في ذكرى الاحتفاء بأيقونة تازة المرحوم يحيى جفال برحاب الملعب البلدي
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
سمو روح ولمسة وفاء، هو كل التفاتة عرفان إن من قبل مؤسسات أو مجتمع مدني أو من خلف لسلف في هذا الشأن أو ذاك، عبر ما ينبغي من وقفة تأمل واستحضار لكل مستحق من كفاءة وتجربة وموهبة، سخرت فعلها وتفاعلها ومسارها بما يفيد البلاد والعباد على هذا المستوى وذاك. ولعل كل تكريم واحتفاء بالآخر هو تعبير عن نبل رسالة لمحتفى به، اعتبارا له وفخرا به لِما كان عليه من عطاء وبصمة واضافة وافادة، واعترافا بما كان عليه من تميز وحسن أثر في مجال علم وثقافة وابداع وبحث ودراسة وفنون ورياضة وغيرها. وعليه، ما يرسيه كل احتفاء وتكريم عموما من قيم مجتمع وانسانية، وما يبعث عليه ويعكسه من أثر نفسي واهتمام وتثمين. فضلا عما لهذا السلوك الحميد أيضا من أثر ايجابي مجتمعيا، من قبيل ما يمكن أن يسهم به على مستوى تلاقح أجيال وحفز على بذل وجهد واجتهاد وابداع واخلاص وتطلع وتنافس شريف.
في هذا السياق ومن ذاكرة احتفاءات تازة بأبنائها، ووعيا بزخم المدينة الرياضي من حيث تجاربها واسمائها التي كانت بريادة وتميز، ذلك الذي يصعب القفز عن بصمته ووقعه وخدماته على مستوى ما قد يكون تأسيسا وبناء وابرازا واغناء واضافة. وترسيخا لقيم وفاء من الرياضي للرياضي عن ذاكرة المدينة، كانت تازة ذات ربيع في مثل هذا الشهر “أبريل” قبل حوالي العقدين من الزمن، على موعد مع حدث رياضي تكريمي رمزي رفيع المستوى، احتضنه ملعبها البلدي على ايقاع جمهور استثنائي حج اليه. وكان الحفل والاحتفاء قد ارتآي اسما بمكانة واعتبار خاص في الوسط الرياضي التازي، وقد تعلق الأمر بالأستاذ “يحيى جفال” الذي انتقل الى عفو الله تعالى قبل حوالي أربع سنوات، والذي بقدر ما كان عليه رحمه الله من تعدد اهتمامات وتخصصات رياضية جمعت بين سباحة وفنون قتال وحمل أتقال وايروبيك..، بقدر ما كان مدربا متميزا غيورا رافعا لشأن ومقام الرياضة والرياضيين بالمدينة. بحيث في تقدير كثير من المهتمين والفاعلين، كان فقيد تازة هذا بفضل فيما عرفته في وقت مبكر من انتشار لرياضة “الكراطي”. مع أهمية الاشارة لِما كان له من ارتباط بفريق الجمعية الرياضية التازية لكرة القدم في زمنها الجميل، كمدرب لسنوات وسنوات. ويسجل أن حفل تكريم ايقونة تازة هذا، كان نتاج عمل مشترك بين مجلس الجماعة الحضرية لتازة آنذاك، وجمعية صداقة ورياضة المغرب، وقدماء لاعبي كرة القدم بالمدينة، فضلا عما يحسب لابن تازة اللاعب مصطفى البياز من فكرة ودور في تحقيق الموعد وتأثيثه وإغناء سقفه ومقامه وقيمته. علما أن حفل “يحيى جفال” الذي كان لا يزال حيا، حضرته نخبة وازنة من قدماء لاعبي الفريق الوطني المغربي لكرة القدم عن سبعينات وثمانينات القرن الماضي، منهم من شارك في اقصائيات كأس العالم بمكسيكو 1986.
