمُها بيْن “تازَ” بدُون ألِفٍ و”تازَا” بألِفٍ ممدُودة … وكذلك تنَوَّع رسْم كِتابتها عِنْد غيْرهم.
أُنْشِئَت ٱلأسوار ٱلمحيطة بٱلمدينة بغرَضٍ عسكريٍّ ومن اجل تحصينها مِن هجمات ٱلقبائل وكذلك مِن ٱلخطَر ٱلخارجي، حيث يبْلُغ طُولها حوالي 4 كلم وسُمْكها يقْرُب مِن 3 أمتار، وأُنجِز بِناؤها في ٱلقرن 6هـ/12م مِن قِبَل عبْد ٱلمُومِن بن علي، ٱلخليفة ٱلأوّل لدوْلة ٱلموَحِّدِين، كما أشار إلى ذلك ٱلحِمْيَري (ت. 900هـ/1495م) في كِتابه “ٱلروْض ٱلمِعطار” [فهيَ مِن بلاد ٱلمَغرِب… وسُوِّرَت ٱلمدينة سَنَة ثمانٍ وسِتّين وخمسمائة هجرية …”]؛ فقدْ شُيِّدَ ٱلسور ٱلداخلي بِطول يبْلُغ 2850 مِتراً، وتَمّ تدْعيمه بسُور خارجي في ٱلعهْد ٱلمَريني (ق 7هـ/13م)؛ وقد بُنِيَت هذه ٱلأسوار على شاكِلة ٱلأسوار ٱلمَغرِبية ٱلأندلُسية ٱلوسيطية، وهيَ عِبارة عنْ جُدران مِن ٱلطابية تدعمها أبراج مستطيلة وبعْض ٱلحصون … كمَا ورد في تقرير “تازَا وغيّاثة” Taza et les Riata» ، للمكتشِف وٱلخرَائطي ٱلضابِط ٱلفرنسي لُوِيسْ فُوانُو «Louis VOINOT»: [تتِمّ دَعَامة ٱلأسوار ٱلعتيقة في غالب ٱلأحيان بتوَفُّرها على أبراج مستطيلة ٱلشكل بارزة مِن ٱلجدْران ٱلساترة، بٱستثناءٍ في ٱلزاوية ٱلجنوبية – ٱلغربية مِن ٱلمدينة حيث يُوجد بُرْجٌ دائريٌّ، يُعْرَف ب “ٱلبُرْج ٱلمُلَوْلَب” وٱلذي يُسَمِّيه ٱلأوروبيُّون “بُرْج سَّرَّازين”(Tour Sarrasine) ].
بَعْد هذه ٱلمقدِّمة عنْ إسم وأقدمية مدينة تازَا ٱلمَغرِبية وأهميتها في ٱلتاريخ، وعنْ تحصينها مِن ٱلغُزاة، فإنّ مِحوَر موْضوعنا ٱلأساسي هوَ ٱلبُرْج ٱلمُلَوْلَب، لكونه ٱلوحيد في مدينة تازَا من حيث شكله ٱلفريد. لا يزال تاريخ بِناء ٱلبُرْج ٱلمُلَوْلَب لُغزاً حتى يوْمنَا هذا. وَوِفقاً لبعْض ٱلكِتابات ٱلتاريخية في عصْر ما قَبْل ٱلإسلام، كانت تازَا ٱلمَغرِبية، أوَّلاً وقَبْل كلِّ شيء، عِبارةً عنْ أَبِيدُومْ بَسيطة (“أَبِيدُومْ”: يَعْني مدينة مُحَصَّنة عِند ٱلرُّومَان)، ثُمّ أَصبحَت حِصناً حقيقياً عِندما تَمكَّن ٱلمُلُوك، في أوْجِ قُوَّتِهم، مِن مواجهة رُومَا … ومِن هذه ٱلمواجَهة وٱلإحتِكاك بٱلحَضارة ٱلرُّومانِيَّة، عادَ البربر بأفكارهم وأساليبهم؛ فمِن تِلْك ٱلفتْرة في ٱلواقع تَمَّ تأْريخ شظايَا ٱلأسوار، ٱلتي يُعْتبَر جُزءاً منْها ٱلبُرْجُ ٱلمُلَوْلَب بشكْله ٱلغريب وٱلرائع مِثل بعْض ٱلأبراج ٱلرُّومَانية. جلَب البربر أيضا تقنِيات ٱلفَخَّار مِن رُومَا، إذْ تَمَّ ٱكتشاف ٱلعديد مِن حُطام ٱلفَخَّار، وكذَا مصابيح زيتية وأواني ٱلحَسَاء ومزهرِيات بمقابِض… ومن جهة أخرى، تَعتقِد أبحاث تاريخية أخرى أنَّ هذا ٱلبُرْج لا يُمْكن أنْ يَرجِع تاريخُه إلى ٱلعصْر ٱلرُّومَاني، إذ أنَّ أسوار مدينة تازَا ٱلعُلْيا (ٱلمدينة ٱلعتيقة) قدْ تَمَّ بِناؤها على عهْد ٱلموَحِّدين (عبد المُومِن بن علي ٱلكومي، 542هـ/1142م)، وذلك لتحْصين ٱلمدينة عسكرياً خاصَّةً مِن جهة ٱلغَرْب، وجعْلِها رِباطاً للحروب وٱلقِتال وٱلفُتوحات، حيث كانت وظيفة هذا ٱلبُرْج ٱلأساسية هي ٱلحراسة وٱلمراقبة.