تاريخي بامتياز اذن كان حفل وحدث تازة التكريمي هذا، لحجم جمهوره وفرجته وهدفه ونبل قصده ولكونه التفتت لاسم وشخص “يحيى جفال” الذي اعطى الكثير لسنوات وسنوات للرياضة والرياضيين بالمدينة وبنكران ذات، بحيث كان بفضل في بروز عدد من الأسماء الموهوبة وفي غنى مسارهم وتألقهم، إن بملتقيات وطنية ودولية عدة أو على مستوى رياضة فنون القتال ثم كرة القدم كمدرب لفريق الجمعية الرياضية التازية لسنوات، وقد شكلت جزء من فترة الفريق الذهبية. ويسجل أن حدث تكريم ايقونة تازة الرياضية “يحيى جفال” قبل حوالي عقدين من الزمن، بقدر ما أعاد الدفئ لمدرجات ملعب المدينة البلدي التي افتقدت الحياة منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي بتقدير كثير من المهتمين والمتتبعين والفاعلين الرياضيين القدامى، من خلال جمهور استثنائي التقى بهذه المناسبة مع نجوم كروية مغربية وعلامات كبيرة لها بصمتها في ذاكرة المغاربة الرياضية، بقدر ما كان الموعد هدية رمزية وعرسا رياضيا عرفانا للمحتفى به من خلال مقابلة جمعت بين منتخب تازة الكروي وبين نخبة من خيرة رموز كرة القدم المغربية. علما أن ملعب تازة الذي احتضن هذا اللقاء التكريمي، كان منطلقا لبروز عدد من الأسماء الكروية التازية التي عززت بمواهبها ومهاراتها وأسلوب لعبها، عدد من الفرق الوطنية الكروية الكبرى فضلا عن المنتخب الوطني، في زمن يفضل الكثير نعته بالذهبي حيث تألق ومجد كرة القدم بعناصرها الوطنية المحلية، وحيث بصماتها القوية على مستوى المنافسات الدولية والقارية. ولعل مصطفى البياز شفاه الله واحدا من رموز كرة القدم التازية وجزء من تاريخ وذاكرة كرة القدم المغربية، وقد بلغ ما بلغ من صدى ذات يوم من ثمانينات القرن الماضي، عندما ارتبط اسمه وموقعه لدى جمهور المغرب الرياضي بالمدافع الصلب وبروح قتالية صلبة متفردة تميز بها، فضلا عن طبيعة أسلوب لعب وخرجات واختراقات في لحظات حاسمة مصيرية، بل هو أيضا من الأسماء الكروية عن فترة ذهبية كانت بأثر في تعلق المغاربة أكثر بنخبتهم الوطنية لكرة القدم.
ومن باب الانصاف يحسب لمصطفى البياز ما كان عليه من دور في حدث تازة التكريمي، لفائدة ايقونة المدينة “يحيى جفال” وعيا وعرفانا منه لِما كان عليه هذا الأخير من فضل عموما على مستوى دينامية المدينة رياضيا لسنوات بل لعقود من الزمن، وما أسهم به من حيث تحبيب الرياضة والبذلة الرياضية للجميع وتوفير الفرجة والتوجيه والتأطير للرياضيين. وقد شاء القدر أن يتم تكريمه بمدينته وأمام جمهوره من قبل منتخب أسود المغرب، ممثلا في عبد المجيد الظلمي، أحمد فرس، حماد حميدوش، حسن أقصبي، مصطفى كريمو، عزيز بودربالة، عبد الكريم الحضريوي، مصطفى خليف، حسن بنعبيشة، عبد الغني الغويني ..الخ، وبمساهمة رمزية لحكام مغاربة دوليين من قبيل محمد بصار. علما أن مقابلة تازة التكريمية الانسانية بحضور هذه الأسماء الكروية الوطنية التاريخية، جرت أمام نخبة كروية تازية اثثتها أسماء هي بمكانة محترمة وقد أعطت الكثير لكرة القدم المحلية، منهم نذكر محمد العياشي، حفيظ الدادسي، الشحوم، البرينسي، عبد النبي العزوزي، مصطفى سليمان، ادريس بلخضر، البرهاوي. وقد انتهت هذه المساحة الكروية التكريمية بين المنتخبين بنتيجة ثلاث إصابات لواحدة لفائدة منتخب النخبة التاريخية الوطنية. حيث استمتع جمهور تازة بلقاء كروي احتفائي رفيع المستوى، حضرته بصمات ولمسات الأسطورة كل من عبد المجيد الظلمي الأسطورة رحمه الله، وقدفات أحمد فرس الماسترو صاحب الكرة الذهبية، واندفاعات اللاعب كريمو..، ومما زاد من جمالية الموعد على أرضية ملعب تازة البلدي قبل حوالي العقدين من الزمن، ما صادف ضمن جو ربيعي من أمطار خفيفة لبعض الوقت، وما كان عليه جمهور تازة بالمناسبة من حماس وترحيب بنجوم المغرب الكروية التاريخية، ومن هتافات وثناء وفخر بابن تازة مصطفى البيار اللاعب الدولي الممتاز.
في مستودع الملابس بالملعب البلدي بتازة والذي كان لا يزال حديث الترميم والإصلاح والتجهيز، وبعد نهاية المقابلة التقينا كمراسل لإذاعة فاس آنذاك باللاعب الدولي الأسطورة أحمد فرس، وما ادراك ما اسم “فرس” في تاريخ وسماء كرة القدم المغربية عن سبعينات القرن الماضي، فرس الدولي السابق الحاصل على الكرة الذهبية سنة 1975 والمتوج مع الفريق الوطني بكأس افريقيا للأمم سنة 1976. مع هذه الأسطورة التي حلت بتازة احتفاء ب”يحيى جفال”، كانت دردشة على الهامش بالمناسبة اشرنا اليها ضمن مقال بيومية “صوت الناس” آنذاك. فكان من جملة ما تقاسمنا من حديث، أهمية ورمزية كل عرفان كثقافة ينبغي أن تكون وأن تستمر، لفائدة كل مستحق ممن كان ببصمة في هذا وذاك من المجالات ومنها الرياضة، فضلا عن انطباعه حول تازة وملعبها وجمهورها ومعها وقع الاحتفاء. وقد جاء تفاعله معنا مؤكدا أهمية كل مبادرة تكريمية كيفما كان شأنها ولونها ومصدرها، لِما لها من أثر نفسي إيجابي على المحتفى به، مشيرا الى أن مثل هذه المناسبات هي بدور تلاقح الأجيال الرياضية وتحفيز الناشئة على كل بذل وعطاء، مع اخذ العبرة من السلف خدمة لكل التطلعات الوطنية في كل المجالات ومنها الرياضة وكرة القدم،. أما اللاعب مصطفى كريمو فقد عبر بهذه المناسبة عن تقديره الخاص لزميله اللاعب مصطفى البياز، الذي كان سبيلا في زيارته لتازة ومساهمته في مقابلة تكريمية مستحقة للمحتفى به، معتبرا المبادرة دليلا على ما للمدينة من قيم رياضية ورموز لها مكانتها وطنيا ودوليا، مؤكدا على ما لتازة من مكانة في وجدان مصطفى البياز الذي يعتز بانتمائه اليها باعتبارها منطلق ما بلغه. وحول سؤال ما كانت عليه المقابلة من جمهور وتجاوب استثنائي مع نجوم النخبة المغربية عن سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أشار اللاعب كريمو الى أن ما يسجل من تقدير واحترام من الجمهور، يلمس في جميع اللقاءات والمناسبات والمقابلات الرياضية التي تنظم هنا وهناك من المدن المغربية كلما اتيحت الفرصة، مؤكدا أن هذا نتاج تراكمات وحصيلة وطنية ودولية رياضية. وأذكر أنه في تقرب وتفاعل مع اللاعب عبد المجيد الظلمي رحمه الله بهذه المناسبة، فقد اكتفى بالانصات مع ابتسامة معبرة كعادته شاكرا اهل تازة وجمهورها.
هكذا كان لقاء تازة التكريمي احتفاء ب”يحيى جفال” رحمه الله ذات ربيع قبل حوالي العقدين من الزمن، وهكذا ما رسمته المدينة الى عهد قريب ولا تزال من قيم وفاء راق لفائدة رموز فخر، لِما كانت عليه من عطاء وبروز وابداع في عدد من المجالات ومنها الرياضة. علما أن كل احتفاء بقدر ما يتملكه من طابع انساني وقيمة رمزية مجتمعية، بقدر ما يعد سلوكا رافعا من اجل شباب حامل للمشعل طموحا لكل انجاز علمي وفني ورياضي ..، ضمن ما ينبغي من جسور وصلة بين ماض وحاضر ومستقبل. مع أهمية الاشارة الى أن ثقافة الاعتراف كالتي حصلت لفائدة “يحيى جفال” من خلال مقابلة باذخة تاريخية نظمت تكريما له، بقدر ما كانت عليه من صورة وفاء ولحظة حاملة لمعاني أخلاق يدركها الحصيف ويتقبلها المنصف ويعمل على نشرها كل فاعل واع، بقدر ما عكسته من أهمية الوفاء للآخرين والاعتراف بمن كان منهم بأثر واضافة وتميز ومكانة وفضل.