يُصَنَّف هذا ٱلبُرْج حاليًا على أنَّه مُنشأة تاريخية تذْكارية مِن ٱلتراث ٱلثقافي للمدينة، ولكنه حتْماً يحتاج إلى ترميمٍ وٱهتمامٍ. وقد سُمِّيَت هذه ٱلمُنشأة ٱلتاريخية ب “ٱلبُرْج ٱلمُلَوْلَب” نظراً لشكْل ٱلبِناء ٱلدائري ٱلمُتمايِل، وهوَ ٱلبُرْج ٱلوَحيد في ٱلمدينة في نمَطه، على عكْس ٱلأبراج وٱلحصون ٱلأخرى ذات ٱلبِناء ٱلمستطيل. وسُمِّيَ هذا ٱلبُرْج أيضاً بِ بُرْج “ٱلسَّرَّاسِين” أو بُرْج “ٱلسَّرَّازين”؛ وهذه ٱلتسْمية حديثة ٱلعَهد قدْ يغلُب ٱلظَّنُّ أنْ تكُون أُطْلِقَتْ عليه مِن طرَف ٱلمستعمِر ٱلفرنسي في بداية ٱلعُشرية ٱلثانية مِن ٱلقرن ٱلعِشرين، ومعْناها “بُرْج ٱلمسْلِمين”، إذْ أنَّ ٱليونانيِّين وٱللّاتينيِّين وٱلأوروبيِّين عموماً، منذ ٱلعصور ٱلوُسْطى إلى ٱلعصر ٱلحديث، عَرَّفُواْ جِنْس ٱلمسْلِمين وٱلعَرَب بِٱسْمِ “ٱلسَّرَّاسِنة” (أو “ٱلسَّرَّازين” تعريباً لكلِمةSarrasine ٱلفرنسية)، كمَا سنرَى ذلك لاحقاً في ٱلتفسيرات ٱلمُوالية. كذلك سُمِّيَ هكذا نظراً لوجوده في ٱلبلاد ٱلإسلامية-ٱلعَرَبية ولنَمَط بِنائه ٱلمنفَرِد.
حول مِنْ أين أتَت كلِمة “سَرَّاسِين” وماذَا تَعْني؟، جاء في ٱلكِتاب ٱلسادس مِن “تاريخ ٱللُّومْبارْد” (Historia Langobardorum) لِ بولُس ٱلشماس (Paulus Diaconus)، ٱلذي يعُود تاريخه إلى أواخر ٱلقرن ٱلثامن ٱلميلادي، وقدْ كُتِب بٱللغة ٱللّاتينية، أنّ ٱلفصلَ ٱلعاشرَ (10) يَتناول خبَر قِيام ٱلسَّرّاسين (Sarracinorum)، أيْ ٱلمسلمين، ٱلقادمِين مِن مِصْر بغَزْوِ إفريقية وٱستيلائهم على قَرْطاج. أمّا ٱلفصلُ ٱلسادس وٱلأربعون (46)، فيذْكُر خبَر قِيام ٱلسَّرّاسين (Sarracinorum)، أيْ ٱلمسلمين، ٱلذِين عبَرواْ مِن مدينة سَبْتَة بإفريقية بِغَزْوِ إسبانيَا، كمَا يَتطرَّق للحديث عنْ معْركة بَلاط ٱلشُّهَداء. وهذا مُقتطَفٌ مِن ٱلكِتاب: – ٱلفصل 10: “… ثُمّ سارَ ٱلسَّرّاسين (Sarracinorum)، أيْ أُمَّة ٱلمسْلِمين .. مِن مِصْر إلى إفريقيا بأَعدادَ كبيرةٍ، وٱستوْلَواْ على قَرْطاج ٱلمُحاصَرة، ٱلتي تَمَّ إخْلاءُ سكّانها ونهْبُها بقَسْوة وسَجَدتْ على ٱلأرض”. – ٱلفصل 46: “في ذلك ٱلوقت، عبَر جِنْس ٱلسَّرّاسين (Sarracinorum)، أيْ أُمَّة ٱلمسْلِمين مِن أفريقيا في مكانٍ يُسمَّى «سِبْتَمْ» Septam (مدينة سَبْتَةSepta )، فَغَزَواْ إسبانيَا كَّلَّها” (ٱلنّص ٱلأصلي بٱللغة ٱللّاتينية متوَفر لديْنا). وفي “مُدوَّنة مُواسِياك” (Chronicom Moissiacense)، ٱلتي يعُود تاريخها للعامِ 818 م، وقد كُتِبت بٱللغة ٱللّاتينية، جاء نصٌّ يَذْكُر أنَّه “عِندما كانَ يَحكُم إسبانيَا غِيطِشَة (Witiza) ملِكُ ٱلقُوطِ (ٱلذِين حَكَمواْ لمُدة 8 سنوات و3 أشهر)، هذا ٱلمَلِك ٱلذي كانَ مُتفانِيّاً في حُبّ ٱلنِّساء – وقد ٱقتَدى به ٱلكَهَنة وٱلشَّعْب في عيْش حياة ٱلتَّرَف – حتى أثار غضَب ٱلرَّبِّ، دخَل ٱلسَّرّاسين (Sarraceni)، أيْ ٱلمسْلِمون، إسبانيَا، وجعَل ٱلقُوطُ رُودِرِيق (Rudericus) مَلِكاً عليْهم، فواجَهَ ٱلسَّرّاسين (Sarracenis)، أيْ ٱلمسْلِمين، بجيش كبير مِن ٱلقُوط؛ وفي بداية ٱلمَعرَكة ٱنهَزَم ٱلقُوطُ ومَلِكُهم على يد ٱلسَّرّاسين (Sarracenis)، أيْ ٱلمسْلِمين، وهكذا سَقَطَت مَمْلَكة ٱلقُوطِ وٱنتهت في إسبانيَا، وفي غُضون عامَيْن أخْضَع ٱلسَّرّاسين (Sarraceni)، أيْ ٱلمسْلِمون، إسبانيَا بأكمَلها تقريباً” (ٱلنّص ٱلأصلي بٱللغة ٱللّاتينية متوَفر لديْنا).
وقد أَطلَق ٱلرُّومَان ٱلقُدامى إسم “سارّاسين” أو “سارّاكينوس” (بٱللّاتينية سارّاسينوس، وبٱليونانية سارّاكينوس Saracenus) كمُصْطلَح ٱستَخدَموه للإشارة إلى سُكّان ٱلصحراء في إقليم ٱلبَتْراء ٱلرُّومَاني، ثُمّ أصبَح يُطلَق على ٱلعَرَب، وفي ٱلعصور ٱلوُسْطى وخِلال ٱلحروب ٱلصَّليبية (ٱلقرن 11 و 13 ٱلميلادِيَيْن) توسَّع ٱلمُصْطلَح ليشمَل كلّ ٱلذِين يَدِينون بٱلإسلام. وٱنتَقل ٱلإسم إلى ٱللُّغات ٱلرُّومانِيسِيّة (أو ٱللُّغات ٱلرُّومَانِيقِيَّةُ، وتُعرَف كذلك بإسم ٱللُّغات ٱللّاتينية) وباقي ٱللُّغات ٱلأُوروبية، وٱلتسْمِيةُ بٱلإنجِليزية هيَ «سارّاسين»(Saracen) . ومِن جانب آخر، Sarrasins, Sarrazins أو Saracènes هوَ أحد ٱلأسماء ٱلتي أُطلِقت خلال ٱلعصور ٱلوُسطى في أوروبا على ٱلشعوب ٱلعربية ذات ٱلعقيدة ٱلإسلامية. يُروَى كذلك أنَّ كلِمة ” سَرّاكِنُوَا ” معْناها “ٱلمسْلِمون”، حيث يُحكَى أنَّ ٱبن بَطُّوطة (ٱلقرن 14 م) قد رافَق رَكْب ٱبنة إمبراطور ٱلقُسطَنطِينية، زَوجة أُوزْبِكْ خَانْ، لَمَّا كانت ذاهبةً لزيّارة أبيها، وعِنْد وُصُولهم إلى قصْر ٱلإمبراطور، سَمِع ٱلرجَالَ يقُولون: ” سَرّاكِنُوَا! سَرّاكِنُوَا!”، ومعْناه “ٱلمسْلِمون! ٱلمسْلِمون!”.
وفي ٱلعصر ٱلحديث، عَرَّفَ ٱلأوروبيُّون، ٱلعَرَبَ بِإسْمِ “ٱلسَّرّاسِنة” أو “سارّاسين”، وأطلَقُوه على قبائلَ عربيةٍ كانت تُقِيم في بادية ٱلشّام وسِيناء وفي ٱلصحراء ٱلمتّصلة ب”إِدُوم” (وهي مَمْلكة قديمة شرْقي نهْر ٱلأُردن). وسَمَّى ٱلرومُ ٱلبيزَنطِيُّون ٱلعَرَبَ «ساراقينوس» بمَعْنى «عَبِيد سارَة»، زوجة سيِّدنا إبراهيم، عليْهما ٱلسلام، ضِغْناً وحِقْداً شَديداً مِنْهم على «هَاجَرْ» وٱبْنِها إسماعيل، عليْهما ٱلسلام، بفِعل أنَّها كانت أَمَةً لِ « سَارَة»، على ٱلرغْم مِن إنكار ٱلإمبراطور ٱلبيزَنطِي “نقفور فوقاس” ذلك. ويوَضِّح “بطليموس” في جغرافيته هذه ٱلتسْمية إذ يُطلق إسم «ٱلسَّرَّكِنُوَا» على إقليم «ٱلثاديتاي» وهي ٱلمنطقة ٱلواقعة جنوبي ٱلإقليم ٱلذي تنْزِل فيه قبيلة طَيِّءْ بيْن منطقة جبال ٱلشَّراة (ٱلتي تقَع غرْب مُحافَظة مَعان في جنوب ٱلأردن) وصحراء ٱلنفوذ ٱلكبير(وموْقِعها تحديداً في منطقة نجْد بشَمال ٱلمملكة ٱلسعودية). وٱستناداً إلى هذا ٱلتوضيح، يُصْبِح إقليم «ٱلسَّرَّكِنُوَا» واقعاً في ٱلنِّصْف ٱلشَّمالي ٱلغرْبي مِن ٱلمنطقة ٱلتي تُعْرَف في ٱلوقت ٱلحاضر بإسم “شُمّر” (جبل شُمّر أو جبال شُمّر هي منطقة جبلية حصينة في شَمال غرْب ٱلسعودية)، وكان هذا ٱلإسم يُطلَق على جميع ٱلبدْو مِن ٱلعَرَب ٱلذِين يسْكُنون مَمْلكة ٱلأنْباط في ٱلبادية ٱلعَربية. ومِن جهة أخرى، جاء في قوْل أحدهم أنّ في ٱلقرن ٱلتاسع عشر عِندما بدأ “مشروع نابُولِيُون بونابارْت”، ظهَرَت تعريفات ٱلأجناس غيْر ٱلأوروبيِّة، فأخَذواْ يُحرِّفون كلِمة “ٱلمُور”، تارةً يقولون إنها تعْني ٱلمسْلِمين، وهذا غيْر صحيح، لأن ٱلإسبان كانواْ يُفَرِّقون بين ٱلمُور – أيْ ٱلعرب وٱلمسْلِمين في ٱلأندلس وٱلعرب ٱلأفارقة -، وٱلسّرَّاسِنة – أيْ ٱلعَرَب وٱلفُرْس وٱلأتراك -…
وفي خُلاصة ٱلقوْل، وبٱلرجوع إلى موضوعنا ٱلأساسي، يتّضِح لنا جلِياً أنّ “ٱلبُرْج ٱلمُلوْلَب” سُمِّي هكذا لأنه إسمٌ منبثِقٌ مِن شكْله ٱلدائري ٱلمتمايل ٱلغريب وٱلمنفَرِد في مدينة تازا… أمَّا عِبارة “بُرْج سرَّاسين/ سرَّازين”، أو مَا شابَهَهَا، فهي مسَمَّيات لا عرَبية ولا أمازيغية ٱلأصْل، فبِٱلتالي لا يصِحّ أنْ نُطلِق عليه هذه ٱلتسْمِيات ٱلتي هي نابعة مِن غيْر بُنَاة ٱلبُرْج، بلْ أطلَقها عليه ٱلمستعمِر ٱلفرنسي عبْر مُكتشفِيه ٱلجوَاسيس (منذ أواخر ٱلقرن 19م)، وعنْد ٱحتلاله لمدينة تازَا في أوائل ٱلقرن ٱلعشرين، كمَا تشهَد بذلك كِتاباتهم ٱلمختلِفة. وأمَّا نعْتُه ب بُرْج “ٱلسَّرَاغِنَة” أو “ٱلسَّرَّاجين” مِن طرَف ٱلبعض، فلا وُجود لعلاقة هذيْن ٱلنعْتَيْن بٱلبُرْج ولا بتاريخه ووظيفته وشكْله.
باحث مهتم بالتراث